نحو تغيرات جذرية في أسواق المال

14-06-2011

نحو تغيرات جذرية في أسواق المال

لا نزال بعيدين كلَّ البعد من اتفاق مشابه لاتفاق يالطا، وهو الاتفاق الموقع بين الاتحاد السوفياتي بزعامة ستالين، وبين بريطانيا بزعامة تشرتشل، والولايات المتحدة بزعامة روزفلت في مدينة يالطا السوفياتية، الواقعة على سواحل البحر الأسود، عام 1945، لتقسيم ألمانيا آنذاك، إذ تحتاج البورصات العالمية اليوم إلى اتفاق يالطا ثانٍ، ذي طابع مالي بحت، لتقسيم الأسواق والأرباح على أنواعها في ما بينها. وتزداد الحاجة الى اتفاق يالطا، اقتصادي وغير سياسي، أكثر فأكثر ويوماً تلو الآخر، بما أن الحروب بين البورصات بدأت ولم تنته بعد. صحيح أن الرابحين والخاسرين، داخل غرف البورصات حول العالم يتغيرون في شكل نظامي، إلا أن مشكلة الرابحين (الغربيين) هي غياب ثقتهم في إمكان هيمنتهم الدائمة على الأسواق المالية المستقبلية، فالبورصات الآسيوية، التي ستحتل مقعداً مركزياً في عالم المال مستقبلاً، ستؤرق مضاجع الرابحين الغربيين، وحتى الخاسرين منهم.

ويرى محللون سويسريون أن الأسواق المالية تخطط لتقسيم الأصول بينها، على غرار ما فعله رؤساء الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وأميركا، قبل شهور قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، حين تطرقوا إلى تقسيم الأصول الجيوسياسية في ما بينهم. مع ذلك، مازال هذا التقسيم بين البورصات الدولية يحتاج إلى وقت، بعد ان تصبح الأوضاع الاقتصادية العالمية أكثر استقراراً.

وفي الحقيقة، بدأت هذه التغييرات الجذرية، الخاصة برسم الخرائط الجديدة للبورصات، على نحو «خفيف» في الشهور الأخيرة، حين أُعلن عن خمس عمليات دمج تاريخية بين البورصات العابرة للقارات، ما اعتبره المراقبون المرحلة الأكثر ديناميكية في تاريخ البورصات، منذ ولادتها.

في موازاة ذلك، تتسع رقعة الخلافات في المصالح بين البورصات، اذ الى جانب «تضخم» كل بورصة منها، من طريق عمليات الدمج أو زيادة الرسملة، تسعى كل بورصة اليوم الى اكتساب الذكاء الإستراتيجي والتكنولوجي على طريقتها (بمساعدة جيوش من الاختصاصيين والجواسيس) من جهة، وقطع التكاليف، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن والشركات والوسطاء والمستثمرين من جهة أخرى.

إن الشعلة الأولى من الحروب بين البورصات ستتركز أولاً في ساحات الأسواق غير النظامية للأوراق المالية، المعروفة باسم «أو تي سي» (أوفر ذي كاونتر ماركت)، اذ لو نظرنا إلى حركة التداولات التجارية السنوية داخلها، لرأينا أنها تتخطى بسهولة ما مجموعه 600 تريليون دولار، أي 12 مرة الناتج الإجمالي العالمي. وعدا عن غياب الضمانات عن هذه الأسواق، فإنها خالية من الشفافية ومكتظة بالأخطار. لذلك، سترمي هذه الحروب إلى نقل أنهر الأموال هذه إلى الأسواق النظامية (وهذا أمر مستحيل حالياً)، اضافة الى تقليص حجم التداولات التجارية، بما أن النشاطات التجارية للأسواق غير النظامية غارقة في السيئات وبعيدة جداً عن الحسنات، التي ينتظرها المستثمرون على مدار الساعة.

في هذا الصدد، يتوقف خبراء المال السويسريون للإشارة إلى أن البورصات الآسيوية تقلق الأسواق المالية، الأوروبية والسويسرية، فالتجارب الغربية داخل البورصات الآسيوية غير مشجعة بعدُ، لافتقار الأخيرة إلى إستراتيجيات موسعة، تسبح في عالم الطموحات، وبالتالي تنجح في اكتساب ثقة البورصات الغربية. ولا يستبعد هؤلاء الخبراء أن تندلع حروب بين زعماء الأسواق المالية ورؤساء الدول لتغيير خريطة العالم، الاقتصادية والسياسية معاً. وبصرف النظر عن لائحة الرابحين المستقبليين داخل حروب البورصات، فإن عالم المال يسعى الى فرض أوامره على الطبقات السياسية حول العالم، بهدف تقسيم دوله الى دويلات تخضع لهيمنة الأغنياء والمصارف الكبرى والشركات العملاقة، حول العالم. إذن، فإننا نستطيع القول ان نسخاً عصرية من اتفاق «يالطا»، الروسي – الغربي أصبحت في الطريق!

طلال سلامة

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...