النزف من الأنبوب الهضمي (شحوب وتعب وفقر دم)
يعمل في أحد المصانع. قال له رفاقه أكثر من مرة إنه شاحب، مصفر، فيرد عليهم: أمر عادي، إنه التعب. مضت الأيام، وأخذ يعاني من الدوخة، ويشعر بالإرهاق عند القيام بأي جهد. بدأ يرتكب بعض الأخطاء في عمله بسبب صعوبة التركيز. في أحد الأيام سقط أرضاً أمام أعين زملائه، فنقلوه إلى المستشفى على وجه السرعة. بعد الفحص الطبي وإجراء بطارية من الفحوص، تبين أنه يشكو من فقر الدم. وعند البحث عن سبب فقر الدم تبين أنه ناجم عن الإصابة بالتهاب القولون التقرحي.
إن النزف من الأنبوب الهضمي مشكلة شائعة، وهو عارض وليس مرضاً، وقد يكون هذا النزف صريحاً واضحاً يمكن رؤية معالمه بالعين المجردة، أو قد يكون خفياً يكشف عنه بالتحاليل المخبرية التي تجرى على الفضلات البرازية.
ويتألف الأنبوب الهضمي من المريء والمعدة والأمعاء الدقيقة والقولون والمستقيم وفتحة الشرج. ويمكن أن يحصل النزف في أي قسم من هذه الأقسام. ويتظاهر النزف الهضمي الذي تمكن مشاهدته في أشكال عدة هي:
- تقيؤ الدم الأحمر القاني عن طريق الفم.
- تقيؤ الدم في شكل يشبه بقايا القهوة عن طريق الفم بسبب تأثير حامض كلور الماء في المعدة.
- خروج الدم الأحمر الصريح عن طريق الشرج.
- طرح البراز الأسود اللون الشبيه بالقطران.
وإذا كان النزف من الأنبوب الهضمي مزمناً خفياً لا يرى بالعين المجردة، يعاني المصاب من عوارض فقر الدم بنقص الحديد، مثل: الشحوب، وقلة الشهية على الأكل، وسرعة التعب، وضيق التنفس، وسرعة ضربات القلب، والصداع، والدوار، والطنين في الأذن، وصعوبة التركيز. وإذا استمر فقر الدم لفترة طويلة، تظهر تغيرات ملموسة في الفم واللسان والأظافر، وقد يكبر الطحال في بعض الحالات.
ما هي أسباب النزف من الأنبوب الهضمي؟ هناك أسباب كثيرة تقف خلف النزف من الأنبوب الهضمي، من أبرزها:
- البواسير والشقوق الشرجية والنواسير، وهي تعتبر من أشهر الأسباب على الإطلاق، وتتظاهر هذه الآفات عادة بوجود كمية قليلة من الدم الأحمر على سطح البراز أو على ورق المرحاض. ويترافق النزف عادة مع الألم والحكة والتهيج وحس الانزعاج في القفا.
- أورام القولون والمستقيم، إن معظم أورام القولون والمستقيم، الحميدة منها والخبيثة، تنشأ وتنمو وتتطور في الخفية من دون علم أصحابها بوجودها، وقد تسبب هذه الأورام نزفاً خفياً أو صريحاً يؤدي إلى الإصابة بعوارض فقر الدم المعروفة، مثل الإعياء والشحوب والدوخة وغيرها، وفي بعض الحالات النادرة يحدث الإسهال الغزير. وإذا بلغت الأورام حجماً كبيراً فإنها تسد المجرى المعوي فيعاني المريض عندها من عوارض مزعجة، من أهمها ألم البطن، والغثيان، والتقيؤ، وانتفاخ البطن.
- رتوج القولون، وهي عبارة عن فتوق تحصل في الغشاء المخاطي وما تحته عبر الطبقة العضلية في الأماكن الضعيفة منه، وقد تكون أحادية أو متعددة، وتشاهد هذه الرتوج في أي جزء من القولون، إلا أنها تصيب أكثر القولون السيني الذي يوجد في الطرف الأيسر من البطن. إن داء الرتوج قد يبقى صامتاً مدى الحياة وكثيراً ما يستدل عليه بالصدفة بعد فحص طبي روتيني أو بعد حدوث أحد الاختلاطين الآتيين، وهما: النزف والالتهاب.
- التهابات القولون، وهذه قد تكون تقرحية أو ميكروبية أو ناتجة عن نقص التروية الدموية. إن النزف والإسهال هما من العوارض البارزة في التهاب القولون التقرحي والجرثومي، إضافة إلى بعض العوارض العامة، مثل الحمى والتعب وظهور المخاط في البراز.
أما في التهاب القولون الناتج عن نقص التروية الدموي، فتغلب مشاهدته عند المتقدمين في العمر ويتصدر الإسهال قائمة الشكاوى عندهم.
- آفات الأمعاء الدقيقة، ومن أهمها تسبباً للنزف القرحة الاثني عشرية و «رتج ميكيل».
- آفات المعدة، ومن بينها قرحة المعدة، والتهاب المعدة، وسرطان المعدة.
- قرحة المعدة والاثني عشرية، وهي تعد من بين أهم مسببات النزف من الأنبوب الهضمي العلوي، وتنتج القرحة من تضافر عاملين، هما فرط إفراز حامض المعدة ووجود الميكروبة الحلزونية.
- أمراض المريء، مثل التهاب المريء الناتج عن ارتداد المفرزات المعدية المخرشة، وتمزق المريء الناتج عادة عن التقيؤات العنيفة المتكررة، ودوالي المريء، وهذه الأخيرة قد تسبب نزفاً خطيراً يجعل حياة المصاب على كف عفريت.
- أمراض عامة، مثل أمراض الدم، واضطرابات التخثر، وتشوهات الأوعية الدموية، وتشمع الكبد وغيرها.
كيف العلاج؟
قبل كل شيء لا بد من تحديد مصدر النزف والعمل على إيقافه فوراً. ويعتبر المنظار الوسيلة الأساسية التي تستعمل للتشخيص والعلاج في آن في الغالبية العظمى من أسباب النزف من المعدة والأمعاء. وحالما يكتشف الطبيب موقع النزف يقوم ببعض المناورات التي تضع حداً لهدر الدم مثل حقن المواد الكيماوية بواسطة إبرة من خلال المنظار، أو باستخدام طريقة التخثير، وفي بعض الأحيان قد تنفع أشعة الليزر في تحقيق الهدف المنشود.
أخيراً، إن تأثير النزف من الجهاز الهضمي يعتمد على كمية الدم المفقودة، فإذا كانت أقل من 30 في المئة من حجم الدم، فإن الجسم يستطيع تعويض النقص الحاصل، أما إذا تجاوزت نسبة 30 في المئة فإن الجسم يعجز عن سد النقص الأمر الذي يهدد بالوفاة إذا لم يتم نقل الدم إليه بأقصى سرعة. إذا حدث النزف من الأنبوب الهضمي بسرعة كبيرة، فإن هذا يقود إلى ضياع كمية كبيرة من الدم يعرض المريض إلى خطر شديد، فالنزف الداهم ينتج عنه نقص في حجم الدم، وبالتالي يقل الدم المتدفق من القلب إلى بقية أعضاء الجسم،الأمر الذي تنتج عنه الإصابة بالصدمة، التي تتجلى في جملة من المظاهر السريرية، وهي: تدهور متصاعد في ضغط الدم، ودقات قلب سريعة وضعيفة، وتسارع في حركات التنفس، وجلد شاحب وبارد، وشح في البول، وربما الإغماء في حال عدم تدارك النزف المتصاعد في الوقت المناسب.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد