السودان: عودة النرجيلة

04-05-2013

السودان: عودة النرجيلة

انتهى أخيراً الملل الذي كان يشعر به مساء كل يوم رجل الأعمال السوداني محمد علي، وذلك اثر افتتاح مقهاه المفضل الذي يقدم النرجيلة في العاصمة الخرطوم مجدداً بعد توقف دام عامين.
وقال علي، وهو يجلس على مائدة في مقهى مزدحم يقدم النرجيلة في الطابق العلوي من أحد الفنادق: «آتي هنا كل يوم. أحب وجودي هنا وأدخن النرجيلة مع أصدقائي».
وقبل عامين ألغت بلدية الخرطوم التراخيص الممنوحة للمقاهي التي تقدم النرجيلة، بعدما قال رجال دين متشددون إن تدخينها مضر بالصحة، إلى جانب ان تلك المقاهي تتيح فرصة الاختلاط بين الشبان والشابات.
لكن السلطات المحلية سمحت بعودة تدخين النرجيلة مرة أخرى في «المطاعم والفنادق السياحية»، ويبدو انها تغض الطرف عنها في مناطق أخرى.
كما بدأ عدد محدود من المطاعم الكبرى بإقامة حفلات موسيقية كانت توقفت مع حظر النرجيلة لأن بعض الإسلاميين يعتبرونها «حراماً».
وعودة المقاهي هي أنباء طيبة للسودانيين الشبان الذين يشكون من افتقار العاصمة السودانية إلى وسائل التسلية ليلاً.
وفي حين تضج ضفاف النيل في العاصمة المصرية القاهرة بالمطاعم، فلا توجد أي مقاه تقريباً على ضفاف النيل في الخرطوم.
وتصبح الشوارع في العاصمة السودانية خالية ابتداء من الساعة الحادية عشرة ليلاً، عندما تغلق المطاعم والمراكز التجارية أبوابها.
وقال محمد اسماعيل، وهو مدخن آخر للنرجيلة في المقهى المزدحم في الفندق: «عندما لا أدخن النرجيلة، أشعر بالضيق».
ويتمنى أصحاب الفنادق أن تساعد النرجيلة على تحسين الأوضاع في ظل تدني نسبة الإشغال منذ انفصال جنوب السودان في العام 2011، فقد أدى فقدان الخرطوم لإيرادات النفط التي كانت تحصل عليها من نفط الجنوب إلى استنزاف خزانة الدولة والتأثير في الإنفاق على البنية الأساسية، ما نفر مستثمرين من الصين ودول آسيوية أخرى كانت لها استثمارات كبيرة في السودان. كما ان معظم الشركات الغربية تتحاشى السودان نظراً إلى العقوبات التي تفرضها عليه الولايات المتحدة بسبب مسائل متعلقة بحقوق الإنسان.
وقال ماجد عثمان، وهو محام يملك الفندق الذي يقدم النرجيلة، إن «الطلب على الغرف ضعيف جداً... أفكر في إغلاق أحد الطوابق».
وأضاف عثمان، الذي عليه ان يدفع رسوما سنوية قدرها خمسة آلاف جنيه سوداني لترخيص النرجيلة: «لدينا نحو 70 شخصا يأتون كل يوم وينفقون 20 جنيهاً على الأقل (3.20 دولارات)». واستطرد: «هناك أماكن أخرى تقدم 500 نرجيلة كل ليلة».
وينفق محمد علي 200 دولار شهرياً في هذا المكان على النرجيلة وحدها. وشأنه شأن الزبائن المنتظمين فقد خصصت له نرجيلة كتب عليها اسمه.
لكن تخفيف القيود المفروضة على تدخين النرجيلة لا يعني ان الخرطوم لم تعد مدينة شديدة المحافظة، فاحتساء الخمور محظور، ويتعرض من يضبط وهو يصنع الجعة في منزله للجلد.
ولن يتصور العدد القليل من السياح الذين يصلون إلى الخرطوم في الوقت الحالي أن هذه المدينة كانت مفعمة بالحياة ليلا تماما مثل دبي أو بيروت اليوم.
وفي الستينيات والسبعينيات كان الشارع الذي يقع فيه الفندق المذكور أعلاه يمتلئ بالحانات والملاهي الليلية والمتاجر التي تبيع أحدث صيحات الأزياء الإيطالية والأطعمة الفاخرة، ومن بينها الجبن الفرنسي.
وقال عمر الفضلي، وهو يشير إلى كشك صغير على الجهة المقابلة لمطعمه: «في هذا المكان كان يوجد متجر للمثلجات كانت بمستوى تلك الموجودة في اوروبا». ثم أشار إلى قطعة أرض خالية كان بها ملهى أقامه المستعمرون البريطانيون الذين تركوا البلاد في العام 1956.
وقال الفضلي (56 عاماً) الذي سافر من السودان في العام 1974 للدراسة في كمبردج وعاد في العام 2005 بعد إبرام معاهدة السلام مع الجنوب: «كانت الحياة مختلفة تماماً... كانت مذهلة». وأضاف، وهو يجلس في مطعمه شبه الخالي: «كان النشاط التجاري مزدهراً. كانت هناك جالية كبيرة من الأجانب من يونان وإيطاليين وأرمن ومصريين كانوا أساساً يديرون أعمالا تجارية. حتى العادات الاجتماعية كانت مختلفة».
وتابع: «كنا نقيم حفلات ترفيهية وحفلات زفاف كانت تبدأ في منتصف الليل وتستمر حتى الرابعة صباحاً».
تغيرت الأوضاع عندما قرر الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري تطبيق الشريعة في عام 1983 وأغلق كل الحانات وحظر احتساء الخمور. وقال الفضلي ضاحكاً، مشيراً إلى الخمور: «لقد أخذوها في شاحنات وألقوا بها في النيل».
واختفى ما تبقى من هذه الحياة الليلية مع الثورة الإسلامية للرئيس عمر حسن البشير في العام 1989، التي جعلت السودان في التسعينيات ملاذاً لمتشددين إسلاميين مثل أسامة بن لادن.
وبدأت شرطة «الآداب» تضايق مرتادي المطاعم الذين يهرعون لمنازلهم مبكراً قبل حظر التجول.
ثم هدأت الأجواء في مطلع القرن الحادي والعشرين، عندما حاولت الحكومة الانفتاح أكثر على الغرب، لكنها اشتدت مرة أخرى مع اقتراب موعد انفصال الجنوب.


(رويترز)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...