التقارب التركي – الأرمني وانعكاساته على العلاقات مع أذربيجان

12-04-2009

التقارب التركي – الأرمني وانعكاساته على العلاقات مع أذربيجان

الجمل: تقول التقارير والمعلومات بأنه في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات التركية – الأرمنية المزيد من التحسن بما جعل أزمة خط أنقرة – يورفان على وشك الانفراج، فإن العلاقات التركية – الأذربيجانية بدأت تشهد تصعيداً باتجاه التوتر المتزايد على خط أنقرة – باكو: ما هي خلفيات هذه التطورات المتزامنة؟ وما هي دلالاتها؟ وما هو دور الأطراف الثالثة؟
* ماذا تقول المعلومات:
وصلت التفاهمات التركية – الأرمنية إلى مرحلة متقدمة وتشير التقارير إلى أن روسيا وإيران لعبتا دوراً كبيراً في دفع أرمينيا إلى الانفتاح إزاء التفاهم والتعامل مع أنقرة وتقول المعلومات والتسريبات أن ثمة احتمالاً قوياً لصدور إعلان تركي – أرمني مشترك يتم الإعلان فيه عن الآتي:
• إنهاء الخلافات السياسية الأرمنية – التركية.
• فتح الحدود التركية – الأرمنية أمام حركة الأفراد والسلع والخدمات.
على هذه الخلفية برزت ردود فعل قوية من جانب أذربيجان بما يعكس ليس الرفض الأذربيجاني لعودة العلاقات التركية – الأرمنية وحسب، وإنما التهديد باتخاذ باكو المزيد من الإجراءات التي سعت لردع تركيا من مغبة التمادي في علاقاتها مع أرمينيا وتقول المعلومات بأن أذربيجان قد لوحت بالتهديدات الآتية:
• وزير الخارجية الأذربيجاني إيلمار محمد إيروف صرح أن تحسن العلاقات التركية – الأرمنية سوف لن يجد ترحيباً من أذربيجان، إضافة أن فتح الحدود التركية – الأرمنية سوف يلحق الأضرار الجسيمة بالمصالح الأذربيجانية.
• رئيس الجمهورية الأذربيجاني إلهام علييف صرح أن إعادة تركيا لعلاقاتها مع أرمينيا سيدفع أذربيجان إلى قطع إمدادات النفط والغاز عن تركيا.
إضافة لذلك، تقول التقارير بأن التوترات بين تركيا وأذربيجان وصلت إلى مرحلة قيام الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالاعتذار عن تلبية دعوة الرئيس التركي عبد الله غول، عن حضور ملتقى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات المنعقد في اسطنبول وتجدر الإشارة إلى أن علييف أرسل ابنته إلى تركيا بدلاًَ عنه!!
* لماذا الخلافات التركية – الأذربيجانية:
خلال الحرب الباردة كانت أنقرة تقف إلى جانب واشنطن في صراعها ضد موسكو، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفصال جمهورياته ظهرت في القوقاز ثلاثة دول جديدة هي:
• أذربيجان: تجاور تركيا من الشمال الشرقي.
• أرمينيا: تجاور تركيا من الشرق.
• جورجيا: تجاور تركيا من الشمال.
عانت جورجيا من الخلافات الداخلية بسبب أزمة الأقليات الموجودة في مناطق أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وأجاريا، وذلك على النحو الذي أشعل حرباً أهلية ضارية داخل جورجيا انتهت باتفاق سلام تضمن منح الأقليات الثلاثة حكماً ذاتياً لأقاليمها ضمن السيادة الجورجية. أما بالنسبة لأذربيجان وأرمينيا فلم تعانيا من الصراعات الداخلية وإنما تعرضتا لخلاف إقليمي بسبب:
• وجود إقليم ناغورنو – كارباخ الذي تقطنه أغلبية أرمنية مسيحية ضمن أراضي أذربيجان.
• وجود إقليم تاختشيفان الذي تقطنه أغلبية أذربيجانية مسلمة سنية ضمن أرمينيا.
هذا، وتطالب أرمينيا بحق السيادة على إقليم ناغورنو – كرباخ، وتطالب أذربيجان بحق السيادة على إقليم تاختشيفان، وعلى خلفية التوتر اندلعت الحرب الأرمنية – الأذربيجانية، وقد اختارت الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب أذربيجان في مواجهة أرمينيا التي وجدت مساندة روسيا ولاحقاً قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمساعدة أرمينيا المسيحية في حربها ضد أذربيجان المسلمة وعلى ما يبدو فقد كان الموقف الإيراني بسبب إصرار أذربيجان على بناء الروابط مع أمريكا وإسرائيل.
وقفت تركيا في البداية إلى جانب أذربيجان وأدى ذلك إلى توتير العلاقات التركية – الأرمنية إضافة إلى إضعاف العلاقات الأرمنية – الأمريكية والعلاقات الأرمنية – الإسرائيلية، وأسفرت الحرب الأرمنية – الأذربيجانية عن النتائج الآتية:
• احتلال أرمينيا لكامل إقليم ناغورنو – كرباخ إضافة إلى 24% من أراضي أذربيجان.
• قيام أرمينيا بعمليات تطهير عرقي واسعة النطاق أدت إلى إخراج جميع السكان الأذربيجانيين من إقليم تاختشيفان وتحولهم إلى لاجئين داخل الأراضي الأذربيجانية.
• قيام صيغة توازن قوى جديدة في المنطقة ترتب عليها وجود تحالفين الأول يضم تركيا – أذربيجان – جورجيا، والثاني يضم روسيا – أرمينيا – إيران.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن محور واشنطن – تل أبيب سعى إلى تحويل الصراع الأرمني – الأذربيجاني إلى صراع جامد بما يتيح له تعظيم الفرص والمنافع بأكبر ما يمكن وتأسيساً على ذلك دفعت واشنطن باتجاه ما يلي:
• تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية مع أذربيجان.
• استخدام القرارات الدولية لردع أرمينيا من مواصلة الحرب ضد أذربيجان.
• ربط شبكة المصالح الأذربيجانية – التركية – الجورجية ضمن شبكة المصالح الأمريكية في القوقاز، وكان من أبرز نتائج ذلك بناء خط أنابيب نفط باكو (أذربيجان) – تبليسي (جورجيا) – جيهان (تركيا).
وعلى هذه الخلفية فقد سبق أن التزمت تركيا بالوقوف إلى جانب أذربيجان وتشديد الضغوط على أرمينيا بحيث يكون تطبيع العلاقات التركية – الأرمنية مرتبطاً حصراً بانسحاب قواتها من أذربيجان. والآن يقول الأذربيجانيون أن إعادة تركيا لعلاقاتها مع أرمينيا قبل انسحاب القوات الأرمنية من الأراضي الأذربيجانية هو أمر يهدد المصالح الأذربيجانية وبالتالي فهو أمر يستوجب أن ترد أذربيجان على تركيا، وأفضل أسلوب للرد هو تهديد المصالح التركية في أذربيجان وهي مصالح إمدادات النفط والغاز؟
* ما هي تداعيات الموقف الأذربيجاني؟
تزامن الموقف الأذربيجاني ضد تركيا مع جملة من التطورات وكان من أبرزها:
• توقيع أذربيجان لاتفاقية نفطية مع روسيا تتعلق بمسارات تمديد خط "نيكو" لنقل النفط والغاز من مناطق آسيا الوسطى وبحر قزوين إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
• دخول كازاخستان على خط الوساطة من أجل حل أزمة الملف النووي الإيراني.
• موافقة تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان وروسيا على تمرير إمدادات قوات الناتو والقوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان.
التحركات الأذربيجانية إزاء روسيا والتحركات التركية إزاء أرمينيا سيترتب عليها واحدة من عمليات خلط الأوراق التي ستلعب دوراً رئيسياً في مصير مستقبل ما أطلق عليه تسمية اللعبة الكبرى الأوراسية.
وبكلمات أخرى فقد كان من المتوقع:
• أن يستمر التحالف الأذربيجاني الجورجي التركي المدعوم أمريكياً لجهة السيطرة على خطوط أنابيب وموانئ النفط والغاز القادمة من آسيا الوسطى ومناطق بحر قزوين.
• أن يستمر التحالف الأرمني – الروسي المدعوم من دول آسيا الوسطى وتحديداً كازاخستان وكيرغيزستان وطاجيكستان إضافة إلى إيران بما يؤدي نهائياً إلى حسم مواقف تركمانستان وأوزبكستان من أجل نقل إمدادات نفط آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر روسيا ثم عبر بيلاروسيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه وضع أذربيجان أمام أحد خيارين إما الانضمام إلى روسيا وحلفائها أو السير مع ركب حلفاء واشنطن الذي يضم جورجيا وتركيا وفي النهاية عدم الحصول على النفط والغاز الذي توجد معظم مصادره في آسيا الوسطى.
تشير التوقعات إلى أن تحرك أذربيجان باتجاه روسيا وتوقيع الاتفاقية الأذربيجانية – الروسية سيترتب عليه إضعاف موقف تركيا التي إن كسبت أرمينيا إلى جانبها فإنها ستضمن أن يتخلى الأرمن عن تصعيد ملف المذبحة الأرمنية وإن كان من غير المؤكد أن يقدم الأرمن على هذا التنازل ولكن خسارة تركيا ستكون من الناحية الأخرى رهينة شرط أن يحدث الآتي:
• أن تتخلى أذربيجان عن التحالف مع واشنطن.
• أن تتخلى روسيا عن علاقاتها الوليدة مع تركيا.
• أن تتخلى روسيا عن علاقاتها مع إيران.
إضافة لذلك، وحتى إن تخلت روسيا عن كل هذه الارتباطات فهل ستتخلى واشنطن عن أوزبكستان تركمانستان وكازاخستان وأذربيجان لصالح روسيا؟
حتى الآن من الصعب تقديم إجابة واضحة، ولكن على ما يبدو فإن النقلات الجديدة في رقعة الشطرنج الأوراسية أحدثت قدراً كبيراً من الارتباك والترقب المشوب بالحذر وكثرة الاحتمالات المتعاكسة ومن الواضح أن النقلة القادمة في رقعة الشطرنج الأوراسية ستحسم مسار التكهنات والنقاط الجديدة فمن سيقوم بهذه النقلة؟ أهي روسيا أم أذربيجان نفسها، التي كما تقول المعلومات ليست سوى رقعة شطرنج في يد محور واشنطن – تل أبيب.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...