السمسرة ملح الاقتصاد القليل منه مفيد والكثير ضار

12-07-2011

السمسرة ملح الاقتصاد القليل منه مفيد والكثير ضار

بعضهم يسميها «وساطة» وآخرون يسمونها «كومسيون» أو «سمسرة» لكن نتيجة ما سبق واحدة فقد تكون مفيدة لبعض المشاريع في حال كونها بنسبة قليلة لا تتجاوز الـ 5% وقد تصبح مشكلة ونهباً للاقتصاد في حال تعدت تلك النسب إلى نسب قد تصل إلى 100 أو 200% من تكلفة المشروع!..
وليس خفياً على أحد أن السمسرة أوالكومسيون موجود في كل اقتصادات العالم حتى أنها تشكل مهنة بحد ذاتها.. لكنها في اقتصادنا شكلت مشكلة كونها تحولت إلى نهب وفساد بدلاً من كونها طريقة لتسريع المشاريع والنهوض بالاقتصاد.. ‏

الدكتور مطانيوس حبيب رأى أن السمسرة نشاط اقتصادي ذو قيمة مضافة كبيرة لأن مشكلة التسويق في زمن العولمة هي المشكلة الأكبر التي تواجه كبريات الشركات وبالتالي لا يجوز النظر إلى السمسرة بأنها عمل شائن أو كسب غير مشروع في هذه الحالة.. لكن من جهة أخرى فإن التشريع السوري كان قد منع أي دور للسمسرة لكن من المؤسف أن أقول إن الهدف من هذا التشريع كان تمكين السمسرة والوسطاء من التهرب من ضريبة الدخل .. وبالتالي تقاسم العمولات مع المسؤولين أصحاب الأقلام الخضراء..وبعد أن اكتشف المشرّع السوري هذه الحقيقة عدل التشريع القديم وألزم كل شركة أجنبية أن يكون لها وكيل أو ممثل في سورية وأن يتم التصريح في العقود التي تبرمها مع السوق السورية عن نسبة العمولة التي يتقاضاها الوكيل وتحسم من قيمة العقد وتسدد للوكيل بالمعادل الرسمي لها بالعملة السورية. ‏

الدكتور سهيل الحمدان مدير بيت الخبرة أوضح أن العمولات نوعان أولها مقونن وثانيها غير مقونن أو مشرع.. فقد تكون هذه العمولة بنسب صغيرة جداً وبالتالي تصبح أمراً عملياً وفي هذه الحالة تكون نسبتها من 1 وحتى 5% وأضرب مثالاً المؤسسات التي تشبك بين جهات الإنتاج والتسويق وهي تتقاضى عمولة مقابل الخدمات التي تقدمها.. وهناك أيضاً الوكيل التجاري الذي يشكل حلقة الوصل بين الشركة الأم وتنظيم أمور الشركة في التوصيل بينها وبين السوق.. أما في المشاريع الحكومية فهذا الأمر ليس مقبولاً لأن من يقوم بأخذ العمولة سواء كان مديراً عاماً أم مسؤولاً هو موظف في الدولة ويتقاضى راتباً مقابل تعبه وإذا لم يعجبه الراتب فإنه يمكن أن يترك الوظيفة ويصبح وكيلاً لشركة ويمارس السمسرة التي يريد..وأشار الحمدان إلى أن المشكلة تكمن في التعاملات الخارجية حيث يحصل غش واساءة للمال العام فالشركة الخارجية تزيد فاتورتها لإعطاء الموظف عمولة مما يؤدي إلى زيادة التكلفة وهي تصل في بعض الدول العالمية إلى 25% كزيادة بتكاليف المشاريع وهذه النسبة لا تعتبر كبيرة بالنسبة لاقتصادات متطورة لكن بالنسبة للاقتصادات النامية تشكل مشكلة كبيرة لأننا نحتاج هذه الأموال في مشاريع أخرى فليس لدينا موارد كبيرة كافية.. وكشف الحمدان أنه من خلال تعامله مع دراسات جدوى اقتصادية لبعض المشاريع الحكومية وجد أن هناك فساداً تصل نسبته إلى 200%.. وأشار إلى وجود اتفاقية دولية تمنع (الكومسيون) من أجل الحفاظ على المنافسة كي لا تذهب كل العقود باتجاه الشركات التي تمنح عمولات وهناك بعض الدول التي لديها تشريعات تمنع هذه التصرفات وتعاقب عليها لأنها تتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على العقود.. ‏

وعندما سألنا الدكتور حمدان عن الحلول المقترحة للعمولات التي تصل حد الفساد أجابنا أن الحل يكمن في الشفافية والمحاسبة وإصدار قانون جديد للإعلام يساهم في نشر هذه القضايا مضيفاً أن المشكلة ليست في قانون العقود فقط وإنما في العقود بالتراضي التي يوقع عليها المدير والوزير فقط ولا بد من وضع حد لها .. وقدر حمدان أن ما يستثمر فعلياً من الشق الاستثماري للإنفاق لا يتجاوز 30% والباقي يذهب للعمولات التي تصل حد الفساد والتي يستفيد منها أشخاص محددون.. وإذا اخترنا أصحاب الكفاءة والنزاهة فإنهم سيكونون حريصين على نزاهة الموظفين المسؤولين عنهم.. ‏

الدكتور هشام خياط خبير السياسات في مركز الأعمال والمؤسسات السوري أكد أن السمسرة والعمولات في سورية وخاصة في القطاع العام سلوك يستفيد من نقاط الضعف في قانون العقود, وهذا يعني أن الحل يجب أن يكون على اتجاهين تشريعي وسلوكي .. أما المكون التشريعي فينبغي من خلاله مراجعة قانون العقود وهناك حاجة ملحة لذلك حالياً وخصوصا في إطار برنامج اصلاح الإدارة العامة الذي تتبناه الحكومة ويجب أن يحقق القانون الجديد شروط الشفافية والعدالة والكفاءة. ‏

أما مايتعلق بالجانب السلوكي فيجب أن يتم تغييره عن طريق بناء القدرات والمهارات, والتأثير في منظومة القيم والمعتقدات وخصوصا ما يتعلق منها بأخلاقيات العمل والمساواة. ‏

الدكتور أكرم الحوراني الأستاذ في كلية الاقتصاد والتجارة رأى أن موضوع السمسرة والعقود يجعلنا نتساءل هل تكون العربة أمام أم خلف الحصان ؟..وأضاف الحوراني إن الأنظمة والقوانين الناظمة والنافذة للعقود والمناقصات الحكومية تعتبر مضبوطة ومركزية بدرجة شديدة لحد أنها قد تعرقل التنفيذ لمجرد أخطاء بسيطة في الاجراءات أو المواصفات التي لا تؤثر على سلامة التنفيذ.. لكن المشكلة هي أن قوى وجهابذة الفساد قد وجدوا المخارج المناسبة للنفاذ من بين ثغرات الأنظمة والتي هي بجوهرها تفسيرية وليست نصية, وهذا يعني أن اللجان التي تشكل لهذه القضايا تمر بالمراحل التالية: لجنة لوضع المواصفات, ولجنة لوضع الشروط المالية ولجنة لوضع الشروط القانونية, ولجنة لاستلام وفض العروض (التي قد تستعين بخبراء من داخل أو خارج المؤسسة حسب الضرورة ).. بالإضافة إلى مجلس الإدارة للإقرار (مع صلاحية واسعة للمدير العام أو رئيسه في التأثير على الموقف ) ولجنة متابعة التنفيذ والموافقة على صرف الكشوف الجزئية أو الكلية حسب الحال ..ولذلك فإن الفساد قد يطول أية مرحلة بدءاً من مرحلة ووسيلة ومدة الإعلان وانتهاء بمرحلة الإقرار أو متابعة التنفيذ أو الاستلام. ‏

وألمح الحوراني إلى أن الخلل يكمن في الجوانب التالية: ضعف الخبرة الفنية عند وضع المواصفة نتيجة ضعف التواصل مع المستجدات التكنولوجية والتطورات العلمية والعملية وأيضاً عدم توافر المنافسة الكاملة مما يخفف من إمكانية الحصول على أسعار عادلة بالإضافة إلى سوء التنفيذ الناجم عن عدم دقة المواصفات أو الناجم عن الرغبة في اختصار النفقات.. ‏

وهناك موضوع التأمينات النهائية وهي في الغالب 10% والتي قد تكون غير كافية لجهة الزمن أو لجهة القيمة لضمان سلامة التنفيذ وديمومته حسب الأهداف.. ‏

وحول المطلوب للخروج من هذه الحالة, وجد الحوراني أنه من الضروري تكليف أشخاص مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة لتنفيذ تلك الأعمال, مع فرض رقابة شعبية من قبل جهات الإدارة المحلية على التنفيذ, واستبعاد المشبوهين كليا لأن إثبات الخلل قد يكون صعبا وخاصة إذا ما غطي بقرارات المجالس التي تضيع المسؤولية.. ‏

السيد أبو الهدى اللحام عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق أكد أن إلغاء السمسرة حالياً أمر غير محمود عقباه لأنها قد تضيف عقبة في وجه تنفيذ المشاريع ..وأوضح اللحام وجهة نظره بالقول إنه لا يعني بذلك الاعتراف بالكومسيون أو جعله قانونياً وإنما يمكن التخفيف من السمسرة ونسبها وليس إلغاءها لأن ذلك قد يخلق عقبات ومشاكل في وجه المشاريع. وركز اللحام على مسألة أن بعض الشركات الناجحة تلجأ للعمولات من أجل كسب عامل الزمن لا أكثر من ذلك ومكافحة هذا النوع من السمسرة قد يؤثر على تنفيذ المشاريع.. ورأى اللحام أنه لا ضير من عمولات بسيطة في حال تم التنفيذ بشكل جيد وفي وقت قياسي ومواصفات قياسية واقتصادية عالية.. لا أن تكون السمسرة مدفوعة من قبل شركات سيئة أو وهمية لا تقوم بالتنفيذ بشكل جيد.. وأضاف اللحام إن بعض الشركات الكبيرة والجيدة لا تدفع «كومسيون» كون بعض أصحاب المشاريع يفضلونها على غيرها لأنها تنفذ بسرعة قياسية وبشكل مميز وهي بالتالي لا تتهافت على المشاريع وتدفع عمولات من أجل الحصول عليها.. ‏

ورأى اللحام أنه لا يمكن إلغاء فساد أو عمولات كبيرة مضى عليها تاريخ طويل في يوم واحد.. وهناك بعض المشاريع الكبيرة التي قد تكلف الكثير لكنها ناجحة وهذا النجاح يؤكد رخصها نسبياً.. فما الفائدة من مشاريع رخيصة وسيئة التنفيذ؟ ‏

وألمح إلى ضرورة إعادة النظر بنظام المناقصات والتي يفصلها البعض على قياسه وهواه, وجعل المشاريع الناجحة والرابحة قادرة على استدراج ما تريد من قطع تبديلية ومواد اقتصادية للمشروع.. ‏

روى لي أحدهم أنه تقدم لمناقصة بناء وتبين أن عرضه يقل أربعة ملايين ليرة سورية عن العرض الذي فاز ومواصفات عرضه أفضل لكن من ربح كان يتمتع بالحظ وبأمور أخرى.. ونحن نقول: إنه ليس سهلاً بالطبع إلغاء العمولات التي قد تكون ضخمة في بعض الأحيان ولا يمكن وصفها إلا بالنهب للمال العام لكن من الممكن جداً السعي لتحسين تشريعات العقود ومراقبة عقود التراضي التي لا ترضي أحداً.. ‏

رنا حج إبراهيم

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...