الإسلام هل هو الحل؟

14-04-2007

الإسلام هل هو الحل؟

قضايا عدة يناقشها زكريا أوزون في كتابه «الإسلام: هل هو الحل؟» (دار الريس، 2007)، لكنه لا ينظر فيها بعمق كاف بقدر ما يتناولها باقتصاد أحياناً، وبرانيّة في أحيان أخرى، خصوصاً أنه يمس قضايا ومواضيع جوهرية بحاجة إلى درس عميق وهادئ، وما زالت تشغل حيّزاً كبيراً في النقاش الدائر اليوم في الفكر والثقافة على الساحة العربية حول الإسلام والحركات الإسلامية ونظام الحكم وسواها.

وتكمن أهمية الكتـاب من طرحـه الكثير من الأسئـلة التي تـثـير أجوبـة مخـتـلفـة، وفـهماً مختلفاً، لدى الكثيـر من المهتمين في قضايا البلدان العربية والإسلاميـة، ولدى فئـات واسعة من جموع العرب والمسلمين. ولا شـك في أن عنـاويـن مثل: «الإسلام والقضايا الفكرية»، و «الإسلام وحـريـة الاعتقاد والاختيار»، و «الإسلام وحرية التعبير والنقد»، و «الإسلام والعلم والعلماء»، و «الإسلام ونظام الحكم»، و «الإسلام والمواطنة والدولة»، و «الإسلام والمعارضة»، و «الإسلام والأمور الاجتماعية»، و «الإسلام والأمور الاقتصادية»، و «الإسلام والإعلام»، هي قضايا مهمة، بحاجة إلى طرح موضوعي، يتناولها بوضوح كي يستفيد القارئ والمهتم في هذا الشأن.

ويقدم الكتاب خلاصة تفيد بأن «آيات الذكر الحكيم أوحاها الله إلى رسوله الكريم في زمان ومكان محددين لإصلاح أمور الناس آنذاك فتفاعلت مع واقعهم ومستواهم المعرفي وفهمهم وبيئتهم وأساليب معيشتهم وقدمت لهم حلولاً تنسجم مع ذلك. وأما القول بأن الذكر الحكيم كتاب صالح لكل زمان ومكان فان ذلك يمثل رأياً إنسانياً لا تدعمه آيات القرآن الكريم ذاته أو حتى ما سمي بالأحاديث النبوية. إضافة إلى أنه يتعارض مع الدعوة والإصرار على فهم الكتاب بحسب فهم السلف الصالح له، وهو أمر يسيء إلى معطيات الكتاب ذاتها وإلى مكانته وهالته المقدسة، كما أن الذكر الحكيم ليس كتاب علوم أو قانون أو علم اجتماع بحسب زعم بعضهم... فإذا كان كذلك، فأين تلك العلوم والمعارف فيه؟»

ويطرح الكتاب أسئلة عدة، من قبيل: «هل يوجد في الإسلام الجواب الشافي لبعض الإشكالات الفكرية وما دور العقل فيه؟ وهل الإسلام قادر على إقامة الدولة المثالية وتطبيق مبدأ المساواة بين كل أبنائها وما هي معايير المواطنة في الدولة الإسلامية المنشودة؟ وهل يقبل الإسلام الطرف الآخر أو المعارض وما هي إمكانية التعايش معه؟ وهل الإسلام قادر على حل مشكلات المجتمعات الإسلامية المعاصرة وتجاوزها ليبلغ العالمية وهل يمثّل المجتمع الإسلامي القدوة والأسوة الحسنة لبقية المجتمعات الأخرى؟ وهل الإسلام هو دين ودنيا كما يدّعي البعض، وأخيراً، هل شعار «الإسلام هو الحل» قابل للتطبيق والتحقيق؟

وعليه، فإن الكتاب يثير الكثير من الجدل في شأن أطروحاته وآرائه، خصوصاً حين يرى أن: «لا الإسلام ولا المسيحية ولا اليهودية ولا أي دين آخر يقدم حلولاً تفي بحاجات مجتمعات العالم الحديث»، وأن الإسلام لا يقدم حلاً لبعض المشكلات المعاصرة.

الأهم هو أن الكتاب يثير مسألة محاورة الخطاب السياسي للحركات الإسلامية وكيفية تناول أطروحاته، إذ المهم في هذا الجانب كشف الأقنعة الإيديولوجية والسياسية التي يختبئ خلفها، عبر إماطة اللثام عن حقيقة التوجهات المقاصد التي يسعى إليها. ومن المهم الابتعاد عن الجدل الإيديولوجي معه، أي اللجوء إلى ذات السلاح الذي يستخدمه، وهو سلاح تأويل النصوص والمواقف الدينية، فالقضايا السياسية والاجتماعية من قبيل علاقة الإسلام بحرية الاعتقاد وحرية التعبير وبنظام الحكم والمواطنة وسواها لا تناقش إلا بصفتها قضية سياسية اجتماعية. وكل محاولة لإدخالها في حيّز القضايا الدينية هو تزييف لها، ووقف أية إمكانية لتناولها الحرّ والموضوعي.

إن قضية الحديث في قضايا السياسة والمجتمع من منظور النصوص الدينية والفكر الديني تظل مرهونة بتاريخية وآفاق تلك النصوص، وتنحصر في آليات النقاش مع أطروحات الخطاب الديني العميقة الجذور في تربة الثقافة العربية الإسلامية، الأمر الذي يفضي إلى حصر التناول والدرس في هامش ضيق، ويدخل في نطاق الحلال والحرام، وفي الأسئلة المكرورة والقديمة والمعروفة، والتي تمتلك بعض الأجوبة الجاهزة والمعروفة سلفاً لدى تيارات الإسلام السياسي.

وعندما نتناول المشاكل والقضايا السياسية والاجتماعية وفق منظور الدين أو الأخلاق تضيع جوانب عدة منها، وتغرق تفاصيلها في أفق التأويلات الإيديولوجية النفعية للنصوص الدينية. كما أن التناول وفق هذا المنظور يعتبر إخفاءً مسبقاً للبعدين السياسي والاجتماعي، مع أن التأويلات النفعية الإيديولوجية للنصوص الدينية لن تفضي إلى تغيير الوضع الإنساني في بلداننا العربية والإسلامية.

يسجل للمؤلف ملاحظته كثرة الشعارات السياسية التي اتخذت، في الآونة الأخيرة، من الإسلام غطاء ومظهراً، واستفادت عناصر وهيئات وأحزاب تلك الشعارات من الفساد الأخلاقي والإداري والمالي السائد في معظم أنظمة الحكم العربية والإسلامية القائمة من جهة، ومن براءة عامة المسلمين وشفافيتهم وتمسكهم بدينهم الحنيف من جهة أخرى. لكن، على رغم تأكيد تلك الأحزاب والهيئات على قوتها وقدرتها على بناء المستقبل الواعد والمأمول لتلك الأمة، فان المعطيات التاريخية والواقع الأليم على الأرض لا يشيران إلى ذلك أبداً.

ويخلص المؤلف إلى نتيجة مفادها: أن لا مكان للدين في سياسة البلاد والمواطنة؛ وأن الحل هو في العلمانية التي لا تعني الإلحاد، وهو كذلك في الديموقراطية التي تعني بالنسبة إليه أمرين أساسيين، هما: حرية الرأي والتعبير وتداول السلطة السياسية سلمياً.

عمر كوش

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...