السامريون على جبل البركة في نابلس منذ 3آلاف سنة

08-02-2007

السامريون على جبل البركة في نابلس منذ 3آلاف سنة

على قمة جبل "جرزيم"، أحد الجبلين اللذين تقع بينهما مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، تعيش أقدم طائفة دينية في العالم هي طائفة السامريين المستمر وجودها في المكان نفسه منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة. انها ليست "أقدم" طائفة فحسب، بل الأصغر، إذ يبلغ عدد افرادها 700 نسمة فقط، أكثر من نصفهم في نابلس، والباقون في مدينة "حولون" القريبة من تل أبيب، بعدما انتقل بعضهم إليها بحثاً عن الرزق واستقروا فيها.
يقول السامريون عن أنفسهم، وكذلك يرجح معظم الباحثين، انهم "السلالة الباقية الأكيدة من "بني إسرائيل"، ولكنهم في الوقت عينه لا يعتبرون أنفسهم يهودا، حتى انهم يغضبون ممن يصنفهم كذلك، ويعزون ذلك الى قلة معرفته بهم. وفي الحقيقة هم في خلاف جذري مع اليهود".
واستطلع موفد لوكالة "أنباء الشرق الأوسط" حقيقة هذه الطائفة الغريبة وأحوالها التي تستهوي الباحثين والمراسلين الصحافيين والسائحين، ذلك ان المنطقة الجبلية التي تقيم فيها الطائفة السامرية لا يُسمح للفلسطينيين بدخولها وان كانوا صحافيين، لانها مصنفة منطقة "سي" خاضعة للسيطرة الاسرائيلية بحسب اتفاق أوسلو، وهي ليست كأي منطقة أخرى سواء في الاراضي الفلسطينية أو اسرائيل، لأن منطقة "السومرة" التي تضم السامريين مغلقة عليهم وتفصلها عن بقية مدينة نابلس في سفح الجبل حواجز عسكرية. ولا بد للسامريين من العودة الى مساكنهم قبل الخامسة مساء، حيث تغلق المنطقة تماما ولا يسمح لأحد بالدخول اليها أو الخروج منها. وقد اصطحب موفد الوكالة بعض السامريين في زيارته الى مقر الطائفة.

ويرفض السيد "بدر"، وهو أحد كبار السن في الطائفة، مقولة إن نابلس مشهورة باسم "جبل النار"، مؤكدا أنها تقع منذ القدم بين جبلين أحدهما عرف بجبل البركة وهو جبل "جرزيم" الذي تسكنه الطائفة، والآخر جبل "عيبال" وقد عرف باسم جبل اللعنة ولا يسكنه أحد.
الملاحظة الأولى عن السامريين هي أنهم فلسطينيون، واختلاف ديانتهم عن الديانات الرئيسية الثلاث (الاسلام والمسيحية واليهودية) لا ينتقص من انتمائهم الذي يعتزون به إلى فلسطين كأرض ووطن. لكنهم بالتأكيد يتميزون بمزايا خاصة بهم، فهم مع كونهم يتحدثون العربية باللهجة الفلسطينية، مثلهم مثل اي فلسطيني آخر، إلا أنهم يتقنون العبرية أيضا، سواء القديمة المتعلقة بأصول دينهم وتاريخهم أو الحديثة المستعملة في إسرائيل. وهم يرسلون أبناءهم الى المدارس والجامعات الفلسطينية مثل سائر الفلسطينيين، ولديهم ايضاً مدارسهم الخاصة المسائية التي أحيانا تكون في بيوتهم، حيث يعلمون أطفالهم تدريجاً حتى بلوغهم الرابعة أو الخامسة كل ما يتعلق باللغة العبرية والدين السامري والطقوس والتاريخ والشعائر. وقد منحتهم اسرائيل في العقود الأخيرة الجنسية الاسرائيلية، فصاروا يتمتعون بكل حقوق المواطن الاسرائيلي، ويدلون بأصواتهم في الانتخابات وأهمها انتخابات الكنيست. وفي الوقت عينه، ومع ظهور السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو، منحوا الهوية الفلسطينية وصاروا أيضا يشاركون في الانتخابات الفلسطينية !
ويعتز السامريون كثيراً بالخطوة التاريخية التي أقدم عليها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما خصص لهم مقعدا في المجلس التشريعي شغله الكاهن سلوم السامري الذي كان يشارك في جلسات المجلس بزيّه الديني المعروف والذي يتكون اساساً من غطاء رأس أحمر اللون يشبه الطربوش ورداء أبيض طويل. لكن سلوم هذا كان أول وآخر من شغل هذا المقعد، بعد تغيير القانون.
وأعرب حسني واصف، الكاهن الحالي لطائفة السامرية، عن أسفه لإلغاء المقعد. وطالب بإعادة النظر في هذا الأمر، مشيراً إلى صورة كبيرة له وهو يصافح أبو عمار: "إننا كسامريين نشكل حلقة وصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وواجب الفلسطينيين أن يستغلوا وجودنا معهم لتسهيل الاتصال بين الجانبين ودفع السلام قدماً". وأضاف: ليت الجميع، فلسطينيين وإسرائيليين، يتعلمون من تاريخنا درساً مهما، وهو كيف قضت علينا الحروب وأصبحنا بضع مئات، بعدما كنا مئات الآلاف، فليس في الحروب منتصر ولا مهزوم".
ولم يذكر الكاهن السامري، وهو يرجع تناقص أعداد طائفته عبر الزمن إلى الحروب فقط، سببا آخر مهما تشير إليه المصادر العلمية هو ان أعدادا كثيرة منهم اعتنقوا الإسلام.

ما سر بقاء هذه الطائفة الصغيرة، وكيف يتجنب أفرادها المشاكل الصحية التي تنجم عن الزواج بعضهم من بعض فقط؟
يجيب واصف ان الطائفة لا تعاني هذه المشاكل، ونسبة الإعاقة أو التشوهات في المواليد أقل من مثيلاتها بين السكان الآخرين. وقد تعرضوا لأخطار أشد عندما وصل عددهم عام 1850 إلى أقل من 70 نسمة فقط! وواجهوا آنذاك خطر الانقراض تماماً. وذكرت مصادر أخرى في الطائفة أنهم اضطروا في الآونة الأخيرة الى السماح للشبان بالزواج من يهوديات، لقلة عدد الإناث في الطائفة. أما النساء فلا يسمح لهن بالزواج إلا من سامري فحسب.
ولعل أهم ما يلفت في هذه الطائفة، غير تحدثها بالعربية ووجودها طوال قرون في سلام على أرض فلسطين، (في ما عدا فترات قليلة)، انها تطلق على اولادها أسماء عربية بلا أي حرج، خلافا لليهود، سواء في اسرائيل أو في أي بلد آخر. ففي جبل "جرزيم" تجد أسماء عربية شائعة مثل حسني وعبد المعين. ومن بين أولاد الكاهن ابنة اسمها "بدوية" تعمل صحافية، وشاب اسمه "إيهاب" يعمل موظفا في السلطة الوطنية الفلسطينية.
وعُرف السامريون بهذا الاسم على الأرجح لانتسابهم قديما إلى قبيلة كانت تحمل اسم "شامر". ومن الآراء الأخرى ان اسمهم مشتق من كلمة "شامريم" التي تعني المحافظين على الدين. وهم ينتسبون إلى يعقوب (الذي تحول اسمه الى اسرائيل) من خلال اثنين من الأسباط الاثني عشر، سبط لاوي وسبط يوسف، ومن طريق ابنين ليوسف، هما "إفرايم" و"منشا".
وبحسب التعاليم الدينية المتوارثة لـ"بني اسرائيل"، فإن الذين ينتسبون الى سبط "لاوي" هم وحدهم المؤهلون ليكونوا "كهنة" للطائفة، يتولون الشؤون الدينية والطقوس المختلفة ويقودون الاحتفالات بالاعياد ويشرفون على مراسم الزواج وطقوس الولادة والدفن وغيرها.
ولتوضيح أنهم ليسوا يهودا يقولون: "إن اليهود جاءوا من سبط "يهوذا" وكان لهم تاريخهم الخاص بعد ذلك، الذي استمر بعد النبي موسى مع عدد من أنبياء بني إسرائيل، مثل داود وسليمان. أما السامريون فقد انفصلوا باكراً عن هذا المسار، وانهم باقون وحدهم على الديانة الأصلية النقية للنبي موسى قبل أن تحرفها الأجيال الأخرى التي جاءت في عصور تالية وتشوّهها".
ويقول الكاهن السامري إن التوراة التي يحتفظون بها من أقدم العصور تتضمن سبعة آلاف اختلاف عن توراة اليهود الآخرين، وإن النسخة الأصلية محفوظة في الكنيس الخاص بالطائفة (المعبد السامري) ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها حفاظا عليها، ولا تعرض على الزوار. تخرج من الكنيس مرة واحدة فقط كل سنة، يحملها رئيس الكهنة في الاحتفال بعيد "الفسح" (ولا يسمونه الفصح) ليراها أتباع الطائفة.
وخلاصة عقيدة السامريين هي الإيمان بوحدانية الله ونبوة النبي موسى، وأن التوراة هي الأسفار الخمسة الأولى فقط، ثم الإيمان بأن جبل جرزيم هو أقدس مكان لديهم، ويؤمنون بيوم القيامة. وقال الكاهن واصف إنهم "مثل المسلمين يغتسلون ويتوضأون ويركعون ويسجدون ويتجهون الى القبلة".
ويرتدي السامريون لباساً ابيض في الصلاة للدلالة على المساواة بين الغني والفقير امام الله وعلى صفاء القلب.

 

المصدر: أش أ

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...