تداعيات الأزمة المالية الأمريكية على اقتصاد دول الاعتدال العربي

27-09-2008

تداعيات الأزمة المالية الأمريكية على اقتصاد دول الاعتدال العربي

الجمل: مضت بضعة أيام على اندلاع الأزمة المالية الأمريكية الجديدة والتي ما زالت تهدد بالمزيد من الخسائر في البورصات والأسواق المالية الأمريكية والعالمية، وحتى الآن لم يقتصر تأثير ضغوط الأزمة في داخل الاقتصاد الأمريكي وإنما أخذت مسارات هذه الضغوط اتجاهاً عابراً للحدود ومن الواضح أن الاقتصاديات العربية والشرق أوسطية سوف لن تكون استثناء من هذه التأثيرات والضغوط.
* المعتدلون العرب يدفعون ثمن الارتباط بالاقتصاد الأمريكي:
برغم حديث الإسرائيليين عن دول المعتدلين العرب والثناء الإسرائيلي على الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني والسعودي والمغربي وشيوخ الخليج، فإن سخرية القدر حملت اليوم الصحافة الإسرائيلية إلى تداول المعلومات والتحليلات التي تشير إلى أن المعتدين العرب سيتحملون جزءاً كبيراً من الخسائر الناجمة عن الأزمة المالية الأمريكية الحالية، وسيترتب على ذلك مواجهة اقتصاديات المعتدلين العرب المزيد من الضغوط والخسائر التي سيتمثل أبرزها في إلغاء جزء كبير من المعونات الأمريكية المقررة لمصر والأردن أما بالنسبة لدول الخليج فإنه سيكون لزاماً عليها القيام بقبول ابتزاز الإدارة الأمريكية لأموالها عن طريق  استخدامها في تغطية الخسائر المالية الأمريكية.
* ماذا تقول سردية الأزمة المالية الأمريكية:
تم في أمريكا الإعلان فجأة عن إفلاس شركة ليمان ثم أعقب ذلك تنفيذ عملية بيع شركة ميريل لاينش لمصرف بانك أوف أميركا وكل هذه العمليات التجارية المالية تمت في حدود يوم 14 أيلول 2008م، وبعد ذلك مباشرة وتحديداً يوم 16 أيلول، دوى الانفجار المالي الذي تمثل في انهيار شركة أميريكان انترناشيونال غروب، التي تم الإعلان عن انهيارها بواسطة البنك المركزي الأمريكي الذي يحمل اسم "بنك الاحتياطي الفيدرالي".
ترجع أسباب الانهيار إلى تورط هذه المنشآت المالية في عمليات "البيع المكسور" للأصول الثابتة والمنقولة التي كانت تتم على النحو الآتي:
• شراء العقارات عن طريق وسائل الدفع الآجلة ثم بيعها فوراً بعد ذلك بأسعار أقل من ثمن الشراء.
• إرفاق سندات الدفع الآجل بشهادات ضمان وكفالة مالية.
وتشير الوقائع إلى أن هذه الشركات كانت تقدم المساندة لبعضها البعض بحيث يشتري طرف العقار ويقوم الطرف الآخر بتقديم كفالة مالية له. ومن المعروف أن الشركات والمنشآت المالية تتعامل في الأسواق المالية عن طريق الصفقات الآجلة ضمن استراتيجية الرهان على ارتفاع الأسعار ولكن هذه الشركات كانت تراهن على انخفاض الأسعار.
بكلمات أخرى، فقد كانوا يقومون بشراء هذه العقارات على أمل انخفاض أسعارها في المستقبل بأقل من السعر الذي قاموا بالبيع به بعد شراءها، وذلك بما يمكنهم من دفع قيمة العقار ثم توفير بعض الأرباح.
توسعت صفقات التعامل بالبيع والشراء المكسور وأدى ذلك إلى توسيع الفرق بين الموارد والالتزامات في ميزانية هذه الشركات بما ترتب عليه أن أصبحت التزاماتها المستحقة الدفع أكثر بكثير من مواردها المتوقعة، وهنا سارع أصحاب الشركات للتخلص منها بالبيع في الأسواق المالية، وبالفعل نجحوا في "وضع الطاقية" على رأس مجموعة بانك أوف أمريكا بما أدى إلى تحويل ضغوط الأزمة إلى القطاع المصرفي والمالي الأمريكي وبعد ذلك انتقلت الضغوط إلى شركات التأمين لأنها ستكون مضطرة لتغطية الخسائر في حالة انهيار مجموعة بانك أوف أمريكا، وانتقلت الصدمة إلى المعاملات الائتمانية والادخارية والاقتراضية وأصبحت تهدد بالمزيد من الضغوط على نظام أسعار الفائدة وأسعار تبادل العملات والأوراق والسندات.
* إدارة بوش ومحاولة تنفيس ضغوط الأزمة:
تقول التقارير الرسمية بأن الإدارة الأمريكية سارعت إلى احتواء الأزمة عن طريق الإعلان عن برنامج مالي يهدف إلى ضخ 700 مليار دولار عن طريق بنك الاحتياطي الفيدرالي بوصفها موضع تصرف القطاع المصرفي الأمريكي لجهة القيام بتغطية سندات الدفع المستحقة، وتقول التقديرات بأن المبلغ يمكن أن يرتفع إلى ترليون دولار (1000 مليون). وبرغم محاولة الإدارة الأمريكية الهادفة لاحتجاز ضغوط الأزمة داخل أمريكا فإن ما هو واضح يتمثل في أن عبارة "احتجاز الأزمة داخل أمريكا" المعنى الصحيح لها هو استخدام أرصدة الآخرين الموجودة داخل أمريكا في تغطية الخسائر، وبكلمات أخرى، فإن أموال النفط العربي المودعة في البنوك الأمريكية سيذهب جزء منها لتغطية خسائر الشركات الأمريكية وتقول المعلومات والتسريبات بأن العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي ينهمكون حالياً في عقد الصفقات السرية مع أصحاب ومدراء الشركات والمنشآت الأمريكية المهددة بالخسارة لجهة القيام برفع مبالغ الدعم الحكومي الأمريكي المخصصة لهذه المنشآت مقابل قبض العمولات وتقول التسريبات بأن اللوبيات التجارية والمالية تتحرك بشدة في أروقة الكونغرس ووزارة الخزانة الأمريكية والبيت الأبيض لجهة تنفيذ الدعم.
* اقتصاديات المعتدلين العرب وانتقال عدوى الأزمة المالية الأمريكية:
يشبه انتقال عدوى الأزمات الاقتصادية بشكل عام عدوى انتقال الأمراض بين الشخص والآخر وتشير معطيات خبرة الأزمات السابقة إلى الأمثلة الآتية:
• انتقلت عدوى أزمة «الآسيان» المالية إلى الأسواق المالية الأوروبية والأمريكية.
• انتقلت عدوى الأزمة المالية العربية إلى الأسواق المالية الأوروبية.
• انتقلت عدوى الأزمة المالية المكسيكية إلى الأسواق المالية الأمريكية والأوروبية والأمريكية الجنوبية.
• انتقلت عدوى الأزمة المالية الأرجنتينية إلى أسواق أمريكا الجنوبية والأسواق الأمريكية الشمالية والأوروبية.
وعربياً، فقد سبق أن حدثت أزمة في السوق المالي الكويتي ضمن ما عرف بـ"أزمة سوق المناخ" والتي أدت إلى تدمير وتقويض أرصدة العديد من الأفراد والشركات التي كانت مسجلة في السوق وقد انتقلت عدوى هذه الأزمة إلى الأسواق المالية الخليجية والسعودية.
انتقال الأزمات من اقتصاد إلى آخر يتم عن طريق الآليات المالية التقليدية – التجارية والتي من أبرزها:
• ربط أسعار العملات.
• ربط القنوات المصرفية.
• ربط أنظمة الحسابات والأرصدة المصرفية.
• ربط الأسواق المالية.
• تزايد تدفقات التجارة.
• تزايد التبعية الاقتصادية والمالية والتجارية.
• تزايد الاعتماد على نظام المساعدات والمعونات.
وعلى خلفية ذلك، فقد أقرت دول المعتدلين العرب أجندة أمركة اقتصاداتها وقامت منذ وقت مبكر بربط أسعار عملاتها وقنواتها المصرفية والحسابات والأرصدة وأسواقها المالية وتدفقات التجارة مع الاقتصاد الأمريكي والآن برغم الوعود الأمريكية بتحويل اقتصادات مصر والأردن والمغرب إلى اقتصادات غنية وقوية فإن هذه الدول أصبحت في مواجهة عدم استلام المعونات والمساعدات الأمريكية.إضافةً لذلك، فقد ظلت السعودية ودول الخليج تستخدم المؤسسات والمنشآت المالية والمصرفية الأمريكية كملاذات آمنة لأموالها وعائداتها النفطية ولكن تبين الآن أن هذه الأموال أصبحت تواجه خطر ما حذر منه عراب الاقتصاد الرأسمالي آدم سميث الذي أكد أن الثروة تزول عن طريق التبديد وسو ء التصرف، وتأسيساً على ذلك يمكن التأكيد بأن المنشآت والمؤسسات المالية الأمريكية ستظل تسيء التصرف في استخدام الأرصدة العربية المودعة لديها، ولن تتورع عن إعطائها المزيد من الأموال لتغطية خسائرها ورهاناتها الخاسرة القادمة طالما أن أصدقاء أمريكا سيستمرون في ضخ أموالهم السخية لأسواقها المالية ومصارفها وبنوكها.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...