لماذا لم تتمكن الصحافة السورية الخاصة من استقطاب القراء
نفذت الأعداد من السوق، وهاتف الجريدة لم يكف عن الرنين، فقراؤنا يتصلون ويسألون عن طبعة ثانية، قد تبدو هذه الصورة اليوم ضرباً من الخيال أو طريقة للتندر والتهكم، ولك أن تجرب وتسأل أحدهم عن صحيفته التي يحرص على اقتنائها، وستجد أنه سينفجر بالضحك أو يسمي لك ما شئت من صحف عربية وأجنبية دون أن يتطرق لصحيفة سورية رسمية أو خاصة، لأنه لا يشعر بالانتماء لأي منها. شبه قطيعة وجفاء مؤلم تعاني منه صحفنا التي يجب أن نعترف انها لا تُقرأ بشكل واسع، لولا انها توزع على المؤسسات الرسمية.. وقد اعتادوا عليها أن تقف على مسافة منهم بوجه عابس ولغة متخشبة، ورغم انها حاولت أن تخطب ودهم في الآونة الأخيرة، لكننا سنكون متفائلين قليلاً إذا قلنا انها نجحت.
قارئنا قارىء نوعي يبحث عن شكل إعلامي مختلف، وتتاح أمامه وسائل إعلامية شديدة التنوع، فإلى أية درجة استطاع إعلامنا أن يواكب هذا التطور في الخطاب الإعلامي.. وعن أي تطوير نتحدث إذا كانت أبسط المعلومات تُحجب عن الصحافة بتعميم من أحد الوزراء، وكلنا -كصحفيين- نعيش يومياً تلك المهمة الشاقة في الحصول على معلومة أو إقناع أي موظف في الدولة بأن يصرح دون عدة موافقات وزارية..؟!.
عولنا على دخول الصحافة الخاصة إلى ساحة العمل الإعلامي لكي نرى هوامش أكبر وجرأة في الطرح، ولكن معظم المطبوعات التي ظهرت لم تكن سوى محاولات بسيطة تتأرجح بين الجدية والحضور الباهت، وبعضها لم يتجاوز حدود ملتقى الأصدقاء والمعارف، ودرجت العادة في بعض هذه الصحف على الاستعانة بكادر صحفي من الجرائد الرسمية لفترة من الزمن، ثم تثار بعض المشاكل ويُستقدم كادر آخر، وهكذا في عملية يظنها البعض إعادة إحياء وبث للدماء الجديدة.
الناس أقبلت على هذه المطبوعات لعل هذا الحلم المفقود بالصحيفة التي تلازمهم يقترب من الواقع، ولكن سرعان ما تتراجع فورة الاهتمام أمام تكشف الحقائق، ولو أن هناك صحيفة أو مجلة خاصة أخذت طابع المؤسسة التي يشعر كادرها بالانتماء إليها لكان هذا الإحساس بالانتماء وصل إلى القارىء وتبناه، ولكن في غالبيتها لم تكن تتعدى تجربة الشركات العائلية.
وهنا دعوني للمصداقية والحقيقة أستثني (صحيفة الوطن)، التي صدرت مؤخراً في دمشق في المنطقة الحرة، فهي تحمل طابعاً مؤسساتياً بامتياز، ويسجل لها انها تحترم كادرها الإعلامي، فقد جهزت مقرها المكون من أربعة طوابق بمستلزمات العمل الصحفي، وهي شهادة للحقيقة والمصداقية، مع أننا لا زلنا نترقب إذا كان هذا الأمر سينعكس فعلاً على الأداء الإعلامي أم سيتوقف عند الشكل.
(كلام جرايد) كلمات بقدر ما تعبر عن خيبة القراء بقدر ما تحرج كل صحفي لديه مشروع إعلامي، وينذر الجزء الأكبر من وقته وأعصابه وتفكيره لمهنة المتاعب.
أصوات من الصحافة الخاصة تحدثت لنا عن متاعب حقيقية وأوجاع تجعل من استمرارها في الصدور شيئاً يشبه المجازفة وعراقيل لا نشعر بها كصحافة رسمية، وتوضح بطريقة أو بأخرى، التساؤل الذي يحيرنا كقراء ومتابعين لهذه المطبوعات: لماذا لم تستطع ان تقدم الصحافة الخاصة في سورية مشروعاً إعلامياً نوعياً أكثر حضوراً من الصحافة الرسمية..؟!.
- إياد شربجي: مجلة شبابلك تطبع 7000 نسخة توزع في أوساط الشباب، وكادرها الصحفي والإداري يقوم على الشباب أيضاً، وتحمل نبض الشباب ورؤاهم الحياتية.
صاحب الترخيص ورئيس تحريرها السيد إياد شربجي يقول رداً على سؤالنا حول: لماذا تفتقد الصحف الخاصة العمل المؤسساتي..؟.
هذا اتهام مجحف، يجب أن ننظر إلى عمل هذه الصحف والمجلات من مرحلة منح التراخيص، لنجد انه قلما يستطيع صحفي أن يحصل على ترخيص لمطبوعة، لذلك طغت عقلية رجال الأعمال على العمل الإعلامي، لا بد أن يكون من ضمن شروط الترخيص ان يكون صاحب الترخيص صحفياً، ومن هنا نفهم لماذا لا تتصف هذه المشاريع بالمهنية أو بعقلية المؤسسات، وهو سبب بسيط، في حين ان هناك أسباباًً حقيقية وكامنة وراء هذا الأمر، فأنا كرئيس تحرير لمطبوعة خاصة أرى انه لا يُؤمل من القطاع الخاص في سورية أن يكون أفضل في ظل وجود القوانين الحالية وغياب سياسة واضحة من قبل الدولة باتجاه إيجاد إعلام خاص وفاعل، حتى الآن لا تدرك الجهات المعنية في الدولة ان هذا النوع من المشاريع يجب أن تُنفق عليها لأنها تمثل ثقافة المجتمع، وتعطي صورة البلد في الداخل والخارج.
والمشاكل لا تتوقف عند سوء الفهم أو غياب التصور للمشروع الإعلامي، بل تتعداها إلى عقبات حقيقية تنذر بفشل أي مشروع إعلامي، ففي الوقت الذي يصعب ان نجد مستثمراً في حقل الإعلام لأن السوق الإعلانية ضيقة ومحدودة تفرض علينا سلسلة من الضرائب المجحفة تتنوع من المؤسسة العربية للإعلان إلى مؤسسة التوزيع إلى محافظة دمشق ووزارة المالية، لا يوجد قانون يوصف نشاطنا.. هل هو نشاط اقتصادي أو ثقافي وفكري..؟.. المالية تحاسبنا على انه عمل تجاري، والمحافظة ترفض أن تعطينا سجلاً تجارياً ومؤسسة توزيع المطبوعات تأخذ 38٪ من سعر أية مطبوعة، والإعلان وسطياً 15٪ من أي إعلان، إضافة إلى تكاليف غير مباشرة، أصبحنا جميعاً نعرف أين تذهب، أي ان المطبوعة تضطر لتحمل ما يصل إلى 200 ألف شهرياً وهو أمر كافٍ لفشل أي مشروع.
المطبوعة التي لا يقف وراءها رأسمال ضخم ورجل أعمال مليء لا يمكن ان تستمر، لهذا توقفت عدة مطبوعات عن الصدور لعدم قدرتها على تحمل الخسائر، الدولة تعلم ان سوقنا الإعلاني ضيق، وتحاسبنا على أساس اننا مشاريع تجارية، نحن نقبل بهذا التوصيف، لكن لماذا لا تمنحنا إعفاء ضريبياً مشجعاً كأي مشروع استثماري.. ألسنا أهم من مشاريع الشيبس والعلكة التي تعطى خمس سنوات إعفاء..؟.
وهذا غيض من فيض، إضافة إلى ضيق مصادر المعلومات وارتباط ذلك بالعلاقات الشخصية وعدم الثقة بالصحف الوطنية، فالمعلومات الهامة تسرب للصحف العربية ولا تخص بها صحافتنا.
بعد كل هذا، لا يحق لأحد ان يقول لنا: لماذا إعلامنا ضعيف وغير مؤسساتي طالما ان ظروفنا سيئة ومجحفة، وبالكاد يستطيع هذا الإعلام ان يؤمن مصادر تمويله ومُضيّق عليه بالضرائب والخطوط الحمر.
- نبيل طعمة، رجل أعمال، استثمر جزءاً كبيراً من أمواله في الإعلام، ويقول عن تجربته: بدأنا بمجلة (المعارض والأسواق الدولية) عبر اتفاق مع المؤسسة العامة للمعارض وعمرها اليوم أربع سنوات، ولا تزال مستمرة في الصدور، وهناك مجلة اقتصادية متخصصة (الأزمنة) تأسست عام 2004، بدأت شهرية وتحولت بدءاً من تموز الماضي لتصبح أسبوعية.
* لماذا اخترت الصحافة رغم انها مشروع غير رابح بالمعنى الاقتصادي..؟.
** هذا صحيح، إنه مشروع فكري بالدرجة الأولى، ولكن توجهي كان نابعاً من قناعة مفادها انه عندما يمتلك رجل أعمال فعاليات اقتصادية، فإن الواجبات الوطنية تحتم ان ترافقها فعاليات إعلامية لتزيد في المساهمة الوطنية وتساهم في دوران العجلة الاقتصادية السليمة.
وحول غياب العمل المؤسساتي في إعلامنا الخاص يضيف: نحن نعمل على بناء ذلك الأمر في مؤسساتنا الصحفية ونرجو ان تعمم، وقد خضنا مؤخراً تجربة التحرير الجماعي لا أحد يملك القرار لوحده، فمجموعة التحرير تتناقش في المواضيع المقدمة للمجلة، وهذا التفاعل هو الذي ينتج عملاً متميزاً.
أنا من أنصار الاكتشاف وإعطاء الفرص، ونظام العمل الجماعي مهم جداً لأنه يخلق أفضل الفرص للتفاعل وحوار الأفكار.
ومن جهة أخرى يجب ان ننظر إلى الفضاءات والمساحات التي تعمل فيها صحافتنا الخاصة، فالمناخات المتوفرة لا تسمح بلعب الدور الذي نطمح إليه، أنا لا أقارن صحفنا بالصحافة المجاورة لأنني أعتبرها انتهازية تحمل تبعيات لشخص أو لحزب، وإنما أرى في الصحافة الفرنسية أو الألمانية صحافة حرة، هناك ستجدين فضاءات حقيقية مع الإقرار بأنه لا توجد هناك حرية مطلقة في الصحافة، إنما هوامش تتسع أو تضيق.
* من تنافسون..؟.
** نحن لا ننافس أحداً، ولكن نسعى ونجتهد مع المجموعة كلها لتقديم الأفضل، ونرتقي بسوية إعلامنا لنضيف سمات إيجابية لهذا الوطن، ونحاول ان نكون مؤثرين لتحريك المياه الراكدة.
وحول الكادر الصحفي الذي يعمل في الصحافة الخاصة.. يشير إلى انه لا يوجد لدينا مفهوم الصحفي الخاص، فأغلبية الكادر العامل في هذه الصحف والمجلات يأتي من الإعلام الرسمي، يحمل معه عقلية مؤسسته الرسمية، ويتعامل مع هذا العمل على انه إضافي لزيادة دخله، لذلك لدينا كم صحفي ولكن في مجمله وظيفي، وعندما ينشأ هذا المفهوم يجب ان ينشأ معه قانون للصحافة الخاصة يرسي قواعد عمل مؤسساتي وكادر صحفي مضمون الحقوق في مؤسسته.
- السيد وضاح عبد ربه، رئيس تحرير وصاحب امتياز صحيفة الاقتصادية المتخصصة، والذي دخل مؤخراً في تجربة صحيفة يومية سياسية مستقلة حملت اسم (الوطن) يقول:
أصبح لدينا 140 ترخيصاً في سوق لا يتحمل عملياً أكثر من 6 تراخيص، أنا أتحدث من الناحية الإعلانية، أسواق الدول المجاورة تنفق ميزانيات تصل إلى 75 مليون دولار سنوياً، في حين لا يتجاوز هذا الرقم لدينا 15 مليون دولار، من هنا نفكر لماذا لا توجد مؤسسات؟.
أية صحيفة أو مجلة لا بد ان يكون لديها رأسمال يجعلها تتحمل سنتين خسارة قبل ان تقلع، المشكلة اننا نعتقد ان الربح سيأتي من أول عدد، لذلك تسيطر (عقلية الدكاكين) على بعض المشاريع الإعلامية، ورؤوس الأموال تتردد في الدخول في مشاريع قد تخسر فيها استثماراتها.. لكن المعروف ان الصحافة ليس فيها ربح المؤسسات الكبرى في العالم وفي المنطقة يقف وراءها لوبي رجال أعمال يمولها ليدافع عن قضاياه وأفكاره أو أحزاب سياسية في سورية، لا هذا ولا ذاك يدعم الصحافة الخاصة لذلك فأية مطبوعة ستكون أسيرة الإعلان والمبيع، وهنا يتحول الأمر إلى دكان وليس لمؤسسة همه ان يحصل على حصة في سوق الإعلان.
وحول تجربة (الاقتصادية) يضيف: استفدنا من كوننا أول ترخيص لصحيفة اقتصادية متخصصة تدخل بقضايا اقتصاد السوق والانفتاح، وحاولنا خلق جمهور قراء ومعلنين، فالمعلن في سورية قبل 2001 لم يكن يخصص ميزانيات للإعلان الصحفي، بل كانت تذهب بشكل أكثر للإعلان الطرقي والتلفزيوني، وعندما دخل الإعلام الخاص بدأت تخصص مبالغ للإعلان الصحفي وكانت هنا الاقتصادية قصة نجاح استطاعت ان تطور الإعلان في سورية وتستقطب إعلانات من دبي وبيروت وكوريا.
وحول العقبات التي واجهتها هذه التجربة وما يشاع حول تسويات كانت تتم بعد إثارة مواضيع إشكالية مع بعض الجهات، يؤكد السيد وضاح: لا أظن اننا تطرقنا لموضوع دون ان تكون لدينا وثائق.. كل ما ينشر لدينا موثق ووثائقنا محفوظة، لم نلعب لعبة الإثارة بل لعبة السبق الصحفي و(الخبطة) ولم تكن هناك تسويات بل بقيت المحاكم تفصل في دعاوى قضائية أثارتها موضوعات نشرناها، ويضيف: لم أخض معركة قانون المطبوعات لأنني اعتبرته قانوناً مع وقف التنفيذ، يشهر في الوقت الذي يختارونه وقد طالبت إلغاء عقوبة السجن بالنسبة للصحفي وتغريم الصحفي والصحيفة بمبالغ مالية كبيرة، وتخصيص محكمة خاصة تنظر في قضايا النشر حتى يكون القاضي مؤهلاً، ويرى انه في الظروف الحالية لا توجد آفاق للعمل فالأنظمة والقوانين السائدة تعيق بالتأكيد عمل الإعلام الخاص، هناك مؤسستان مسؤولتان بشكل أساسي عن هذه الإشكالات: المؤسسة العربية لتوزيع المطبوعات والمؤسسة العربية للإعلان، فإحداهما تحتكر توزيع الصحف والمطبوعات، والثانية تحتكر الإعلان، وقد كانتا عملياً سبباً في تراجع الاعلام الخاص وفي الهجرة إلى المناطق الحرة للتخلص من عمولة المؤسستين وضريبة الأرباح، وهي مشكلة يعاني منها الإعلام الخاص بشكل عام.
وحول تجربة (الوطن) التي تعتبر أول صحيفة سياسية مستقلة تصدر منذ عقود، وعلى ماذا يعتمد ومن ينافس.. يشير: أراهن على الاستقلالية لنجاح الصحيفة، آخر صحيفة سياسية مستقلة أغلقت في 1963، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن القراء يعيشون على الصحافة الرسمية والمستوردة وهم متعطشون لصحافة سورية مستقلة، الصحف المستقلة ستجد رواجاً عند الجمهور لأن هناك فراغاً يجب ان يملأه أحد، وبالوقت نفسه نطمح لأن نمارس عملاً صحفياً في وقت أصبح فيه الخبر والمعلومة أسرع من الصوت.
- طالب قاضي أمين معاون وزير الإعلام، نوه في حديث خاص للبعث، انه ليس المطلوب من الإعلام الخاص ان يكون بديلاً عن الرسمي.. لكل عمله ومجاله وليس أحدهم بديلاً عن الآخر، والخطة الخمسية العاشرة أشارت إلى التشاركية بين الإعلام الخاص والعام، وقد منحنا تراخيص لـ 140 مطبوعة و10 إذاعات خاصة، ونسعى لتوسيع الرقم وندرك ان الحاجة تتطلب إعلاماً خاصاً يعمل بحرية أكثر، لذلك نعمل على قانون للإعلام المرئي والمسموع والمقروء والانترنت، يأخذ بعين الاعتبار حاجات سورية كوطن في مجال الإعلام، ويكون حضارياً يلبي متطلبات العمل الإعلامي، ويلبي مطالب اتحاد الصحفيين، آخذين بعين الاعتبار المشروع الذي تقدم به فريق الصحافة السورية الخاصة.
وحول المساعدات التي كانت تقدم للمطبوعات الخاصة ثم ألغيت.. أكد انه لا يجوز الحديث بهذا المبدأ إذا أردنا ان نعطي مساعدات.. فأولى بنا ان نصلح إعلامنا الرسمي، لم نجلب أحداً قسراً ليؤسس مطبوعة، ولسنا مع سياسة الدعم لأننا لم نجبر أحداً على العمل في هذا المجال، ولم نصدر أية تعليمات جديدة بعد صدور قانون المطبوعات، على العكس حاولنا تقديم التسهيلات المتاحة ونحن نعتبرهم في وزارة الإعلام مشروعاً فكرياً، أما الضرائب التي قد تفرضها وزارات أخرى فتلك قضية أخرى تبحث مع تلك الجهات.. وقد لجأنا إلى المنطقة الحرة واتفقنا مع وزارة الاقتصاد أن تصبح هناك مدينة إعلامية حرة سورية لا يمكن لغير السوريين ان يعملوا فيها، فإحدى الشروط الأساسية ان يكون صاحب الترخيص سورياً لبدء العمل بالمدينة، وهذا سيشيع جواً من التنافس الذي نعتقد انه يهيىء المناخ لأداء إعلامي أفضل.
سهام طلب
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد