كنا نعتقد أننا مركز الكون

02-09-2023

كنا نعتقد أننا مركز الكون

زكريا الكردي: "كنا نعتقد أننا مركز الكون " مقال نشره سيغموند فرويد سنة 1917 تحدث فيه عن ثلاثة جروح نفسية كبرى أذلت غرور الإنسان وطعنته في نرجسيته،
وجه فرويد دعوة إيجابية حتى نتصالح مع هذه الجروح لكي نتخطاها لأن أبجديات المعالجة تبدأ بالتعايش مع العلة أو المرض وليس إنكاره أو تجاهله أو عدم قبوله وتقبله.
وأول الطعنات كانت على يد نيكولاس كوبرنيكوس، الذي قال بأن الأرض هي ليست مركز الكون بل ولا محورا لهذا العالم وأنها مجرد جرم صغير يدور في فلك مجموعة شمسية تضم العديد من الكواكب تفوق الأرض مساحة وأهمية.
هذا الاكتشاف كان بمثابة صفعة للإنسان الذي كان يظن ويعتقد أنه أهم ما في هذا الكون، وأن جميع الكواكب بما فيها الشمس كانت تدور حول أرضه وبيته كنوع من التعظيم والتقدير لشأنه،
لم يمر عن هذه الصفعة وقت طويل حتى أتاه طعنة ثانية وكان أثرها أكبر وأكثر وقعا وتسببت في جرح بيولوجي على يد تشارلز داروين حيث كان يعتقد الإنسان قبل نظرية داروين أنه ينحدر من نسل الإله وأن أصوله سماوية علوية سامية تميزه عن باقي المخلوقات والكائنات الأخرى على الأرض .
داروين ضرب في مقتل نرجسية الإنسان لما أخبره عبر نظريته بالتحلي بالتواضع لأنه مجرد نوع متطور من فصيلة مملكة الحيوان الكبرى “الهومو-سابيينس” الذي انتقته وانتخبته الطبيعة لأنه تطور جينيا وكان قادرا على التأقلم والتكاثر في البيئة والمحيط الموجود فيه ومنه.
هذا الاكتشاف أصاب الإنسان بزلزال نفسي رهيب وبرعب وهلع، بل ووضعه أمام حقيقة قاسية كان من الصعب قبولها وتقبلها من طرف كائن يحسب نفسه الأرقى والأعلى مرتبة وسيادة على الكائنات الأخرى. النظرية تدعو الإنسان أن يتقبل أنه وغيره سواسية ولا توجد حكمة من وجوده، كما توهم، أكبر من وجود الحشرات والحيوانات التي يشاركها ويتشارك معها هذه الأرض.
الجرح الثالث على يد فرويد حيث أذل عنجهية النفس البشرية حينما أرجع كل أفعالها وتصرفاتها إلى رغبات مكبوتة لا واعية وغرائز لاشعورية مدفونة بقعرها، فقد استنتج أن جوهر الإنسان الحقيقي هو اللاوعي المتحكم بكل القرارات والتصرفات من خلف ستار وعي واه، ظاهري وخادع. وبذلك يكون فرويد قد دق آخر مسمار في نعش النرجسية والغرور والكبرياء الإنساني التي فقدت مع كوبرنيكوس وداروين .
الإنسان صعب عليه قبول وتقبل هذه النظريات وتلكم الحقائق، طبيعي أن يعارضها ويعترض عليها بل ويرفضها لأنه مغرور ومتعال ويحيط نفسه بهالة “قدسية” من الأوهام جعلته يعتقد أنه أول من وجد على هذه البسيطة وأنه سيد عليها ومتسيد فيها، بل أكثر من ذلك ذهب بعيدا عندما سولت له نفسه بأنه سيد هذا الكون كله وأن أصل علة وجود هذا الكون هي أن يكون مسخرا لراحته ولخدمته.
النظريات الثلاث أخرجت الإنسان من حالة الطمأنينة والجمود الذي كان يعيش عليه وفيه بفعل معتقداته الدينية أو مسلماته الأيديولوجية أو الفكرية القديمة، ودفعت به إلى عالم جاف وقاس عليه أن يصارع لوحده بعدما سلبت منه راحته النفسية التي كانت تتكل على آلهة علوية ويرمي عليها أحماله وأثقاله، فأصبح يواجه الطبيعة للبقاء ومعرفة معنى وغائية وجوده. كما أنها أفرغته من كل غاية نبيلة وسامية وجعلته يعيد السؤال والتساؤل حول قلقه الوجودي وهو المنتظر لموته المؤجل.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...