3164 بئراً مخالفة في ادلب

14-06-2008

3164 بئراً مخالفة في ادلب

تعد محافظة ادلب الأكثر حظاً بين المحافظات السورية في حل مشكلة المياه وتوفر مصادرها ..هذا الكلام كان سابقا أما الآن فالمياه في المحافظة باتت تمثل مشكلة استراتيجية حيوية وحياتية تشمل مختلف المجالات والمستويات ، و قد تضاعف من معاناة الحاضر وعجزه وتهدد المستقبل في الصميم، كما أنها مشكلة مزمنة وذات جوانب متعددة ومتشعبة خاصة فادلب تواجه المشكلة بكل تفرعاتها فنهر العاصي لم يعد كما كان ، والينابيع أخذت تجف واحداً تلو الاخر و الآبار كذلك، وما حدث في جبل الزاوية ومنطقة سنجار خير مثال .

وتعيش ادلب على المياه الجوفية والأمطار الموسمية والتي يساء استخدامها ويستنزف هذا المخزون وتقل المياه الجوفية في ظل انخفاض نسبة الأمطار السنوية بصفة عامة، وتزيد المشكلة خطراً وتعقيداً الطبيعة الجغرافية لادلب من ارض صحراوية جافة ووجود سلسلة جبلية تزيد من تكاليف مشروعات المياه حتى الخاصة بمياه الشرب الصغيرة. 
 ان زيادة الاستهلاك السنوي من المياه زادت من استنزاف مخزونها الجوفي، وأصبحت الفجوة الواقعة بين تزايد الضخ وتناقص المخزون، تضع ادلب في مواجهة مشكلة حقيقية تدق الأبواب وأجراس الإنذار ونواقيس الخطر، وتؤكد ان معالجة المشكلة أصبحت الآن خياراً لا بديل عنه سوى الهجرة من بعض المناطق والمدن الكبيرة وفي مقدمتها سلقين وجبل الزاوية ومنطقة سنجار. ‏

ان واقع المشكلة مزمن وملازم لطبيعة ادلب الجغرافية والمناخية او الجيولوجية بصفة عامة، وهي مشكلة ادركها الآباء والأجداد الأوائل واعتمدوا في مواجهتها على بناء السدود لحفظ مياه الأمطار وتغذية المياه الجوفية اضافة الى الهدف الرئيس منها وهو استخدامها في الري على مدار العام.. وتظل السدود حتى الآن هي الحل الوحيد الا ان الاهتمام لم يأخذ مداه العملي بسبب شح الموارد ، كما ان تنفيذ الأهداف الاقتصادية والمتمثلة في زيادة الانتاج الزراعي لتخفيض الاعتماد على استيراد السلع الغذائية وتعزيز القاعدة الصناعية والتوسع في خدمة إمدادات المياه للمنازل والأغراض الأخرى في الحضر والريف على السواء يتطلب بالضرورة زيادة كبيرة في حجم المياه المنتجة، وفي الوقت نفسه هناك إدراك ووعي متنامٍ بأهمية التنمية المستدامة التي تحتاج بدورها إلى إدارة فعالة وكفؤة لموارد المياه في ادلب حيث تدار في بلادنا مشروعات المياه من قبل القطاعين العام والخاص وتتشتت مواردنا المائية ما بين عدد من الجهات كوزارة الإسكان والتعمير والزراعة والري وكل هذه الجهات بحاجة إلى أن تشد الاحذمة في سبيل الحفاظ على قطرة ماء . ‏

ان الاستهلاك المتزايد للمياه أدى إلى اتساع الفجوة بين الطلب على المياه وبين ما هو متاح على المستوى الوطني الأمر الذي يشكل تهديداً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وأن بلادنا تواجه تحديات بيئية خطيرة منها مشكلة ندرة المياه الجوفية وانخفاضها الشديد على المستوى الوطني نتيجة الضخ الجائر للمياه الجوفية الطبيعية التي أصبحت عبارة عن مخروطيات بشكل متزايد ما سبب جفاف الكثير من الآبار المحفورة يدوياً، وتؤكد المعطيات والدراسات ان هناك علاقة غير متزنة بين الموارد المائية واستهلاك الإنسان بفعل التطور الذي شهدته الحياة فقد كان الإنسان إلى ما قبل الستينيات من القرن المنصرم يعتمد على الطرق التقليدية في حفر ورفع المياه الا انه ومع بداية السبعينيات اعتمد على أسلوب آخر كان سبباً في كارثة مائية محتملة، المزارع محمد خير خميس من قرية تل الطوقان قضاء منطقة ادلب يقول عن ادلب ما قبل ستينيات القرن المنصرم ان كل بيت فيها لم يكن يخلو من وجود بئر ماء تم حفره بالايدي في عمق لايتجاوز مترين حينها كان الجميع في ادلب يعتقدون انها على بحر لاينضب واحتمال جفاف آبارها امر غير ممكن ومع مرور الزمن وتحديداً في بداية السبعينيات دخل المزارعون حقبة جديدة بدأت بالتخلي عن الطرق التقليدية الصديقة للبيئة بحثاً عن مياه سطحية بوساطة حفارات الآبار الارتوازية وبدأت المنافسة بين المزارعين على من يحفر آباراً هي الأكثر عمقاً ومن يملك أقوى المضخات ومن له القدرة على طمر مزارعه بالماء الكثير. ‏

واستمرت الظاهرة بالتفاقم دون ان يتنبه لها المعنيون لوضع الحد الصارم والمانع أمام عشوائيتهم في التعامل مع الموارد المائية. ‏

وساعدت الظاهرة على حد تعبير الفلاح شامان عيد الجاسم من قرية مكسر التحتاني بمنطقة معرة النعمان على نضوب الأحواض الجوفية واحدثت تدهوراً بيئياً مروعاً للموارد الطبيعية ونشبت نزاعات حول حقوق مصادر المياه والآن في ادلب وفي بقية المدن الرئيسة تبدو ناقلات المياه كما لو أنها احد معالم المدينة حيث يراها المرء في كل مكان وبكل الألوان والاحجام. ‏

وتشير مصادر مطلعة الى ان هناك استنزافاً جائراً لمعظم الأحواض الجوفية خاصة في الجزء الغربي من المحافظة حيث يقطن 90% من السكان الريفيين المعتمدين على الاقتصاد الزراعي إضافة الى وجود ميزان مائي مختل نتيجة للاستخراج غير المراقب للمياه الجوفية واستنزافها بوتيرة عالية من الآبار الارتوازية المحفورة آلياً. ‏

طبعاً هناك مسلمات لا سبيل الى نكرانها او التغافل عنها ولعل جرس الانذار ينتظر من يدق ما تبقى به من أصوات لعلها تلقى آذاناً صاغية تستلنا وتستل اجيالنا من أزمة مائية قادمة لا محالة. ‏

في الوقت الذي يبحث فيه المواطن في منطقة سنجار عن كوب ماء تذهب حوالي 5.3 متر مكعب في الثانية هدراً بسبب عدم وضع مشروع عين الزرقا بالاستثمار و يكون قد بلغ عدد الآبار الارتوازية المخالفة في محافظة ادلب 3164 بئراً حيث سجلت أعلى نسبة لها في منطقتي جسر الشغور وحارم حيث يوجد 730 بئراً مخالفاً في كل منهما و 536 بئراً في منطقة ادلب فيما تجاوز عددها 680 بئراً في منطقتي أريحا ومعرة النعمان حيث تساهم جميعها في إرواء 3040 هكتاراً من الاراضي الزراعية ؟ ‏

وتجدر الإشارة إلى وجود 10284 بئراً مرخصاً منها 1390 بئراً لأغراض الشرب والمشاريع الصناعية وتتوزع على 4583 بئراً في منطقة ادلب 2369 في حارم و 1593 في معرة النعمان و 1381 في جسر الشغور و 820 في منطقة اريحا وتساهم هذه الآبار في ري 42014 هكتاراً من الأراضي الزراعية من إجمالي المساحة المروية في المحافظة والبالغة حوالي 60 ألف هكتار . ‏

قد يقول قائل: ان موقع بلادنا وما تتعرض له من ظروف مناخية ونظراً لموقعها المداري والجغرافي جعلها من الدول التي تستعد لمواجهة الفقر المائي، وهذا قول حق، لكن في ادلب تبقى اليد الطولى في تدهور الموارد المائية تعود الى سوء استهلاك الانسان، فالافراط المستمر باستخدامات المياه من المصادر الشحيحة يفاقم المسألة ويعرض معظم الاحواض الجوفية لخطر النضوب خاصة في احواض حارم والمرتفعات الوسطى والشمالية والمناطق الغربية، فمحافظة ادلب تقع ضمن حوضين هيدروجيولوجيين هما حوض حلب الهيدروجيولوجي ويشمل ثلث مساحة المحافظة أي حوالي / 2000 / كم2 وحوض العاصي الهيدروجيولوجي يشمل ثلثي مساحة المحافظة أي حوالي / 4100 / كم2 و ان المياه في المحافظة تقسم الى قسمين ، مياه سطحية، ومياه جوفية فالمياه السطحية تشمل الأنهار والينابيع والسدود ومياه الصرف الصحي ) محطات معالجة مياه الصرف ( ومن اهم تلك الأنهار نهــر العـــاصي : الذي يعتبر الشريان الرئيس المغذي للحوض إذ يبلغ طوله /485/ كم منها /366/ كم تقع ضمن الأراضي السورية يخترق المحافظة من الجنوب إلى الشمال بطول 62 كم فهو ينبع من سلسلة جبال لبنان الشرقية وينتهي صبيبه في البحر المتوسط لواء اسكندرون قرب السويدية قرب مدينة إنطاكية . ‏

وان أهم روافد نهر العاصي نبع عين الزرقا حيث يبلغ متوسط تصريف النبع حوالي 5.3 م3 / ثا مخصص منها للشرب 3.2 م3 / ثا والبقية لمشاريع الري بالضخ مباشرةً أو عن طريق إملاء السدود . ‏

و نهر الوادي الأبيض و يبلغ تصريفه 3.95 م3 / ثا و حالياً يتم إنشاء سد على هذا الوادي لتخزين المياه بحجم تخزين حوالي 87 م .م3/ لارواء مساحة / 9000/ هكتار . ‏

اما الينابيع الواقعة بين جسر الشغور ودركوش : فهي تصب في مجرى نهر العاصي ويقدر تصريفها حوالي 2 م3 / ثا حيث يستفاد منها في ري بساتين على ‏

- ضفتي نهر العاصي ،و نبع الدباغة : يبلغ متوسط تصريفها حوالي / 150 م3 / ساعة ويستفاد من هذا النبع في تأمين مياه الشرب لمدينة دركوش والدويسات والزنبقة، و نبع جورين : مخصصات محافظة ادلب من هذا النبع / 80 / ل / ثا ويستفاد منها في تأمين مياه الشرب لمدينة جسر الشغور والقرى القريبة منها وعدد المستفيدين /35/ ألف نسمة، و ينابيع حارم : متوسط تصريفها / 0.5 / م / م3 / ثا يستفاد منها في تأمين مياه الشرب لمدينة حارم وإرواء حوالي / 550 / هكتاراً بحارم صيفاً وتذهب مياه هذه الينابيع هدراً شتاءً وسيتم انشاء سد لتخزين مياه هذه الينابيع التي تذهب هدراً والمقدرة ب / 5.7 / مليون م3 لتخزينها بوادي الفاروقية ، و نبع السبع عيون : تصريفها حوالي / 120 / م3 / ساعة ويستفاد منها في تأمين مياه الشرب إلى ثمانية قرى يبلغ عدد سكانها حوالي / 25 / ألف نسمة ،و نبع العدوسية و يبلغ تصريفها حوالي / 100 م3في الساعة وتستخدم لتأمين مياه الشرب لحوالي/40ألف نسمة، و نبع كفر هند : يبلغ تصريفها حوالي / 30 / م3 / ساعة ويستفاد منها لتأمين مياه الشرب لكفر هند والسعيدية ويقدر عدد السكان المستفيدين منها حوالي / 3 / آلاف نسمة، و نبع اللج : يبلغ تصريفه حوالي / 100/ م3 / ساعة ويستخدم لتأمين مياه الشرب لحوالي / 65 / ألف نسمة من قرى جبل الزاوية إضافة لمنطقة المعرة مع أربعة آبار تصريف كل بئر حوالي / 120 / م3 / ساعة ،إضافة إلى ينابيع صغيرة في المحافظة تستخدم لأغراض مختلفة . ‏

كثيرون يعتقدون أن الفرد واستهلاكاته الشخصية للمياه هو مصدر أزمة المياه في ادلب وهذا اعتقاد يجانبه الصواب فما تشير إليه البيانات أن حصة الفرد في المحافظة من الموارد المائية المتاحة لا تتعدى 79 ليتراً في اليوم. ‏

إذاً نحن إزاء أزمة وشيكة الوقوع، وهذا التفاقم في تناقص الموارد المائية وتراجع الجدوى الاقتصادية لاشك انه سيدفع المعنيين بالأمر إلى التعويض من مصادر بديلة مثل تحلية مياه البحر أو المياه المعالجة وهذه الحلول بطبيعة الحال مكلفة إلى حد ما ولكنها الخيار الوحيد. ‏

ان بوادر الأزمة المائية تلوح في الأفق من حين لآخر وبالتعبير الإحصائي الدقيق فإن نصف عدد السكان لا يزالون بانتظار تزويدهم بمياه الشرب النقية حيث يقدر نسبة عدد المستفيدين من شبكة المياه العامة في ادلب 88 % وان نسبة الهدر في المياه قد وصل إلى 37.3 % . ‏

ورغم ذلك فالمواطن الادلبي مازال بحاجة لكميات أعلى مما هو متاح له في الوقت الراهن لتغطية احتياجات المواطنين للاستخدامات المنزلية والمحددة وفقاً للمعايير الدولية 100 متر مكعب لكل فرد بالسنة، أي انه يحتاج أكثر من ملياري متر مكعب فقط للاستخدام المنزلي، بينما لا تتجاوز نسبة السكان الريفيين المزودين بخدمات الصرف الصحي 17% وفي المراكز الحضرية 43% و أمام المعطيات الآنفة الذكر يبقى سؤال يحز في النفس عن مدى التزام المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي بتزويد السكان بإمدادات مياه كافية ونقية؟!! وجوابه لا يخلو من التأكيد على عدم تمكن المؤسسة من الوفاء بالتزاماتها نظراً للطلب المتزايد للأعداد المتنامية من السكان. ‏

يعتبر ترشيد استهلاك المياه من المواضيع الحيوية التي تشغل الرأي العام العالمي ولا ينبغي تجاهلها وهي مسؤوليتنا جميعا للحفاظ على الموارد الطبيعية وممارسة الأساليب الحضارية في التعامل مع المياه وتكييف عاداتنا اليومية مع الحلول العملية التي تقدمها الدراسات العملية في هذا المجال.والترشيد هو الاستخدام الأمثل للمياه بحيث يؤدي إلى الاستفادة منها بأقل كمية وبأرخص التكاليف المالية الممكنة في جميع مجالات النشاط.وعندما نتحدث عن ترشيد الاستهلاك فإننا نهدف إلى توعية المستهلك بأهمية المياه باعتبارها أساس الحياة وتنمية الموارد المائية التي أصبحت مطلبا«حيويا»لضمان التنمية المستدامة في كل المجالات الصناعية والسياحية والزراعية وذلك عن طريق العمل على تغيير الأنماط والعادات الاستهلاكية اليومية بحيث يتسم السلوك الاستهلاكي للفرد أو للأسرة بالتعقل والاتزان والرشاد. والدعوة إلى ترشيد الاستهلاك لا يقصد بها الحرمان من استخدام المياه بقدر ما يقصد بها العمل على تربية النفس والتوسط وعدم الإسراف. ‏

علام العبد

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...