على معبر الجديدة : مهاجرون لبنانيون وأنصار سوريون

20-07-2006

على معبر الجديدة : مهاجرون لبنانيون وأنصار سوريون

غدير طفلة من بين مئات الأطفال الذين وصلوا بالأمس مع ذويهم إلى معبر جديدة يابوس الحدودية هربا من الموت القادم من «إسرائيل» والذي يبدو أنه اختار في حربه الجديدة الأطفال هدفا له، فلا الدموع البريئة شفعت لهم أمام عالم متخاذل وصمت عربي مزر ولا أجساد نظرائهم الممزقة حمتهم... ‏

قبل أن تتحدث الطفلة زينب زين القادمة من زحلة أخذت الدموع تنهمر على خديها الصغيرين... تبكي على فراق أهلها وأخوتها والأصدقاء الذين تعودت أن تلعب معهم يوميا.... لم يتسن لها جلب بعض ألعابها فقد أتت مع شقيقها بعد أن كان الموت يلحقهما... وأحلامها بسيطة..«أتمنى أن أعود إلى لبنان»..
* دون رسوم ‏

ليست عواطف ولا يمكن أن تكون بحال من الأحوال شفقة... هي مشاعر المصير المشترك الذي لم توجده الجغرافيا فقط بل إن الله هو من صنعها... ‏

لحظات الصباح أمس في معبر جديدة يابوس لم تكن تشهد ازدحاما لافتا، إلا أن الساعات القليلة التي أعقبتها كانت كافية لتجعل موظفي الجمارك يستنفرون للعمل على أربعة خطوط، ولتدفع بأمين جمارك الجديدة ليخرج ويبدأ بالصياح وتوزيع العاملين حفاظا على تنفيذ التعليمات بتسهيل دخول مختلف القادمين من لبنان، وهنا أشار عمر شهاب العيسى أمين جمارك الجديدة إلى أنه مع «بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم والقصف العشوائي على المواطنين تدفق العديد من السياح والمصطافين العرب والأجانب والإخوة اللبنانيين إلى سورية، وتضامناً مع إخوتنا كانت هناك إجراءات وتدابير سريعة لتسهيل عبورهم إلى بلدهم الثاني وشعبهم، حيث تمت مضاعفة أعداد العاملين وتجاوز كل الإجراءات السابقة المعتادة على الحدود ..».
وبالقرب من إحدى السيارات وقف مفيد إبراهيم رئيس مفرزة الجمارك يوجه القادمين حول الإجراءات السريعة المفترض اتخاذها، وأوضح لنا أن «الأيام الأولى شهدت ازدحاما كبيرا من السياح والمصطافين العرب والأجانب، وهؤلاء تمت معاملتهم بشكل لم يسبق له مثيل في هذا المكان، فخلال دقائق كان يتم السماح للسيارات بالعبور والمطلوب كان يقوم به العناصر بينما القادمون بقوا في سياراتهم..» وتوقع أن أعداد السيارات تضاعفت بما يتجاوز عشرة أضعاف عما كان عليه الحال قبل هذه الأزمة..» ‏

لم تكن الدموع فقط ما ميز وجوه القادمين لدمشق عبر معبر الجديدة التي لم تختف نهائيا عن وجه أية إمراة أو عيون كل طفل، بل هناك ما هو مؤلم أيضا فكما يقول السيد شهاب فإن «العديد من الأخوة اللبنانيين نزحوا بما يرتدونه من لباس فقط، والكثير منهم لم يكن معهم حتى نقود لذلك كان القرار بإعفاء جميع القادمين من أية رسوم وتقديم لهم كافة الاحتياجات المطلوبة من مواد ضرورية سريعة...».
وربيع جنيد القادم من منطقة أبو ظهور لم يكن بحاجة لسؤال منا حتى يبدأ بسرد معاناة أسرته والعائلات المنتشرة في منطقة الجديدة فقال لنا «يمكنكم أن تروا النساء والأطفال بثياب النوم، لم يكن هناك متسع من الوقت، فقد تكون القذيفة فوق المنزل إذا كانت الأم تريد تبديل ملابس أطفالها..«موجها الشكر لسورية التي «خففت باستقبالها الكثير عنا». ‏

وإذا كان ربيع قد هرب بعائلته فإن محمد هلال الذي يقود شاحنة حمل فيها العشرات من النساء والأطفال قادما من البقاع (زحلة) ومعه بعض العمال السوريين الذين قرروا العودة إلى بلادهم بعد حالة الدمار والخراب التي حلت بمناطق كثيرة من لبنان، وهم كما قال أحدهم «قلوبنا تقطر دما فهذه البلاد بنيت بسواعد سورية ـ لبنانية».
* على الأقدام ‏

في إحدى الخطوط لفتت انتباهنا أوراق يوزعها السيد إبراهيم رئيس مفرزة الجمارك تقدمنا منه وسألناه ما هذا، فقال إن «بعض المواطنين السوريين قاموا بكتابة أرقامهم الهاتفية وأسمائهم بنسخ متعددة لتوزيعها على الأخوة اللبنانيين القادمين بغية تأمين السكن المجاني لمن لا يتوفر لهم سكن في سورية..» وليس هذا فحسب، فالكثير من السوريين والشركات والجمعيات يقدمون الكثير من الخدمات فمنهم من يؤمن النقل المجاني للعاصمة دمشق ومنهم من يؤمن بعض الأطعمة والأغذية السريعة والمياه، ومنهم من يضع كافة الخدمات الطبية في متناول المحتاجين لاسيما من الأطفال.. لكن يبقى السائق أحمد جدعان الذي يعمل لدى شركة الرحالة نموذجا فريدا للمساعدة التي تقدم للأخوة اللبنانيين «فالشركة تعمل على نقل المواطنين اللبنانيين مجانا من زحلة إلى دمشق..«مخاطرة بآلياتها وعمالها الذين كما قال السائق جدعان اقل ما قد يقدم. ‏

وإذا كان هناك من وجد وسيلة نقل توصله إلى دمشق أو على الأقل إلى الحدود، فإن العامل السوري حسن الجاسم وبعض رفاقه خرجوا منذ خيوط الفجر من مدينة زحلة تاركين خلفهم كل شيء عائدين لبلدهم مشيا على الأقدام، ولدى وصولهم منطقة الجديدة كانت قواهم قد خارت من كثرة التعب، لكن صوته بقي يروي ما شاهدوه في الطرقات من «ديمقراطية وعدالة العالم ومساندة العرب..».
وصوت حسن الذي خرج برغم التعب لم يكن كذلك لدى صباح الماضي القادمة من البقاع الغربي، فالدموع منعت صوتها من الخروج... وكل ما استطعنا تسجيله أنها «جاءت برفقة ثلاث سيدات وأطفالهن ولم يكن بصحبتهن أي أقاربهم الرجال.. خرجن تحت القصف والدمار حماية لأطفالهن، فيما بقي أقاربهن الرجال هناك متمسكين بلبنان كوطن.. ‏

وتبقى النبطية كما كانت قصيدة عشق وبطولة، وأديبة شحرور القادمة من هذه المدينة العظيمة نقلت صورة سمتها «ستبقى صامدة ومقاومة... و«إسرائيل» قد تقتل الكثير منا لكنها لن تقتل محبة المقاومة والانتماء للبنان». ‏

في موازاة خوف محمد صالح من بعلبك على صغاره وعائلته وبالتالي التوجه نحو سورية كملجأ آمن، إلا أن أعمامه وأقاربه لم يقتنعوا بالنزوح عن أرضهم وبيوتهم، ولدى وصوله إلى منطقة جديدة يقول محمد «كان متطوعو الهلال الأحمر وبعض الجهات الخاصة يزودونهم بالطعام والماء وبأرقام هواتف للحصول على مسكن مجاني..».
* الهلال الأحمر ‏

بعد نقطة الهجرة والجوازات التي وقفنا نراقب عمل أفرادها الذين يواجهون ضغطا متزايدا، كانت لمار الخطيب في نقطة الهلال الأحمر تتقدم مع قدوم كل سيارة لبنانية حاملة بعض عبوات المياه والأطعمة السريعة لركابها، وتصف لمار مهمتها «أقوم مع زملائي الموجودين في المركز بتقديم الطعام والماء للقادمين وتقديم الإسعافات الأولية للمحتاجين ومن ثم ننقل من يريد إلى باصات خاصة تنقلهم لدمشق لتأمين المسكن واللباس لاسيما لمن ليس لديهم أقارب في سورية أو في دمشق تحديدا..«وتسجل لمار ملاحظات على مشاهداتها الأولية إذ تقول «هناك الكثير ممن جاؤوا مشيا على الأقدام..».
وإلى جانب مركز الهلال يقف العديد من ممثلي الجمعيات الخيرية والشركات الخاصة لتقديم المساعدات المطلوبة، سواء من احتياجات سريعة تخفف على القادمين مشقة السفر وتمنحهم بعض الأمان المفقود بفعل طائرات العدو وقذائفه. ‏

‏ * الملجأ الآمن ‏

اليوم... قد يتبادر لذهن الزائر لمعبر الجديدة أن هناك كثافة في أعداد القادمين وهو ما ينفيه أمين جمارك الجديدة الذي يؤكد «أن قصف «إسرائيل» العدواني للجسور والطرقات المؤدية إلى المعابر السورية الأربعة مع لبنان خفف كثيرا من أعداد القادمين والنازحين جراء الاعتداءات المستمرة على القرى والمدن اللبنانية، وجعل بعضهم محاصرين بين طرقات مقطعة...» وكأن حال قادة العدو يقول : لا نريد تدمير لبنان فقط بل منع المواطن اللبناني من إيجاد ملجأ آمن له... أو كما يقول أحدهم منع لقاء مواطن لبناني بأخيه في سورية...
* وفي السياحة ‏

إلى جانب جهود وزارة العمل وجمعياتها الأهلية كانت وزارة السياحة خلال الأيام الماضية خلية نحل مهمتها تأمين المبيت لآلاف السياح الغربيين القادمين إلى سورية من لبنان بانتظار إجراءات عودتهم لبلدانهم... ‏

حيث حصلت الوزارة على موافقة رئيس مجلس الوزراء لافتتاح المدن الجامعية لاستقبال السياح لاسيما بعد استغلال كامل الطاقة الاستيعابية للفنادق ومنشآت المبيت، والسيد رئيس الوزراء وجه باستخدام المدن الجامعية مجانا وقد لاقت هذه الخطوة شكر واهتمام السفارات المعنية والسياح النازحين من لبنان. ‏

يذكر أن وزارة السياحة قد حددت خطا ساخنا للمساعدة ويمكن للقادمين من لبنان الاتصال به والرقم هو (2452313)، وتتابع وزارة السياحة أوضاع القادمين وتتمنى تقديم أية شكوى عن أي تقصير أو محاولة استغلال..‏


المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...