ببساطة غابت هنادي وليهنأ مبرمجو (صباح الخير)

02-06-2007

ببساطة غابت هنادي وليهنأ مبرمجو (صباح الخير)

لا أعرف ماذا اسمي مفارقة أن يكتب الزميل قاسم خليل عن صباح الفضائية السورية, منتقداً الرتابة التي أصابته, مستدركاً في الوقت ذاته وجود عدد من الفقرات المميزة فيه,وأن يغيب الموت بعد أيام قليلة معدة هذه الفقرات المميزة في (صباح الخير) الزميلة هنادي الحيدر...وكأنه علينا أن ننعي هنادي وننعي صباح الفضائية معها.‏‏
هكذا ببساطة غابت هنادي, غازلها المرض بعيداً عن أعيننا, أخذها وأهداها للموت في غفلة من حياتنا المعجونة (بجري الوحوش)...رحلت هنادي ولم ينصفها أحد في المكان التي أحبت وأخلصت, وفي غيابها كان مسمار آخر في نعش مشهدنا التلفزيوني المحتضر.‏‏
ربما كان يفترض بي أن أذكر محاسن هنادي, وأن استعيد ذكرياتنا الطيبة, في المساحة الضيقة التي أتاحتها الحياة لنا معاً, ربما كان علي أن اركض إلى الزميلتين رزان توماني وحنان مسعود, لنجلس ثلاثتنا, ألملم من حديثهما تفاصيل هنادي صاحبة الابتسامة الدافئة والدائمة, لنزيح بها غصة الموت..لكنني لن أفعل أكثر من أن أصب جام غضبي على كل من لم يف هنادي حقها في التلفزيون.‏‏
سأتذكر أن هنادي في الأيام الأخيرة فقدت حماستها للعمل فيه, وبمعنى أدق سلبت هذه الحماسة, كان ثمة شخص ما يريد إعادة هيكلة معدي برنامج صباح الخير فأعاد ترتيب قائمته وفق معاييره الخاصة: المصالح الشخصية, الولاء, تصفية الحسابات مع البعض ,أو تصفيته مع البعض على حساب البعض..وبنتيجة هذه المعايير, كان استبعاد هنادي الحيدر عن فريق إعداد (صباح الخير) طبيعياً..‏‏
ولأن هنادي كانت نكهة صباح الخير, كان من الطبيعي أيضاً أن يشكل استبعادها مفارقة تطوير البرنامج وتنشيط دورته الدموية البرامجية, ولاسيما أن الجميع يعرف أن ما من فقرة مميزة في هذا البرنامج إلا وكانت وراءها هنادي, وأن أكثر أيام (صباح الخير) مهنية ومتعة كانت تلك الأيام التي تعدها هنادي, وأن ما تفتقت به ذهنية كثير من معدي ومعدات التلفزيون, كان جزءاً منه نقلاً أو اغتصاباً من أفكار هنادي..الأمر برمته يجعل من قرار استبعاد هنادي عن صباح الخير خطيئة لا تُغتفر حتى بالعودة عن هذا القرار.‏‏
في المساحة الضيقة التي أتاحتها الحياة لنا معاً, كان من الممكن أن يخرج المرء بانطباعات طيبة عن هنادي الحيدر, كأن يتحدث عن هنادي التي تحب عملها, ويسكنها هواجس كيف يمكن أن يبدو عملها بأحسن صورة, هواجس كثيرة جعلت من هنادي (لحوحة) و(نقاقة) في عملها, لا يكف هاتفها الخليوي عن التذكير والتدقيق في كل تفاصيل العمل, وعليه فأن العمل مع هنادي يعني أن يبقى المرء, مستنفراً, مستعداً في كل لحظة لتلقي هاتف منها لمناقشة كل تفصيل فيه, وكأن لاشيء مؤجل عند هنادي إلا الحياة.‏‏
بيننا كان ثمة مشاريع مؤجلة, يغيب الكلام عنها مع غياب هنادي, ولكنني في ذكر محاسن هنادي, وما استعيده من ذاكرتي من غضب على كل من ظلمها, سأتذكر برنامجاً خاصاً عملت على اعداده هنادي وصديقتها رزان توماني, ليل نهار, لتقديم وجبة نقدية درامية مميزة على مدار أيام العيد الثلاثة, كان من الممكن أن يحسب بثها لصالح التلفزيون السوري بأكمله, وخصوصاً أن العمل تم وفق آليات بعيدة عن تقليدية برامج العيد الدرامية التي نحجز لها ساعتين من البث لنجمع ممثلين, ونحشر معهم مذيعة (ما لها علاقة) لتكرر طوال فترة البرنامج العبارة ذاتها (نحن نحبكم, شو مشاعركم في العيد...). إلا أن أحدا لم يكترث لكل الجهد المبذول فقرر إلغاء السهرات الثلاث, وبمعنى أدق وأدها بجرة قلم, واستبدلها بإعادة بث مزمن لأفلام ومسرحيات من أيام زمان وأغان.‏‏
في مكان آخر, كان من الممكن لهنادي الحيدر أن تكون نجمة بحق, ولكنها اختارت الإخلاص والعمل في مكان تُطفأ فيه حتى الشمس, وحين سُرقت حماستها, وخرجت الصبية لتبحث عنها لم يتح لها الموت الفرصة لاستعادة حماستها وتحقيق أحلامها في مكان آخر.‏‏
من منا الآن بوسعه أن يحفظ أحلام هنادي من موت لم نستطع أن نحفظ روحها منه..? قليل من الصمت, إذاً, هذا ما نحتاجه في مهابة موت الصبية,وباقة ورد هي أقسى ما نفعله لهنادي, نعزي أنفسنا بها, ونتذكر القدر المكتوب على جباهنا, نتعظ ونحزن, تهرب دمعة أو اثنتان من ذهول عيوننا, تحترق صدورنا بكثير من كلمات الوداع وتموت على شفاهنا قبل أن يقرأها أحد غيرنا, وكأننا نعزي بعضنا البعض, وليهنأ مبرمجو (صباح الخير), فقد ماتت صاحبة أفكاره الجميلة, وصار متاحاً للجميع اغتصاب الأفكار, وادعاء أبوتها دون خشية اعتراض من صاحبتها.‏‏

ماهر منصور
المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...