جريمة الشرف تعويض كرامة

28-11-2009

جريمة الشرف تعويض كرامة

برز التعاطي مع قضية التخلف في المجتمعات النامية من خلال النظريات التي تربطه بالاقتصاد , والبنية السياسية والاجتماعية , وظل التعاطي قاصرا في حقيقة الأمر عن الوصول لآليات حقيقية علاجية تبعا لاختلاف التيارات التي ناقشت هذه المسألة أو حاولت استيراد نظريات خارجية لتطبيقها دون الإحاطة الفعلية بالواقع , وربطت مكافحة التخلف بعملية التنمية , والموارد الطبيعية والاقتصادية , ومتوسط دخل الفرد , رغم أن هذا الدخل لا يعبر عن الواقع الفعلي , وخاصة في التباين الشديد بين الدخول , حيث تعيش قلة في حالة رفاه عالية بينما الأغلبية الساحقة هم مادون خط الفقر , وبالنسبة للموارد , فبوجود الثروات الطبيعية أصبحت هناك دول غنية لكنها لم تعكس التطور الفعلي للتنمية , وإنما ظهرت المظاهر الكاذبة للتطور من خلال النهضة العمرانية لا أكثر, بينما تتراجع القطاعات الحقيقية في البلد , ويتحول المهاجرون داخلا إلى سكان في السكن العشوائي , حول المدن الكبرى ..
ومن هنا تأتي أهمية الدراسة النفسية لظاهرة التخلف , ومشكلاتها, والصفات العامة لهذه الشريحة .
فالرضوخ , وعلاقة السيطرة الناجمة عن القهر , تجعل الإنسان المقموع هو المثال الأوضح الذي يفصح عن صورة التخلف في بلد ما , فالإنسان المقهور يعيش في عالم من العنف المفروض , والمشكلات المزمنة التي لا يملك القدرة على ردها , أو التحكم بمصيره , لأنه عرضة للأوبئة , والأمراض , والحروب , والحرمان والفقر , وليس لديه درجة أمان من هذا التهديد , فيصبح القدر أكثر توحشا أمامه , نتيجة عجزه , ويعتبر الطبيعة قادرة على العطاء , والشقاء , والرزق , وبما أنه عرضة للمفاجآت , وغير مستعد لها , ينحاز للماورائيات , والتقرب من القوى التي تحكم هذا الكون ,والتعلق بالخرافة , والتمني , والاتكالية سلبا , ويعزو مشكلاته إلى العقاب على ذنب وهمي أو حقيقي , وقد تذهب به الحالة إلى العنف , وتشغله هواجس القلق منذ ما حفرته سنين الطفولة في اللاوعي , وتستمر إلى حاضره , ويضاف إلى عوامل الضغط هذه القمع , والخوف الممارس عليه إنسانيا من خلال من يمتلكون القدرة , سواء رجل السلطة , أو الشرطة , أو المدير في العمل , أو السيد , أو المالك , فيكون متأكدا تماما من عجزه التام اما م تلك القوى , ويشعر بانعدام إنسانيته وقيمته , ولايؤمن بحقوقه , ولا مكانته إلا بما يقدمه له الآخر الأقوى الذي يمارس تسلطه عليه , وفي ظل حالة التبعية , يشعر بالدونية , مما يجعله يبالغ في تعظيم السيد , خوفا او طمعا بمكاسب التقرب منه , وطبعا تستلزم علاقة القمع زيادة في تعظيم هذا السيد , وتضخم شخصيته لتزول أمامه احتمالات تطور الحس الإنساني , فيزداد العنف والتعسف , والاضطهاد , وفي ظل هذه الاستكانة , وانعدام شعور الأمان تبرز مرحلة من الرضوخ , تشكل قاعدة أساسية لاستمرار انحطاط المجتمعات , فتصبح حالة الذل ميزة عامة للجماهير , وتعزز القوى المتسلطة هذا الغرس منعا من أي حالة حراك أو تعبئة , وقد تنشأ هناك بعض المحاولات الفردية , لكنها لا تقدم أي فاعلية , وتسود اللغة المحبطة , وهذه هي  الأفكار الشائعة عن التخلف , وحصره في الجمود , والخرافة , والسلبية , هذا يبدو جليا من خلال متابعة أسلوب المستعمر في تعميق هذه القناعة عند الجماهير ضمانا لعدم انتفاضتها أو محاولتها الإفلات من واقعها المفروض .وتعميق القناعة بعجزها عن إدارة مواردها , وقدراتها , وتعيش الجماهير ظلاما طويلا نابعا من تعميق , وتكريس حالة العجز لديها , وتزدري هذه الشعوب ذاتها , وتنقم على واقعها , وترى ما يحدث لها جزءا عقاب تستحقه أصلا , وبالتالي تتواطؤ مع مستغلها , وتتحالف معه باستكانتها لتعزز هذا الواقع .ومن ضمن هذه المنظومة المجتمعية هناك المرأة , التي ترضخ , وتتعرض لحالة التبعية في الجزء الأكبر , لتتحمل كافة مشاعر الضعف , والعجز  والعار, وكل هذا ضمن المحصلة الطبيعية المنطقية لانعدام قيمة الذات , وبالتالي لابد من تفريغ ما يمارس في المجتمع على الحلقة الأضعف حكما سواء المراة أو الطفل .
وقد تبدو العلاقة ضمن منظور مختلف حيث نجد قبولا , وانهزامية أمام الواقع , مع تذمر , ورفض ضمني , أو انتقام بأساليب خفية , ومنها مثلا حالات التملق للمتسلط , وفي مقابلها تشنيعات أو نكات , وعدوانية من الداخل .
طبعا لايبدو عسيرا الربط بين جملة من العقد والأمراض المجتمعية , وهذا الواقع القائم على القهر , حيث ترى هذه الشعوب كارهة للديمقراطية أصلا , ورافضة لها , وتؤمن بالأبطال الأفراد رغبة منها في تعليق مشكلاتها على حامل معين يمنحها حلما بالخلاص ,وليس التعلق بالغيبيات بعيدا عن هذه المقاربة .
يعاني بالمقابل الإنسان في هذه البنية من عقد الدونية إزاء السلطة بكافة أنواعها , ويختار الابتعاد عن المجابهة , لأنه يعتبر نفسه مساقا بلا حول ولاقوة , وتباعا يفقد موقفه من الحياة , ويتوقع في حالة انتظار الفرج , ويبحث أو ينتظر المنقذ الذي يحلم فيه.
هذا الإنسان المقموع المكبوت , والذي تمارس عليه كافة أشكال الاستبداد , والذي يشعر أساسا بالنقص أمام واقعه , يصبح في حالة دفاع دائم , لأنه لا يريد الاعتراف بحالة العجز , وتصبح أهم مشكلاته مسألة السترة , أو التغطية , ويعمل جاهدا على محاربة افتضاح أمره , على كل الأصعدة , وبالمحصلة تكون مسألة الشرف جزءا من انتصاره المزعوم أمام هذا الواقع , ليقدم نموذجا يظن أنه يجعله أقوى في منظار الآخرين , لذلك فهذا النوع من الناس يشعر بالقهر المضاعف أمام النكتة أو التعليق , أو طريقة نظرة الآخرين له , وضمن جروحه العميقة يصبح المساس بكرامته المهدورة أصلا جزءا من تقديمه لذاته , في محاولة للتعويض عن مجمل القهر والظلم الاجتماعي عليه , وتحل نخوات الشرف , والكرامة , مكان الفراغ الكبير الذي ولدته في نفسه حالة انعدام الإنسانية , وقيمته كفرد على هذا الصعيد , ويسقط بالتالي عاره على المرأة , فهي العورة , وهي الكرامة , وهي التعويض الذي يقدمه أمام الآخرين إثباتا لكبريائه , ويغدو الفعل الجنسي  الذي لا علاقة له أصلا بواقعه هاجسا ,وينتفض كليا حيث يحصر كل وجوده وكرامته بالحياة الجنسية للمرأة , وطبعا هذا يعود لوظيفة الحياة الجنسية  للمراة, في الواقع الاجتماعي ,والمراة أساسا أكثر الفئات الاجتماعية اضطهادا و قهرا , وتمارس عليها عملية الانتقاص الدائم من مكانتها , سواء في الجنس أو الفكر أو الجسد أو الإبداع , وبكونها هي أصلا,ضمن هذه الشعوب, تميل أكثر من الرجل للجرافة , وتتمسك بها , وتغوص في العاطفة , وتسلوك سلوكا يسهل استحكام قبضة المجتمع المتخلف عليها , وتنحاز للانطواء على الذات والاستكانة , فهي أصلا فاقدة لأوليات الدفاع , وراضية بحالة العجز العامة لتكون في حالتها أكثر تمكنا  وقدرة , وحيث أن المرأة مزيج من المتناقضات في نظر المجتمع , حيث تكون الأم والمضحية و رمز العطاء من جهة , ومن جهة أخرى الجنس المشتهى عند الرجل المحروم تحت مظلة واقعه الذي استبد به كليا , واعتبرها ملكا خاصا يعوض من خلاله ظلمه , والاضطهاد المطيق عليه , فيتماهى مع  من تسلط عليه , ليمارس بدوره هذه القدرة على من هم دونه في السلم الاجتماعي , وبدل ان ترتبط كرامته بالمكانة الاجتماعية والمهنية , تصبح مرهونة بالمراة وجسدها , وهذا تحويل للمشكلة من الواقع القهري الذي يتحتم إصلاحه , ينصرف الشعور بالعار عن الاستغلال والتسلط , وانتهاك كرامة الإنسان , ويترك ثأرا حقيقيا ليحقق انتصارات وهمية , لتمنح الفئات المقهورة نفسها اوسمة وألقاب تزين حياتها ,ويبقى التسلط والقهر واقعا مفروضا لا يجابهه , ولا يعترض عليه فعليا أحد . 

ميس نايف الكريدي

المصدر: كلنا شركاء

التعليقات

هل ننظر الى قواعد بيانات الجريمية الجنسية في أميريكا و نقارنها بجريمة الشرف في سوريا؟ ما تخفيه المؤسسة الغربية عندما تطرح برامجها في بلادنا هو مشاكل الحلول البديلة. الاقتصاد السوري لا يبدو بتاتاً متجهاً الى الموديل الاسكندنافي , بل الى موديل العصابة الاقتصادية, و هذا لا يقلق المؤسسة الاقتصادية الغربية مادامت تقدم السوق السوري على صينية من فضة, حرية المرأة و جرائم الشرف و حق العمل لا تتطرق الأوراق المرسلة من المفوضيات الغربية الى الاستغلال الجنسي في المؤسسة الغربية, و لا عن جرائم الجنس و لا عن الاكتئاب و لا عن فقدان السعادة و التحول الى خيول عمل ..... لكن ما دامت المفوضية تدفع مالا يكفي ليجلس الشباب في البار و يتلكنوا بشعارات تخص أسرة في ريف حلب, لا بأس مع فيزا و بطاقة سفر. هيا الى الفلاح هيا الى خير العمل !!!!

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...