"بورنو" الحرب: الجنس الآمن الجديد
الجمل ـ بيبي إسكوبار ـ ترجمة: د. مالك سلمان: إن مطلع القرن الواحد والعشرين مدمن على "بورنو" الحرب, وهي رياضة يمارسها مشاهدون تستهلكهم المحطات الفضائية والتكنولوجيا الرقمية. وقد برز "بورنو" الحرب إلى الضوء عشية 11 أيلول/سبتمبر 2011, عندما أطلقت إدارة جورج بوش الإبن "الحرب على الإرهاب" – والتي تم تأويلها من قبل العديد من الضالعين فيها على أنها تشريع مبطن لإرهاب الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية ضد المسلمين بشكل خاص.
كانت هذه أيضاً حرباً إرهابية – بصفتها تجلياً لإرهاب الدولة الذي يتم فيه حشد القوة المدنية التكنولوجية المتفوقة ضد المكر الريفي المتخلف تكنولوجياً. ولم تتفرد الولايات المتحدة بممارسة هذه الهيمنة؛ إذ مارستها بكين في شينجيانغ, في غربها الأقصى, كما مارستها روسيا في الشيشان.
كما هو الحال بالنسبة إلى "البورنو", لا يمكن ل "بورنو" الحرب أن ينشأ دون أن يكون مبنياً على كذبة – أي على تمثيل فج. ولكن على النقيض من "البورنو", فإن "بورنو" الحرب حقيقي؛ فعلى عكس الأفلام الإباحية الفجة, فإن الناس في "بورنو" الحرب يموتون بالفعل, وبأعداد كبيرة.
إن الكذبة التي أنهَت جميع الكذبات الكامنة في صلب هذا التمثيل تأسست مع تسريب مذكرة "داونينغ ستريت" في سنة 2005 التي أكد فيها رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية "إم آي 6" أن إدارة بوش سوف تقضي على الرئيس العراقي صدام حسين من خلال ربط الإرهاب الإسلامي بأسلحة الدمار الشامل (التي لا وجود لها في الأصل). وهكذا, وكما جاء في المذكرة, "كان يتم تركيب المعلومات الاستخباراتية والحقائق لتتناسب مع هذه السياسة."
وفي النهاية قال جورج "إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا" بوش بلعب دور البطولة في فيلمه الخاص الفج والأضخم من الحياة, وقد تفرع هذا الفيلم إلى غزو و تدمير الخاصرة الشرقية للأمة العربية.
"غيرنيكا" الجديدة
يمكن النظر إلى العراق بصفته "حرب نجوم" "بورنو" الحرب, أي بصفته تمجيداً لأفلام الأجزاء. خذ, مثلاً, الهجوم (الثاني) على الفلوجة في أواخر سنة 2004. في ذلك الوقت, وصفته على أنه "غيرنيكا" الجديدة. وقد سمحت لنفسي باستخدام مقولة جان-بول سارتر عن الحرب الجزائرية: بعد الفلوجة, لن يلتقي شخصان أمريكيان دون أن تستلقي جثة بينهما. و تبعاً لفيلم "القيامة الآن" لكوبولا: كانت هناك جثث, جثث في كل مكان.
كان إياد علاوي , الذي نصبته الولايات المتحدة رئيساً للحكومة الانتقالية, هو فرانسيسكو فرانكو الفلوجة. كان علاوي هو من "طلب" من البنتاغون قصف الفلوجة. في غيرنيكا – كما في الفلوجة – لم يكن هناك أي تمييز بين المدنيين و المجموعات المسلحة: كان هناك قانون "يعيش الموت!"
قال قادة قوات المارينز الأمريكية في التحقيقات إن الفلوجة كانت بيت إبليس. أنكر فرانكو المجزرة في غيرنيكا و لامَ السكانَ المحليين, تماماً كما أنكر علاوي و البنتاغون وجود قتلى بين المدنيين وأصرا أن الذنب يقع على "المتمردين".
تم تحويل الفلوجة إلى ركام, حيث تحول أكثر من 200,000 مواطن إلى لاجئين, و قتل الآلاف من المدنيين, من أجل "إنقاذها" (أصداء فييتنام). لم يتمتع أي من الإعلاميين الكبار بالشجاعة الكافية للقول إن الفلوجة كانت في الحقيقة حَلبجا الأمريكية.
قبل الفلوجة بخمسة عشر عاماً, و في حَلبجا, كانت واشنطن مورداً متحمساً للأسلحة الكيماوية لصدام الذي استخدمها لقتل الآلاف من الأكراد. وقد قالت وكالة الاستخبارات الأمريكية حينها إن صدام لم يكن هو المسؤول, بل إيران الخمينية. ومع ذلك, فإن صدام هو من فعلها, و فعلها بشكل متعمَد, تماماً كما فعلتها الولايات المتحدة في الفلوجة.
قام أطباء الفلوجة بتوصيف جثث صفراء منتفخة بلا أية إصابات, بالإضافة إلى "جثث ذائبة", وهي ضحايا النابالم, وهو مزيج من البوليستيرين ووقود الطائرات. وقد تحدث السكان الناجون عن القصف ب "الغازات السامة" و "قنابل غريبة ينتج عنها دخان أشبه بالفطر...ثم تتساقط قطع صغيرة من السماء خلفها ذيول طويلة من الدخان. كانت قطع هذه القنابل الغريبة تنفجر إلى حرائق ضخمة تحرق الجلد حتى عندما تحاول إطفاءَها بالماء."
هذا تماماً ما يحدث للأشخاص الذين يتعرضون للقصف بالنابالم أو بالفوسفور. وقد حرمت الأمم المتحدة قصفَ المدنيين بالنابالم في سنة 1980. و الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تزال تستخدم النابالم.
قدمت الفلوجة أيضاً فيلماً فجاً صغيراً تمثلَ في الإعدام الميداني لرجل عراقي جريح وأعزَلَ داخل مسجد على يد جندي مارينز أمريكي. و قد فضحَ هذا الإعدام, المسجل على كاميرا والذي شاهده الملايين على "يو تيوب", قوانينَ الاشتباك "الخاصة". إذ كان قادة المارينز الأمريكان يوجهون جنودَهم آنذاك ب "إطلاق النار على أي شيء يتحرك و أي شيء لا يتحرك", و إطلاق "رصاصتين على كل جثة", و في حال مشاهدة رجال في زي عسكري في شوارع الفلوجة "كوموهم", وإمطار كل بيت بالرشاشات و مدافع الدبابات قبل الدخول إليها.
تم تنظيم قوانين الاشتباك في العراق في كُتيب من 182 صفحة تم توزيعه على كل جندي وقام البنتاغون بإصداره في شهر تشرين أول/أكتوبر 2004. وقد أكد هذا الكتيب على خمس قواعد: " احموا السكان؛ أقيموا المؤسسات السياسية المحلية؛ عززوا الحكومات المحلية؛ دمروا قدرات المتمردين؛ استغلوا المعلومات المقدمَة من المصادر المحلية."
بالعودة إلى الواقع, لم تتم حماية سكان الفلوجة: فقد تم قصفهم و تهجيرهم من المدينة بأعداد كبيرة. كانت المؤسسات السياسية المحلية قائمة سلفاً: كان مجلس الشورى في الفلوجة يدير المدينة. ليس بمقدور أية حكومة محلية أن تديرَ كومة من الحطام يستعيدها مواطنون في ذروة الاضطراب والغليان, ناهيك عن "تعزيزها". لم يتم تدمير "قدرات المتمردين": فقد توزعت قوات المقاومة في المدن ال 22 الأخرى التي لا تسيطر عليها قوات الاحتلال الأمريكية و انتشرت إلى الشمال وصولاً إلى الموصل. كما بقي الأمريكان دون أية معلومات استخباراتية "من المصادر المحلية" لأنهم استعدوا عليهم القلوبَ و العقول إلى أقصى درجة ممكنة.
في هذه الأثناء, في الولايات المتحدة, كانت الغالبية العظمى من السكان محصنة ضد "بورنو" الحرب. و عندما انفجرت فضيحة أبو غريب في ربيع 2004, كنت أقود سيارتي عبر تكساس أستكشف "بوش لاند". و قد عزا كل من تحدثت إليه تقريباً إذلالَ السجناء العراقيين إلى إلى "بعض التفاحات الفاسدة", أو دافعوا عن هذا السلوك من منطق الوطنية ("يجب أن نلقنَ ‘الإرهابيين’ درساً").
أحبُ الرجلَ في الزي العسكري
من الناحية النظرية, هناك آلية متفَق عليها في القرن الواحد والعشرين لحماية المدنيين من "بورنو" الحرب. إنها عقيدة " مسؤولية الحماية". وقد تم طرح هذه الفكرة في سنة 2001 – بعد إطلاق الحرب على الإرهاب بعدة أسابيع – من قبَل الحكومة الكندية و بعض المؤسسات. و تنطوي الفكرة على مقولة أنه على مجموعة الأمم "واجب أخلاقي" للتدخل الإنساني في حالات مثل حَلبجا, ناهيك عن "الخمير الحمر" في كمبوديا في أواسط السبعينيات من القرن الماضي, أو عمليات الإبادة الجماعية في راوندا في أواسط التسعينيات من القرن نفسه.
في سنة 2004, قامت لجنة في الأمم المتحدة بتنظيم الفكرة - من خلال تمكين مجلس الأمن من تفويض "التدخل العسكري" فقط بمثابة "الوسيلة الوحيدة المتبقية". وبعد ذلك, في سنة 2005, تبنَت الجمعية العامة في الأمم المتحدة قراراً يدعم "مسؤولية الحماية", وفي سنة 2006 أقر مجلس الأمن في الأمم المتحدة القانون رقم 1674 حول "حماية المدنيين في النزاعات المسلحة", حيث تجب حمايتهم من "الإبادة الجماعية, وجرائم الحرب, والتطهير العرقي, والجرائم ضد الإنسانية".
والآن بسرعة إلى أواخر سنة 2008 وبداية سنة 2009 عندما قامت إسرائيل – مستخدمة الطائرات الأمريكية المقاتلة – بشن هجوم واسع النطاق على السكان المدنيين في قطاع غزة.
انظر إلى ردة الفعل الأمريكية الرسمية: " من الواضح أن إسرائيل قررت أن تحمي نفسَها و شعبَها," كما قال الرئيس بوش آنذاك. كما صوت مجلس الشيوخ الأمريكي ب 390 صوت إلى 5 أصوات للاعتراف ب "حَق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات التي تنطلق من غزة". وكانت إدارة أوباما القادمة صامتة بشكل مُدَوٍ. فقط وزيرة الخارجية الأمريكية المستقبلية قالت, "إننا ندعم حَقَ إسرائيل في الدفاع عن نفسها."
قُتلَ 1,300 مدني على الأقل – بما في ذلك العشرات من النساء و الأطفال - على يد إرهاب الدولة في غزة. لم يقم أحد باستحضار قانون "مسؤولية الحماية". ولم يقم أحد بالإشارة إلى فشل إسرائيل الذريع في "مسؤوليتها عن حماية" الفلسطينيين. كما لم يطالب أحد ب "تدخل إنساني" يستهدف إسرائيل.
مجرد فكرة أن قوة عظمى – وقوى أقل عظمة – تبني قرارات سياستها الخارجية على أسس إنسانية, مثل حماية الناس المحاصَرين, هي طرفة صرفة. وهكذا عرفنا منذ ذلك الوقت كيف سيتم استخدام "مسؤولية الحماية". إذ لم تنطبق على الولايات المتحدة في العراق أو في أفغانستان. كما لم تنطبق على إسرائيل في فلسطين. لكن سوف يتم تطبيقها في نهاية المطاف فقط بغرض الإيقاع بالحكام "المارقين" من غير "عرصاتنا" – كما في حالة معمر القذافي في ليبيا في سنة 2011. تدخُل "إنساني", نعم؛ ولكن فقط للتخلص من "الأشرار".
ويكمن جمال "مسؤولية الحماية" في إمكانية قلبها رأساً على عقب في أي وقت. فقد طالبَ بوش ب "تحرير" الأفغان – وخاصة النساء الأفغانيات المنقبات – من الشر الذي يحيق بهم على يد طالبانو بحيث يتم تصوير الوضع في أفغانستان بصفته تدخلاً إنسانياً.
وعندما تم الكشف عن الروابط المفبركة بين أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة والقاعدة, شرعَت واشنطن في تبرير غزو العراق واحتلاله وتدميره من خلال "مسؤولية الحماية"؛ "مسؤولية حماية" العراقيين من صدام, ومن ثم حماية العراقيين من أنفسهم.
استيقظ القاتلُ قبل الفجر
آخر جزء من مسلسل "بورنو" الحرب هو مجزرة قندهارعندما – وحسب رواية (أو تغطية) البنتاغون الرسمية – قام رقيب في الجيش الأمريكي, كان قناصاً في العراق وقاتلاً مأجوراً مدرباً تدريباً عالياً, بقتل 17 مدنياً أفغانياً, بينهم 9 نساء و 4 أطفال, في قريتين تفصلهما أقل من 4 كيلومترات, ثم حرق بعض الجثث.
وكما هو الأمر في حالة أبو غريب, كان هناك الفيض الاعتيادي من النكران من قبل البنتاغون – مثل "هذا ليس من شيمنا" أو "نحن لانفعل أشياء مثل هذه"؛ ناهيك عن تسونامي من القصص في الإعلام الأمريكي تؤنسن البطل الذي تحول إلى قاتل جماعي, مثل "إنه رجل طيب, وصاحب عائلة". و بالمقابل, لم تُقَل كلمة واحدة عن "الآخَر" – الضحايا الأفغان. لا وجوه لهم؛ ولا أحد يعرف أسماءَهم.
أثبتت لجنة تحقيق أفغانية جدية أن حوالي 20 جنديا ربما تورطوا في المجزرة, كما حدث في "ماي لاي" في فييتنام؛ وقد تضمن ذلك اغتصابَ امرأتين من النساء. يبدو ذلك معقولاً. إذ إن "بورنو" الحرب ثقافة ثانوية جماعية قاتلة – تكتمل بالاغتيالات, وأعمال الثأر, وتشويه الجثث, وجمع التذكارات (أصابع أو آذان مقطوعة), وحرق نسخ من القرآن, والتبول على أجساد الموتى. إنه, في الجوهر, رياضة جماعية.
قامت "فرق الموت" الأمريكية بتنفيذ الإعدام المتعمد بحق المدنيين الأفغان الأبرياء, أغلبهم مراهقون, بهدف التسلية والتريُض, وغرزت الأسلحة في أجسادهم, ثم أُخذت الصور التذكارية. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تعمل هذه الفرق من قاعدة تقع في نفس المنطقة التي حصلت فيها مجزرة قندهار.
ويجب ألا ننسى الضابط الأمريكي الكبير السابق في أفغانستان, الجنرال ستانلي مكريستال, الذي اعترف بصفاقة في 10 نيسان/إبريل 2010 قائلاً: "أطلقنا النار على عدد مذهل من الناس" لم يكونوا يشكلون أي خطر على الولايات المتحدة أو الحضارة الغربية.
يعمل البنتاغون على نَسج و بيع قصص في أفغانستان كتلك التي باعها في العراق (وحتى كتلك التي فبركها في فييتنام من قبل)؛ فكرة أن هذه "مكافحة تمرد يستهدف السكان" بهدف "كسب القلوب والعقول", وجزء من مشروع عظيم يهدف إلى بناء الأمة.
هذه كذبة كبيرة. كانت حرب أوباما – القائمة على هذه الفكرة – في أفغانستان فشلاً ذريعاً. وقد حَلَت محلها حرب إباحية سرية مظلمة قادتها "فرق موت" تابعة ل "القوات الخاصة". ويتضمن ذلك عدداً متضخماً من القصف الجوي والغارات الليلية. هذا ناهيك عن قصف الطائرات بدون طيارين في المناطق القَبَلية من أفغانستان و باكستان, التي كان هدفها المفضل – على ما يبدو – حفلات زفاف البشتون.
من المثير للاهتمام أن وكالة الاستخبارات المركزية تزعم أنه منذ أيار/مايو 2010 , قامت طائرات فائقة الذكاء بدون طيارين بقتل أكثر من 600 هدف بشري "مختار بعناية" – ومن باب الإعجاز لم يكن بينهم أي مدني.
توقع أن ترى مأثرة "بورنو" الحرب هذه في حفلة جنس جماعي تضم مزيجاً من نجوم البنتاغون وهوليوود. في الحياة الواقعية, يتم توليف مثل هذه الحفلات من قبل أشخاص مثل جون ناغال, الذي كان من أعضاء فريق الجنرال ديفيد بتريوس في العراق, والذي يدير الآن "مركز الأمن الأمريكي الجديد" البحثي الداعم للبنتاغون.
نجوم جدد مفعمون بالذكورة. ويمن لهؤلاء الفحول أن يكونوا رجالَ الكوماندوس العاملين تحت إمرة "القيادة المشتركة للعمليات الخاصة". لكن هذا إنتاج البنتاغون الذي خلق, تبعاً لناغال, "آلة قتل صناعية فتاكة لمكافحة الإرهاب".
لكن الحقيقة أكثر ابتذالاً وتفاهة. حيث اعتمدت تقنيات "مكافحة التمرد الذي يستهدف السكان", التي طبقها مكريستل, على ثلاثة مكونات فقط: مراقبة من قبل طائرات بلا طيارين لمدة 24 ساعة؛ ومراقبة الهواتف النقالة؛ ثم تحديد المكان الجغرافي لهذه الهواتف من إشاراتها.
وهذا يعني أن أي شخص صادف وجوده في مكان يقع تحت طائرة المراقبة ويحمل هاتفاً نقالا قد تم تصنيفه على أنه "إرهابي" أو, على الأقل, "متعاطف مع الإرهابيين". ومن ثم انتقل تركيز الغارات الليلية في أفغانستان من "الأهداف القيمة" – أي الأعضاء البارزين أو المتوسطين في القاعدة أو طالبان – إلى أي شخص تم اتهامه بمساعدة طالبان.
في أيار/مايو 2009, وقبل وصول مكريستل, كانت "القوات الخاصة" الأمريكية تنفذ 20 غارة في الشهر. ومع قدوم تشرين الثاني/نوفمبر وصل عدد الغارات إلى 90 في الشهر. ومع مجيء ربيع 2010, صار العدد 250 في الشهر. وعندما تم طرد مكريستل – بسبب قصة نشرت في مجلة "رولينغ ستون" (حيث كان يتنافس مع الليدي غاغا على صورة الغلاف؛ وفازت الليدي غاغا) – واستبدله أوباما ببتريوس في صيف 2010, كان هناك 600 غارة في الشهر. وفي نيسان/إبريل 2011, وصل العدد إلى 1,000 غارة في الشهر.
إذاً هكذا تجري الأمور. إياك أن تفكر باستخدام هاتف نقال في قندهار أو في محافظات أفغانية أخرى. وإلا فإن "عيون السماء" سوف تنال منك. في أفضل الأحوال سوف تذهب إلى السجن, مع الآلاف من المدنيين الآخرين الذين تم اتهامهم ب "التعاطف مع الإرهابيين"؛ وسوف يستخدم المحللون الاستخباراتيون المعلومات المجموعة عنك لتشكيل "لائحة القتل/الاعتقال" ويصطادون بشباكهم أعداداً أكبر من المدنيين.
أما بالنسبة إلى الضحايا المدنيين للغارات الليلية فقد تم تقديمهم دائماً من قبل البنتاغون على أنهم "إرهابيون". مثال: في غارة في غارديز في 12 شباط/فبراير 2010, قتِل رجلان؛ قاض محلي حكومي و مسؤول مخابراتي أفغاني, بالإضافة إلى ثلاث نساء (اثنتان منهما حامل). قال القتلة لقيادة الناتو الأمريكية في كابول أن الرجلين كانا "إرهابيين" وأن الامرأتين وجدتا مكممتين ومقيدتين. ومن ثم قام الهدف الفعلي للغارة بتسليم نفسه للاستجواب بعد ذلك بعدة أيام وتم إطلاق سراحه دون توجيه أية تهمة إليه.
هذه هي البداية فقط. سوف يصبح اغتيال الأهداف – كما كان يتم في أفغانستان – اختارَ النتاغون التكتيكي في جميع الحروب الأمريكية المستقبلية.
ناوليني الواقي الذكري ياعزيزتي
كانت ليبيا استعراضاً رئيساً وحشياً ل "بورنو" الحرب – استعراضاً كاملاً مع لمسة رومانية أنيقة للزعيم "البربري" المهزوم الذي ليط َبه في الشوارع قبل أن يُعدَم, مباشرة على "يوتيوب".
وهذا, بالمناسبة, ما أعلنته بالضبط وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون, في زيارة خاطفة لطرابلس, قبل أقل من 48 ساعة من الواقعة. يجب "القبض" على القذافي أو "قتله". وعندما شاهدت الفيديو على شاشة "بلاكبيري", لم يكن يسعها إلا أن تطلق الصرخة السميائية المزلزلة: "وااااااااااااو !".
منذ الدقيقة التي فرضَ فيها قرار الأمم المتحدة حظر الطيران فوق ليبيا تحت غطاء "مسؤولية الحماية", أصبح هذا القرار ضوأً أخضرَ لتغيير النظام. كانت الخطة (أ) هي القبض على القذافي وقتله – كما هو الأمر في الأسلوب الأفغاني في اغتيال الأهداف. كانت تلك السياسة الرسمية لإدارة أوباما. لم تكن هناك خطة (ب).
قال أوباما إن موت القذافي يشير إلى "قوة القيادة الأمريكية في كافة أرجاء العالم." وكان ذلك شبيهاً ب "لقد نلنا منه" (أصداء إلقاء القبض على صدام من قبل إدارة بوش), كما يمكن للمرء أن يتوقع.
مع علاوة إضافية. على الرغم من أن واشنطن دفعت ما لا يقل عن 80% من تكاليف عملية أولئك المعاتيه في الناتو (حوالي 2 مليار دولار), كانت مع ذلك مصروف جَيب. على كل حال, كان من التفاهة القول: "لقد فعلناها", لأن البيت الأبيض كان يصر دائماً أن هذه ليست حرباً؛ كانت شيئاً ما "حرَكياً". ولم يكونوا يقودون العملية.
السُذَج فقط هم الذين هضموا دعاية قصف الناتو "الإنساني" الذي أودى بحياة أكثر من 40,000 إنسان, والذي دمر البنية التحتية في ليبيا وأعادها إلى العصر الحجريبصيغة "صدمة وذهول" بالحركة البطيئة. لم يكن لذلك أية علاقة ب "مسؤولية الحماية".
كان ذلك بمثابة "مسؤولية الحماية" بصفتها جنساً آمناً – وكان "المجتمع الدولي" هو الواقي الذكري. و "المجتمع الدولي", كما يعرف الجميع, مكوَن من واشنطن, وبعض أعضاء الناتو المتهالكين, وبيوتات السلطة القوية الديمقراطية في الخليج الفارسي في قطر والإمارات العربية المتحدة, إضافة إلى بيت آل سعود القابع في الظل. أما الاتحاد الأوروبي, والذي كان لوقت قصير يقبل أطراف عباءة القذافي, فسرعان ما انقلب على نفسه في افتتاحيات حول حُكم "المهرج" الذي دام 42 عاماً.
أما بالنسبة إلى مفهوم القانون الدولي, فقد تُرك مرمياً في مجرور بقذارة المجرور الذي حُشرَ فيه القذافي. تلقى صدام, على الأقل, محاكمة مزيفة في محكمة صورية قبل أن يواجه الجلاد (وقد ظهر على "يوتيوب" أيضاً). تم التخلص من أسامة بن لادن ببساطة, بأسلوب الاغتيال, بعد غزو إقليمي محدود لباكستان (لا صور على "يوتيوب" – لا يصدق الكثيرون ذلك). ارتقى القذافي فوق ذلك, إذ تم التخلص منه بمزيج من الحرب الجوية والاغتيال. هؤلاء الثلاثة هم "فروات الرأس الجميلة لبورنو الحرب".
شعور جميل
تشكل سوريا مثالاً آخرَ على انحطاط سرد "بورنو" الحرب. إن لم يكن باستطاعتك أن تتحملَ "مسؤولية الحماية", فتظاهر بأنك تفعل ذلك.
تصور أن ذلك كله قد نُظمَ منذ زمن طويل. ففي سنة 1997, كانت مجلة "المعهد الحربي للجيش الأمريكي" الفصلية تعرف ما يسمونه "مستقبل العمليات الحربية". وقد تم توصيفه على أنه "النزاع بين سادة المعلومات وضحايا المعلومات".
كانوا على ثقة من "أننا أصبحنا سادة حرب المعلومات... هوليوود ‘تُحَضر ميدان المعركة’ ...المعلومات تدمر الوظائف التقليدية والثقافات التقليدية؛ إذ إنها تُغوي وتخون لكنها تبقى منيعة ...إن تعاطينا المعقد معها سوف يمكننا من تجاوز كافة الثقافات التراتبية والتفوق عليها ... والمجتمعات التي تخشى تدفق المعلومات, أو لاستطيع إدارته, ستكون خارج المنافسة. ربما تتقن الأدوات التكنولوجية لمشاهدة الفيديوهات, ولكن سنكون نحن من يكتب السيناريوهات, وينتجها, ويجني أرباحها. إن إبداعَنا مُدَمِر."
لا علاقة لحرب المعلومات المابعد-كل شيء بالجيوسياسة. فمثل النتاج الهوليودي الشهير, يجب أن يتمَ "تفريخها" من المشاعر البدائية؛ الكراهية, والغيرة, والجشع – مشاعر وليس استراتيجية".
في سورية, كتبت وسائل الإعلام الغربية سيناريو الفيلم بهذه الطريقة تماماً؛ إنها تطبيق عملي لتكتيكات "حرب المعلومات" التي قام بتصنيعها "المعهد الحربي". لم يكن بمقدور الحكومة السورية
مجابهة أولئك الذين "يكتبون السيناريوهات, وينتجونها, ويجنون أرباحها".
فعلى سبيل المثال, عملت المعارضة المسلحة, أو ما يُدعى "الجيش السوري الحر" (وهو عبارة عن كوكتيل قذر من المنشقين, والانتهازيين, والجهاديين, والمرتزقة الأجانب) على استقدام صحفيين غربيين إلى حمص و من ثم تهريبهم – في ظروف بالغة الخطورة تشهد مقتل العديد من الناس – عن طريق لبنان وليس بواسطة "الهلال الأحمر". كانوا ببساطة يكتبون السيناريو ل "ممر إنساني" يقوم الغرب بفتحه إلى حمص. كان ذلك مسرحاً صرفاً – أو "بورنو" حرب مُعَلب على شكل دراما هوليودية.
المشكلة هي أن الرأي العام الغربي أصبح رهينة لهذا النوع من حرب المعلومات. إنسَ حتى إمكانية المفاوضات السلمية بين الفرقاء الناضجين. فما تبَقى هو حبكة قائمة على الثنائيات تميز بوضوح بين الأخيار والأشرار, حيث يجب تدمير "الشرير الأكير" بأية كلفة ممكنة (وفوق ذلك هناك زوجته المتنفجة المغرمة بالتسوق !)
السُذَج فقط هم من يصدقون أن الجهاديين – بما في ذلك ثوار الناتو الليبيون – الذين يتلقون التمويل من "النادي الخليجي المناهض للثورات", والمعروف أيضاً ب "هيئة التعاون الخليجي" – عبارة عن مجموعة من الإصلاحيين الديمقراطيين الذين يلتهبون بالنوايا الطيبة. حتى أن "منظمة حقوق الإنسان" وجدت نفسَها مرغمة, في نهاية المطاف, على الاعتراف أن هؤلاء "النشطاء" المسلحين كانوا مسؤولين عن "الاختطاف, والاعتقال, والتعذيب", بعد تلقيها تقاريرَ عن "إعدام مجموعات المعارضة المسلحة للمدنيين وعناصر قوى الأمن".
ما يخفيه سرد "بورنو" الحرب هذا (الخفيف منه والقوي), في النهاية, هو المأساة السورية الحقيقية؛ أي عدم قدرة "الشعب السوري" – الذي يُكال له المديح – على التخلص من هؤلاء الأفاقين: النظام, و "المجلس الوطني السوري" الواقع تحت هيمنة الإخوان المسلمين, و "الجيش السوري الحر" الملوث بالمرتزقة.
استمعوا إلى صوت الفوضى
ينقلنا كاتالوج الآلام المُغرض هذا إلى فيلم "بورنو" الحرب الأكبر الراهن – دراما إيران الجنونية.
سنة 2012 هي سنة 2002 الجديدة؛ إيران هي العراق الجديد, وبغض النظر عن الأوتوستراد – إذا أردنا استحضار شعار المحافظين الجدد – فالرجال الحقيقيون يذهبون إلى إيران عبر دمشق, أو أن الرجال الحقيقيين يذهبون إلى إيران دون توقف.
ربما فقط تحت الماء في القطب الشمالي يمكننا أن نتجنب الرَدح النشاز لليمين الأمريكي – وعواء كلابهم الإفرنجيين الأوروبيين في المعسكر نفسه – الذي يسيل لعابُه تعطشاً للدماء ويستخدم مهرجان الأكاذيب الاعتيادي مثل "إيران تريد مسحَ إسرائيل عن الخريطة", "الدبلوماسية أخذت مجراها", "العقوبات جاءت متأخرة جداً", أو "إيران تحتاج إلى سنة, أو ستة أشهر, أو أسبوع, أو يوم, أو دقيقة لصنع القنبلة". بالطبع, لا تكلف كلابُ الحرب هذه نفسها في متابعة ما تفعله "الوكالة الدولية للطاقة الذرية", ناهيك عن "التقديرات الاستخباراتية القومية" التي نشرتها وكالات الاستخبارات الأمريكية السبعة عشر.
لأنهم, إلى حد كبير, "يكتبون السيناريوهات, وينتجونها, ويجنون ريعها" في المجال الإعلامي, يمكنهم أن ينجوا بهذا الخليط السام المذهل من العنجهية والجهل – حول الشرق الأوسط, والثقافة الفارسية, والتكامل الآسيوي, والمسألة النووية, والصناعة النفطية, والاقتصاد العالمي, وحول "البقية" مقابل "الغرب".
وكما حصل مع العراق في سنة 2002, يتم تجريد إيران من إنسانيتها بشكل دائم. إذ إن "السرد" المتواصل الهستيري الذي يثير الخوف والقائل "هل نقصفهم الآن أم لاحقاً" يتمحور دائماً حول قنابل ذكية تضرب منشآت تحت الأرض وصواريخَ دقيقة قادرة على تنفيذ مهمتها بشكل نظيف ومدمر دون إلحاق أي"أذىً متلازم". مثل الجنس الآمن تماماً.
وحتى عندما يعترف صوت المؤسسة نفسها – "نيويورك تايمز" – أنه لا الاستخبارات الأمريكية ولا الإسرائيلية تعتقدان أن إيران قد قررت صناعة القنبلة (وبمقدور طفل في الخامسة أن يصل إلى النتيجة نفسها), تبقى الهستيريا نفسها تدوي في كافة أرجاء الأرض.
في هذه الأثناء, وبينما يُكمل البنتاغون استعداداته – "كل الخيارات مطروحة على الطاولة", كما يكرر أوباما نفسُه – لحرب أخرى في ما كان يسميه "قوس الاضطرابات", فقد وجد الوقت لإعادة تعليب "بورنو" الحرب. وقد تطلَبَ الأمرُ شريطَ فيديو من 60 دقيقة على "يوتيوب", بعنوان "نحو صوت الفوضى", تم نشره بعد عدة أيام فقط من مجزرة قندهار. أنظر فقط إلى الجمهور الذي يستهدفه بشكل أساسي: سوق الفقراء الضخم, أي الأمريكيين العاطلين عن العمل والساذجين سياسياً.
دعونا نستمع إلى صوت الراوي في هذا الفيلم القصير: "حيث تحلُ الفوضى, تظهر ‘النخبة’. تتحرك قوات المارينز نحو صوت الاستبداد, والظلم, واليأس – بشجاعة وتصميم على إسكاته. ومع إنهاء النزاع, وإحلال النظام, ومساعدة أولئك العاجزين عن مساعدة أنفسهم, تواجه قوات المارينز تهديدات العصر."
ربما, في هذا العالم الأورويلي [نسبة إلى الروائي الإنكليزي جورج أورويل وروايته "1984"], يجب أن نطلب من الأفغان الموتى الذين بالَ عليهم جنود المارينز, أو آلاف القتلى في الفلوجة, كتابة مقال عن هذا الفيلم. ربما يمكننا التفكير في ذلك اليوم الذي يقوم فيه الناتو بفرض حظر جوي فوق السعودية لحماية الشيعة في المنطقة الشرقية, بينما تقوم طائرات البنتاغون بلا طيارين بإطلاق آلاف الصواريخ على الآلاف من أمراء آل سعود المتنفجين القروسطيين الفاسدين. لا, لن يحدث ذلك.
بعد عقد من إطلاق الحرب على الإرهاب, هذا ما أصبحَ عليه العالم: جمهور عالمي خامل, كسول, مُخَدَر, ملتهٍ عن اللهو باللهو, مُسَمَر على استعراض بائس لوحشية "بورنو" الحرب.
الجمل- قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد