سوري يبني قلعته في 30 عاماً: إرث معماري للأجيال المقبلة

12-11-2015

سوري يبني قلعته في 30 عاماً: إرث معماري للأجيال المقبلة

منذ 30 عاماً، وضع أحمد الزوزو الحجر الأول لبناء قلعته على شاطئ مدينة جبلة السورية. الرحلة لم تنته بعد، وهو يضيف إليها شيئاً جديداً كل يوم يُغنيها إبداعاً.
وخطرت فكرة بناء القلعة على بال الزوزو قبل حوالي نصف قرن، عندما كانت مدينته التي تقع في محافظة اللاذقية، تشهد تحولاً من البيوت القديمة التقليدية إلى نظام البناء الحديث. حينها، وجد السكان يهدمون منازلهم التي كانت غاية في الروعة، ويرمون حجارةً رملية فائقة الأهمية، فقرّر أن يحافظ عليها ويستثمرها حتى لا تذهب هدراً.
منذ تلك اللحظة، بدأ الزوزو يجمع الحجارة ويضعها على الشاطئ. وفي منتصف ثمانينيات القرن الماضي، شرع في عملية بناء قلعته، التي ما لبثت أن تحوّلت صرحاً معمارياً يخطف الأبصار.
واستطاع ابن الـ83 عاماً أن يبني قلعته التي يصفها زائروها بـ«الساحرة»، بجهوده الفردية وسواعده الحديدية، موثقاً من خلالها التاريخ المعماري لـ«جبلة»، بدءاً من الطراز العمراني للفينيقيين، مروراً بالرومان والبيزنطيين والمماليك والعثمانيين.
وأخذت القلعة المؤلفة من بناءين منفصلين اليوم شكلها النهائي، لتبقى في حاجة إلى بعض اللمسات الأخيرة التي يعمل الرجل على وضعها حالياً.
ورغم تقدّمه في العمر، يحافظ الزوزو على أداءِ شابٍ، فيمشي على الحجارة المبعثرة في أرض القلعة، ويرفعها بسواعده ليصنع منها الغرف والأسوار والقناطر، وحتى الأبراج.
واعتاد الرجل الجبلاوي الذي كان يعمل مدرساً لمادة الجغرافيا، على المجيء كل يوم إلى قلعته، حيث يشعل سيجارته «اللفّ» ويصفن في إنجازه، قبل أن ينطلق في العمل ووضع الأحجار واحداً فوق الآخر بطريقة هندسية تصعب على مهندسي العصر الحديث وتقنياتهم، وحتى على البنائين المحترفين، فتجد القناطر المصمّمة بأشكال مختلفة تحاكي مختلف العصور، وهو يشرح تفاصيل كل قنطرة وخصوصيتها في كل عصر، بعدما بحث جيداً في التاريخ، وأصبح خبيراً بالفن المقارن وقادراً على تمييز الطراز المعماري لكل عصر.
ودفع الزوزو من جيبه الشخصي لتنفيذ مشروعه الحلم، بعدما قام بزيارة الأماكن الأثرية في الساحل السوري كي يطلع على فن العمارة فيها، ويعمل لاحقاً على توثيقه في قلعته، ولو بـ «بصمة صغيرة».
غرف القلعة مستطيلة الشكل، وفيها مقاعد حجرية يجلس عليها الزوار، وقد رسم عليها لوحات فسيفسائية تمثل حضارات متنوعة، صممت بطريقة فنية مزخرفة وبألوان متناغمة.
ويقول ابن جبلة إنه اعتمد الحركة في الرسوم وابتعد عن السكون، فكانت العاصفة جزءاً أساسياً من أعماله التي لا تغيب عنها الرموز، كزهرة اللوتس.
وتكثر الغرف في البناء الأول، فنجد الإيوان البيزنطي، وهو عبارة عن مصيف من ثلاث درجات وأمامه حديقة صغيرة للزراعة، كما نرى الغرف الرومانية وكذلك النوافذ، بينما الأرضية مصممة على شكل موزاييك جميل، أما الأسقف فهي بيزنطية الشكل.
ويوضح الزوزو أن البيزنطيين كانوا يرسمون ما يسمونه «فريسكو» على أسقف غرفهم، وهو عبارة عن منظر طبيعي له بعده النفسي على الإنسان ويساعده على عدم الشعور بالملل.
أما المبنى الثاني، فمؤلف من طابقين وتقلُّ فيه الغرف، بينما تكثر القناطر، حيث نجد أكثر من طراز معماري، سواء في القاعة التي تجمع أسلوب الأندلسيين مع الطليان، مع القناطر المبنية على شكل شلالات، من دون أن ينسى ترك بصمة بأسلوب عصر النهضة الذي دخل إلى جبلة من مدينة البندقية في عهد المماليك.
يرى الزوزو في قلعته «مشروعاً إنسانياً يبقى إرثاً للسوريين»، معرباً عن أمله في أن تعتني وزارة الثقافة بهذا الصرح، ليبقى في متناول الجميع.

بلال سليطين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...