شرايين القلب اذا تكلّست
إنه من أكثر المعادن غزارة في الجسم.
99 في المئة منه يوجد في الهيكل العظمي.
يلعب دوراً حيوياً في تأمين الوظائف الطبيعية للقلب والأعصاب والعضلات والأوعية الدموية.
يشارك في الحفاظ على سلامة الأغشية الخلوية.
يساهم في تنظيم وظائف الغدد.
يدخل في الكثير من الوظائف الفيزيولوجية والعمليات الحيوية.
هو ضروري جداً لتنشيط عمل بعض الأنزيمات.
هل عرفتموه؟ إنه الكالسيوم.
يوجد الكالسيوم في الدم في مستوى معين، ويتم الحفاظ على هذا المستوى بواسطة آليات معينة، ولكن لسبب أو لآخر، قد يحلو للكالسيوم أن يحط رحاله في أنسجة أخرى، وذلك بغض النظر عن مستواه في الدم سواء أكان طبيعياً أم مرتفعاً أم منخفضاً، الأمر الذي يتسبب في حدوث بعض المشاكل الصحية وذلك تبعاً للعضو المصاب.
والتكلس لم يكن موضع اهتمام من قبل، لسبب بسيط هو أن التقنيات الطبية لم تكن قادرة آنذاك على رصده في شكل دقيق، وكان يعتبر أمراً طارئاً يشير إلى أن المرض وصل إلى مرحلة متأخرة.
إن نصف الأمراض الفتاكة، ونسبة عالية من الأمراض غير الفتاكة يشاهد فيها التكلس في شكل أو في آخر. والتكلس لا يقتصر على كبار السن، فهو قد يشاهد عند الرياضيين جراء تعرضهم لبعض الإصابات مثل تمزق العضلات ورضوص مفصل الكوع. وحتى صغار السن من الشباب يشاهد عندهم التكلس، وهذا ما أكدته التحريات التي أجريت على الجثث. وفي السطور الآتية نتناول عدداً من المواقع في الجسم التي يكثر فيها التكلس:
> تكلس شرايين القلب، وفيه تحصل الترسبات الكلسية في جدران الشرايين وليس في جوفها، ويعتبر هذا التكلس مرحلة أولية تمهد للإصابة بتصلب الشرايين، وتكون الترسبات في البداية طرية إلا أنها تقسو مع مرور الزمن بفعل تراكم الشحوم، ومن العوامل التي تسرع وتيرة التكلس: التدخين، والداء السكري، وارتفاع ضغط الدم. ويجب أن نعلم أن التكلس يحدث خلسة من دون أن نحس به.
وعلى صعيد تكلس شرايين القلب، أوضحت دراسة حديثة نشرت في المجلة الأميركية لتصوير القلب أن زيادة معدل التكلس خلال فترة زمنية معينة أكثر من الحد الطبيعي المعترف به طبياً يرفع من خطر التعرض للجلطات القلبية لاحقاً بأكثر من ثلاثة أضعاف وذلك بغض النظر عن عوامل الخطر الأخرى.
ويمكن التنبؤ بخطر أمراض الشرايين التاجية بواسطة تقويم كمية الكالسيوم في تلك الشرايين، التي يتم قياسها بالتصوير الطبقي المقطعي، مع الأخذ في الاعتبار عوامل الخطر الأخرى للإصابة بأمراض القلب.
وإذا كان خطر الإصابة بالجلطة القلبية ضئيلاً، فلا ينصح بتصوير القلب وفقاً لرأي جمعية القلب الأميركية، ويتم تقدير درجة الخطر بدراسة التاريخ الصحي للمصاب، وسبر عوامل الخطر لديه.
أما إذا كان الخطر متوسطاً أو عالياً، فإن تصوير التكلس في الشرايين التاجية للقلب يصبح أمراً لا مفر منه.
وقياس معدل التكلس في شرايين القلب يعتبر من الطرق الممتازة للوقاية ومراقبة تأثير الأدوية التي توصف في هذا الشأن.
والتكلس لا يحدث في الشرايين القلبية وحسب، بل يشاهد في الصمامات، وفي العضلة القلبية، وحتى في الغشاء المحيط بالقلب.
> التكلس في الثدي، ويشاهد عند 10 في المئة من النساء الشابات، وفي أكثر من نصف النساء اللواتي تخطين سن الخمسين، ويظهر التكلس في الصورة الشعاعية (الماموغرافي) على شكل رقع بيض وبأشكال وأحجام مختلفة، وغالبية هذه الرقع تكون حميدة، غير أن بعضها قد يدل على نوايا خبيثة. وهناك أسباب عدة لوجود علاقة بين التكلس وسرطان الثدي، ففي حالات سرطان القنوات اللبنية مثلاً، قد تموت الخلايا السرطانية الموجودة في وسط القنوات بسبب توقف تغذيتها بالدم والعناصر المغذية، مخلفة وراءها خطوطاً من التكلسات على تخوم القنوات. ويمكن التكلسات أن تكون مرتبطة أيضاً بمناطق ماتت فيها الخلايا السرطانية، أو تضررت فيها الأنسجة التي تربط بين الخلايا السرطانية. وفي شكل عام، يمكن القول بأن التكلسات الصغيرة التي يقل قطرها عن ميليمتر واحد تكون مثيرة للشبهات أكثر من التكلسات الأكبر حجماً. وتكون التكلسات التي تظهر في شكل مجموعة، أكثر إثارة للشبهات من مثيلاتها المتفرقة.
هل من علاقة بين تناول الكلس بكميات كبيرة من طريق الغذاء أو الحبوب المصنعة وحدوث التكلسات في الثدي؟
لقد أثيرت شكـــوك تناقلتها بعض الأوساط العلمية وغير العلمية حول هذا الأمر، ولكن الدراسة السويدية التي أجريت عام 2009 والتي شملت أكثر من 60 ألف إمرأة، لم تكشف وجود رابط بين حدوث التكلســات الحميدة في الثدي وتناول الكلس بكميات كبيرة، كما لم تفد الدراسة بأن هذا السلوك يزيد خطر الإصابة بسرطان الثدي.
وعلى ضوء قراءة طبيب الأشعة للتكلسات التي يراها على الصورة الشعاعية للثدي يتم البت في الخطوة التالية إن كان هناك من ضرورة لعمل فحوص لاحقة ومن بينها الخزعة. وتكلسات الثدي لا تحصل بسبب الأورام السليمة أو الخبيثة وحسب، بل يمكن أن تحدث إثر التعرض للرض، أو للجراحة، أو بعد العدوى، أو نتيجة تشكل أكياس دهنية فيه.
> تكلس الرئة، ويحصل في منطقة محددة من الرئة بعد تعرضها للالتهاب، أو لوجود كيسة صغيرة، وبعد أن يتغلب الجسم على هذا الالتهاب أو الكيس يبدأ التليف، ومن ثم تنهال ذرات الكالسيوم على المنطقة، فتغدو هذه الأخيرة خاملة غير نشطة. والتكلسات الرئوية غالباً ما يكون سببها سل سابق في الرئة، أو التهاب سابق غير السل، أو بعد التعرض لكيسة مائية أو لتكلس في العقد اللمفاوية للرئة.
> تكلس أوتار الكتف، وفيه تتراكم أملاح الكلس على أوتار العضلات التي تلف مفصل الكتف، ولا أحد يعرف حتى الآن السبب، وتراكم الكلس قد يحصل من دون سوابق مثل الصدمات أو الرضوض أو إجهاد الكتف في شكل زائد. والتكلس قد لا يعطي عوارض تذكر، أو أنه قد يسبب آلاماً مبرحة لا تطاق إضافة إلى صعوبات في تحريك الكتف.
ويتم علاج تكلس الكتف المؤلم بالطريقة المحافظة بإعطاء مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، والموجات الحرارية، والعلاج الفيزيائي، وإذا فشلت هذه في إعطاء الحل المنشود يمكن اللجوء إلى بدائل أخرى مثل حقن الكورتيزون موضعياً، أو استعمال الأمواج فوق الصوتية من أجل تفكيك بلورات الكلس، وفي حال الفشل يبقى الحل الأخير وهو تفكيك البلورات عنوة جراحياً من طريق المنظار.
هذه هي بعض الأمثلة عن التكلس الذي قد يشاهد في أي منطقة في الجسم... في الكليتين، في البانكرياس، في الغدة الدرقية، في الغدة الصنوبرية، في المبيضين، في المرارة، في الكبد، وفي العظام، وفي الأسنان... وحتى في خلايا المخ، ولكل نوع من التكلس خصوصيته سواء من ناحية العوارض والعلاج. والتكلس لا يرحم أحداً فهو يوجد في كل الفئات العمرية، ولكنه أكثر حدوثاً عند النساء، ولدى المتقدمين في السن.
يبقى السؤال الذي قد يجول في بال الكثيرين: هل تناول كميات كبيرة من الكلس، سواء من طريق الغذاء أو بواسطة المكملات المصنعة الغنية به، يمكن أن يتسبب في حصول التكلس في الأنسجة؟ الحقيقة أن الباحثين لم يتمكنوا من إيجاد أي صلة بين الأمرين.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد