موضة ظهور الأطفال والشباب السود في الكليبات اللبنانية

18-07-2007

موضة ظهور الأطفال والشباب السود في الكليبات اللبنانية

فيديو كليب صدر مؤخرا للفنانة اللبنانية رولا سعد، تظهر فيه مع طفل أسود هو بطلها المدلل الصغير. تزامن ظهور هذا العمل مع فيديو كليب آخر لنانسي عجرم، يظهر فيه طفل أسود مع مجموعة أطفال بيض فى روضة أطفال. وقبل هذين العملين كان هناك فيديو كليب لفنانتين لبنانيتين، تعاكسان شابا أسمر يقود دراجة نارية، تصفانه بدلال وغنج بالـ«شيكولاته». فأي دلالة لظهور السود أخيراً، في الأعمال الفنية اللبنانية، خاصة ان غياب السمرة الداكنة في لبنان، يجعل العثور على أبطال سمر للأعمال الفنية هو بمثابة البحث عن إبرة في كومة قش.
ما يثير الدهشة ، أن هذه الأعمال الفنية الثلاث تم إنتاجها في لبنان حيث يكاد ينعدم في هذا البلد وجود مواطنين ذوي بشرة سوداء! فما حقيقة ظهور تلك الوجوه السمراء فجأة في الفيديو كليبات؟ هل هي تقليعة لبنانية جديدة تغزو الأغنيات المصورة، حيث يمثل لبنان بوصلة الفنون والتقليعات للشعوب العربية من حوله، تتبعه في صيحاته التي سرعان ما تخبو؟ أم هي صحوة اجتماعية ثقافية عربية، مفاجئة، بشأن حقوق أقليات سمراء تعيش في المجتمعات العربية منذ قرون، ولا تظهر في وسائل الإعلام إلا قليلا؟ أم تراها مجرد محاكاة، ضمن موجة التقليد الأعمى السائدة ـ للأعمال الفنية الغربية أو الأميركية تحديدا ـ التي لا تبخل على السمر بالظهور فيها، بل ويعطون دور البطولة والنجومية، في بعض الأحيان؟
السمر في الدول العربية موجودون منذ آلاف السنين بحكم القرب الجغرافي من القارة السوداء. لكن بمراجعة تاريخية نلحظ ان هؤلاء لم يعيشوا تداخلا حقيقيا مع المجتمعات العربية التي يعيشون فيها، ولم نلحظ أي نزعة حقوقية لمساواتهم بالآخرين، منذ عصر عنترة بن شداد وكافور الإخشيدي، وهذا التعاطي استمر حتى اليوم. فإذا ما أخذنا الجانب الإعلامي الذي يبرز ما يمور داخل أمواج المجتمع، وبمراجعة سريعة لتاريخ ظهور السمر على الشاشات العربية، خاصة أن مصر تعتبر الرائدة في المجال السينمائي والتلفزيوني، فإن السمر ظهروا في أفلام الأسود والأبيض قليلا جدا، في دور بوابين وسائقين وخدم بالمنازل. رغم أن السمر يمثلون نسبة لا يستهان بها في هذا البلد، وتحديدا بجنوب مصر. ولا يذكر الناس فنانا مصريا بالغ السمرة بلغ النجومية سوى الراحل أحمد زكي، وكتب حينها أحد المعلّقين الفنيين أن «مستوى الشاب الوسيم (الحليوة) في السينما المصرية تدهور كثيرا! فأين منه حسين فهمي الأشقر بالعينين الزرقاوين؟!».
أما في الأعمال السينمائية والتلفزيونية الحديثة، فما زال السمر يشغلون مراتبهم المتدنية، ويبدو أن مخرجي تلك الأعمال لم يتأثروا بالتغيرات الاجتماعية على طول العقود الماضية. ولم يقتصر الأمر على تهميش السمر في الأعمال الفنية الحديثة بل يمتد الى التجريح علانية بالسمر والسود في بعض الأفلام السينمائية، فيوصفون بالقبح والغباء وعبارات مثل «الفحم وصل» و«النور طفي». وهي عبارات لو قيلت في أي عمل فني، في واحدة من الدول التي تتبنى المساواة قولا وعملا، لوجب الاعتذار والغرامة والعقوبة، بل ولنبذ المجتمع هذا العمل.
أما في مجال الغناء، فالسمر موجودون بقلة قليلة تتناسب مع أعدادهم، ومن بلغ النجومية منهم لا يتعدون أصابع اليد الواحدة! ولذا ظل الفنانون السمر في مجتمعاتهم السمراء، في حالة إقصاء. فالقاهرة أو هوليوود العرب لم تفتح لهم يديها، ولا ظهور لهم تحت الأضواء، إلا في ملاعب كرة القدم. أما فى الدول الخليجية، فتوجد أقليات السمراء. وربما تكون الكويت سباقة في إظهار نجوم سمر في مجال التمثيل، يشاركون فى الأعمال التلفزيونية والمسرحية وبلغ الكثير منهم النجومية. وإن لم تخل بعض الأعمال من التهكم بلون البشرة وتقليل شأن صاحبها!
أما في المجال الإخباري التلفزيوني أو مجال تقديم البرامج، فتكاد تنعدم الوجوه السمراء في أكبر القنوات الإخبارية العربية، وحتى في القنوات الدينية لا يزيد عددهم عن أصابع اليد الواحدة، ونستثني من ذلك قناة فضائية لبنانية نرى من خلالها مقدمة برامج سودانية الأصل منذ مدة طويلة، وها هي قناة لبنانية أخرى، تصيبها العدوى مؤخراً. فإذا ما شاهد غربيون القنوات العربية قد يضيفون صفة العنصرية الى الإرهاب!
البعض يبرر الأمر بأن مقاييس الجمال «العتيقة» لدى الشعوب العربية، ذهبت بها الى الإعلام. فالفتاة أهم صفاتها أن تكون بيضاء كالقشدة، وتكتمل كالبدر لو كان لها عيون زرقاء وكذلك الرجل. ويمكن اعتبار هذا ذوقا شخصيا، لا يحق التدخل فيه، إلا أن تلك المقاييس ذهبت الى الإعلام بالفعل، وصار القائمون على هذا الحقل يرون أن الفنانين والمذيعين ومقدمي البرامج، يجب أن يتحلّوا بهذه الصفات، رغم تغير مقاييس النجومية عالميا. وتغلق الفرص أمام أصحاب البشرة الداكنة نهائيا، حتى لو كانوا مؤهلين عمليا ومهنيا لممارسة تلك الوظائف والأعمال الفنية. وبعكس ثورة المطالبة بالمساواة التي قامت في نهاية الستينات بالولايات المتحدة الأميركية، لم يسجل التاريخ العربي الحديث ثورة احتجاج للسمر يطالبون فيها بحقوق المساواة في المجال الإعلامي أو المطالبة بأقل الحقوق، وهي حفظ الكرامة أمام ما يمسهم من سهام جارحة في الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية.
القنوات الفضائية الغربية، تبرز وجوهاً سمراء لا حصر لها، نجح الكثير منها في احتلال موقع نجومية ففي مجال تقديم البرامج هناك الأميركية الشهيرة أوبرا وينفري، وفي التمثيل سيدني بواتييه ودينزل واشنطن ولا بد من ذكر المقدمة تايرا بانكس، بل أيضاً وصلت بعض السمراوات إلى ان تصبحن ملكات جمال ومتربعات على عروش عروض الأزياء كناعومي كامبل، وعلى قناة الـ«بي بي سي» الرئيسية نجد السودانية السمراء زينب بدوي، وحتى على القنوات الفرنسية تظهر وجوه سمراء فى شتي البرامج رغم أن وجود الجنس الأسود بالقارة الأوروبية والأرض الجديدة لم يتعد قروناً معدودات. ومع ذلك نجحت تلك الدول في استيعابهم وسن قوانين تضمن المساواة التامة بين المواطنين.
وبعد، هل يعتبر ظهور الطفلين الصغيرين الأسمرين، في الأغنيتين سابقتي الذكر، مجرد تقليد أعمى للغرب؟ وهل سينجح ذلك في جرّ الكبار السمر إلى أغنيات أخرى في المستقبل، ومن ثم الى مجالات إعلامية أخرى؟ فإذا ما تم ذلك، ربما يمكننا اعتباره إحدى الثمار الطيبة لانتشار الفضائيات الغربية والعولمة!

المصدر: الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...