سوق البراغيث بباريس
يعتبر سوق مونتروي المفتوح شرقي باريس درة أسواق فرنسا, فهو أضخمها وأكثرها تنوعا ويرتاده طوال أيامه الثلاثة (السبت والأحد والاثنين) نحو 300 ألف زبون.
وقال رئيس نقابة تجار سوق مونتروي جمال زيداني إن التسمية تعود في العرف الفرنسي إلى أن الملابس والبضائع القديمة المستعملة تكثر فيها البراغيث.
وأوضح زيداني أن أبناء المهاجرين أخذوا على عاتقهم الحفاظ على المهنة وحماية أبنائها والحصول على حقوقهم خاصة رفع مستوى التقاعد الذي يتراوح بالكاد بين 300 و400 يورو في الشهر.
وعن سبب انتماء معظم تجار السوق إلى المغرب العربي, قال إن هذه التجارة هي الخيار الأخير المتاح أمام الأجيال الأقدم من المهاجرين التي لم تمتلك اللغة ولا المعرفة الكافية بالقوانين المنظمة للتجارة خارج السوق.
يقطع الحديث مع زيداني الجزائري الأصل حوار زبونة فرنسية في الستينيات من العمر بعدما اشترت قطعة ملابس بسعر زهيد كالمعتاد ولم يكن لديها إلا العملات الورقية من فئة الخمسين يورو.
طلب منها أن ترد له الثمن عند عودتها في يوم آخر، وهو أمر غير معتاد في المحلات الفاخرة خارج السوق.
وبسؤال السيدة عن انطباعها عن السوق قالت إنها تعيش "لحظات حميمية" أثناء التجول والشراء, فهي من أصحاب "الأقدام السوداء" أو المستوطنين وقت الاحتلال الفرنسي للجزائر. وفي السوق تسترجع عبر أجوائه بعضا من هذه الذكريات ناهيك عن انخفاض الأسعار.
الجولة في السوق الذي يأتيه رواده من مختلف أنحاء باريس تحمل الكثير من المفاجآت وأكثرها مدعاة للدهشة طاولات متجاورات لتجار يبيعون أقنعة الحرب الكيماوية إضافة إلى خوذات المقاتلين وملابسهم وشبكات التمويه على المعدات العسكرية.
ولا يتجاوز سعر القناع الواقي عشرين يورو قابلة للتخفيض. أما الأثاث الفرنسي القديم الذائع الصيت فيبدو أقرب إلى الذكريات بعد أن تراجعت مساحات المعروض منه في ظل منافسة الأثاث الجاهز الجديد الذي تبيعه كبريات المحلات بأسعار في متناول الكثيرين.
ويتوارى الأثاث القديم خلف مبيعات الأحذية خاصة الرياضية التي تلقى رواجا مع غيرها من الملابس الرياضية ذات العلامات التجارية العالمية التي تقل أسعارها قليلا عن أسعار المحلات الفاخرة .
أما تجارة الكتب والصحف القديمة فتقول عنها إحدى التاجرات "زبائني من مختلف الأعمار ولا يميلون كثيرا إلى المفاصلة لكن الرجال أكثر إقبالا من النساء على بضاعتي".
ويزدحم السوق الممتد على مساحة خمسة آلاف متر مربع برواده من الفرنسيين والعرب والأفارقة والباكستانيين والأوروبيين الشرقيين.
ويزداد الازدحام مع اقتراب العطلة الصيفية التي يضطر معها المهاجرون المغاربيون إلى شراء كميات ضخمة من الهدايا إلى ذويهم حتى الأقارب من الدرجة الثالثة كما تقتضيه عادات البلاد.
وعلى مقربة من السوق يسعى البعض إلى ممارسة ما يعرف بـ"التجارة السوداء" التي لا تخضع لقانون أو إيجارات مثل تلك التي يدفعها تجار السوق المعترف بهم والتي يصفها رئيس نقابتهم بأنها "رمزية".
تجار سوق البراغيث يبلغ عددهم ستمائة يقولون على لسان جمال زيداني إن قيمة الإيجار ارتفعت عن السابق لكنهم يشهدون أيضا بأن تحسنا طرأ على طريقة تعامل صاحب الامتياز الذي يشتري حق التأجير من عمدية مونتروي، بعد أن حل محل آخر يقال عنه إنه "كان متلاعبا".
ويقول جمال زيداني إن الطلب أكثر من عدد قطع الأراضي المتاحة للإيجار نظرا لتميز السوق من حيث الحجم وعدد الزبائن.
سيد حمدي
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد