تسريح 70 ألف عامل من القطاع الخاص خلال الأزمة

26-12-2011

تسريح 70 ألف عامل من القطاع الخاص خلال الأزمة

إذا صحّت أرقام قدرها معنيون في التأمينات الاجتماعية فإن أكثر من /70/ ألف عامل في القطاع الخاص تم الاستغناء عن خدماتهم سوف يشكلون شرخاً اجتماعياً يضاف إلى الفجوة الاقتصادية التي تتسع يوماً بعد يوم مع استمرار الأزمة في سورية وهو مأخذ على قانون العمل رقم /17/ الذي تم تصميمه ليلائم مصالح أصحاب العمل، من دون أن نجد فيه ما يحمي العامل من مغبّة إلقائه إلى الشارع حين يحسّ مالك المنشأة، أياً كانت صفتها.
بأنه عرضة للخسائر المؤقتة، حتى وإن اقتصرت على رواتب العاملين لديه، الذين إن فقدوا عملهم فلن يجدوا قوت يومهم، عدا عن أسرهم التي قد لا تجد معيلاً سواهم..، علماً أن مثل هذا الرقم يبقى طبيعياً مقارنة بالأزمة التي تشهدها سورية وحجم الاستهداف الموجه للاقتصاد الوطني. وربما تسمع من يجد العذر لأصحاب المنشآت الذين تضررت مصالحهم، ولاسيما السياحية منها، وأصحاب المطاعم الذين ينتظرون زبوناً قد لا يأتي، وفي المقابل يهمس إليك بأن منشآت كبيرة جنت في فترات سابقة ملايين الليرات يفترض بها أن تشارك عمالها أزمتهم بعدم الاستغناء عن خدماتهم، وطبعاً باستثناء المياومين أو من يعملون بعقد سنوي، ويزيدون عن الأرقام المصرّح بها بكثير، لأسباب تتعلق برغبة اصحاب العمل إبقاءهم «مكتومين»، أو تخفيضاً لنفقاتهم حتى من أيام الازدهار.وهناك منشآت خاصة خفضت رواتب عمالها، بعضها وصل إلى نصف الرواتب. ‏

العمال يتحدثون ‏
فنادق مهمة في محافظتي دمشق وحمص استغنت عن بعض عمالها تحت وطأة الأزمة ورغبة منهم في خفض النفقات، والعمال الذين التقيناهم قالوا: إن إدارات الفنادق قامت بالاستغناء عن عدد من العمال، واتخذت إجراءات تعسفية بحق الكثير من العاملين فيها كما هو الحال في فندق (خمس نجوم نحتفظ باسمه) لدفعهم قسرياً إلى الاستقالة كونهم من الموظفين الدائمين، منوهين إلى أن إدارة الفندق قامت بإغلاق جميع المطاعم والأقسام المختلفة والتي كان لها دور كبير في رفع إيرادات الفندق، وما ينتج عنه من ضرر اقتصادي كبير، وترتب عليه سوء ظروف كثير من العاملين فيه وعائلاتهم أيضاً. ‏

ورأى عمال آخرون أن تسريحهم يعود على عدم إنصافهم من نقاباتهم العمالية، ومن القانون نفسه الذي تم تصميمه لمصلحة أصحاب العمل والذي تشكل بنوده ظلماً للعمال، ولاسيما في الفترات التي يكونون فيها الأحوج إلى عملهم وما يتقاضونه لسدّ حاجاتهم الأساسية وحاجات عائلاتهم التي يعيلونها. ‏

ورأى آخرون أن رغبة بعض أصحاب العمل في التوقف المؤقت أو الكلي عن العمل هي محاولة للتخلص من العمال لديهم ومن عبء رواتب الموظفين، حتى وإن تعرضت المنشأة للتعثر، وأضافوا بأن بعضهم لم يتقاضَ الراتبين اللذين نص عليهما القانون قبل التسريح. ‏

القانون لمصلحة أصحاب العمل ‏
السيد عزت الكنج نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، وبعد اتصال مع السيد خلف العبدالله- مدير عام التأمينات الاجتماعية والعمل أكد له أن عدد العمال المسرّحين من القطاع الخاص قد تجاوز الـ/70/ ألف عامل، ولافتاً في الوقت نفسه أن هناك عمالاً مسرّحين غير مسجلين في التأمينات الاجتماعية، وقال الكنج: إن أصحاب العمل ينفذون القانون بحذافيره، فقانون العمل رقم /17/ هو لمصلحة أصحاب العمل، واعتماداً على بنوده يقومون بتسريح العمال من دون رادع، وهناك عمال مضى عليهم أكثر من عشر سنوات تم طردهم أو تخفيض درجتهم الوظيفية، ويفترض أن يتم تعديل القانون وتثبيت العامل بعد مضي عامين كما كان في القانون القديم الذي يجب أن نعود إليه كي نحافظ على حقوق العمال، وأن نؤمّن الحماية للعامل الذي لا يملك سوى عمله، وكي لا يكون عرضة لإلقائه في الشارع. ‏

وأضاف الكنج: إن من المطالب الملحّة للحركة النقابية في سورية تعديل قانون العمل كي لا يكون العامل سلعة تُباع وتُشترى من قارعة الطريق، وكما لجأنا إلى إيجاد قانون لإصلاح القطاع العام الصناعي يجب أن يتم العمل على تعديل القانون /50/ وهو القانون الأساسي للعاملين، وكذلك القانون /17/، وريثما تسمح الظروف بذلك.
 
‏ وأشار الكنج إلى أن القانون /17/ أتاح لصاحب العمل تسريح العمال في بعض مواده في حال صدور قرار نهائي بالموافقة له على التوقف الجزئي للمنشأة (المادة 227) وعدم وجود معايير موضوعية في اتفاق العمل الجماعي أو النظام الداخلي للمنشأة لاختيار من سيتم الاستغناء عنهم من العمال فإنه يتعين على صاحب العمل التشاور مع المديرية المختصة وممثلي النقابة المعنية لاتخاذ القرار المناسب بهذا الشأن وفي المادة (228) يجوز لصاحب العمل تعديل شروط عقود العمل الفردية للعمال بعد قرار الموافقة على وقف العمل جزئياً، ويحق له أن يخفض من أجر العامل بما لا يقل عن الحد الأدنى لأجر مهنته، ومن هذه الحالة يجوز للعامل إما الموافقة على الإجراء المتخذ أو طلب إنهاء عقد عمله من دون أن يلتزم بمهلة الإخطار القانونية، ويحق له في هذه الحالة تعويض مقداره أجر شهر عن كل سنة خدمة وبما لا يزيد على أجر ستة أشهر. ‏

ارتباك ومراعاة ‏
السيد أحمد الحسن أمين شؤون العمل في الاتحاد العام لنقابات العمال قال: سنأخذ الأرقام التي تم تداولها ومحاولة إيجاد حلول لها، مع الإشارة إلى أن المعالجة التي ينظر إليها الآن فيها ارتباك ومراعاة لأصحاب العمل نتيجة ظروف البلد فهي صعبة على الجميع، والكل يرى أن العمل قد توقف في الكثير من المنشآت السياحية، وإذا ما تم الضغط على أصحاب العمل فإن المسألة غير عادلة، ونحن نحاول أن نناشد أصحاب العمل كي يحتفظوا ما أمكنهم بالعمال في منشآتهم، ولكن بعضهم يرد علينا بأن ذلك غير ممكن اقتصادياً، وسوف يؤدي إلى إفلاسهم في النهاية.
 
‏ وعن الإجراءات التي يفترض بصاحب العمل القيام بها، إذا أراد إيقاف منشأته كلياً أو جزئياً قال الحسن: إن هناك التزامات يجب أن يقوم بها أصحاب العمل تجاه عمالهم، واتباع الإجراءات القانونية الواردة في قانون العمل وتشكيل لجنة بقرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، مهمتها النظر في الطلبات المقدمة من أصحاب العمل المتعلقة بإغلاق منشآتهم أو تقليص حجمها أو نشاطها بما يمس حجم العمالة فيها (المادة 225) وتتألف هذه اللجنة من ممثلين عن الجهات ذات العلاقة، ومنظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل الذين ترشحهم جهاتهم على أن يراعى في تشكيلها التساوي في عدد ممثلي منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل وعلى صاحب العمل أن يضمّن طلبه الأسباب التي يستند إليها مع كل المستندات المؤيدة وعدد فئات العمال الذين سيتم الاستغناء عنهم، ويبت الوزير بالطلب خلال (15) يوماً من تاريخ اقتراح اللجنة إليه، وإذا انقضى (45) يوماً على تقديم الطلب ولم يبت به جاز لصاحب العمل وقف منشأته. ‏

وعن موقف اتحاد العمال إزاء ما يحدث من تسريح للعمال في هذه الآونة قال: إن موقفنا يراعي الجانبين أصحاب العمل والعمال في آنٍ معاً ونحن نطالب أصحاب العمل إعطاء العمال تعويضاتهم وعلى وزارة العمل متابعة المنشآت التي تقوم بتسريح العمال من دون اتخاذ الإجراءات التي نص عليها القانون. ‏

تقرير المكتب التنفيذي ‏
جاء في التقرير الأخير الصادر عن المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات العمال هذا الشهر أنه ونتيجة للأزمة التي تعيشها البلاد منذ تسعة أشهر فقد انعكست هذه الأزمة مباشرة على العاملين في القطاع الخاص، وعلى أصحاب الأعمال ولاسيما في قطاع السياحة، والخدمات وتوقفت بعض المنشآت بشكل جزئي أو كلي، وعمد أصحاب الأعمال إلى تسريح العمال متذرعين بانعكاس هذه الأزمة على أعمالهم وتفاوتت تقديرات أعداد العمال المسرحين، وارتفعت إلى ما يقارب (67) ألفاً، وهذه الأرقام ورغم عدم دقتها والتوقعات بأن تكون أكثر من ذلك لأسباب تتعلق في أن القطاع غير المنتظم لا يمكن معرفة أرقام العمال المسرحين فيه، ووجود عمال غير مسجلين في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، واتحاد العمال لا ينكر انعكاس هذه الأزمة على أصحاب العمل ونأمل أن نتجاوز هذه الأزمة سريعاً وتعود المنشآت للعمل، لكن يرفض الاتحاد أن يستخدمها البعض ذريعة لتسريح العمال وأن هناك إجراءات نص عليها القانون رقم /17/ لعام 2010 يجب أن تراعى. ‏

جدولة الديون ‏
مهند كلش، معاون وزير السياحة قال: هناك فنادق لم يأتِ إليها أي زبون منذ شهور، أما المطاعم معظمها مستقرة، وحاولت الدولة مساعدة الفنادق بجدولة ديونها دون فوائد، وعلى أصحاب المنشآت عدم التخلي عن عمالهم أو تسريحهم لأنهم جنوا أرباحاً كبيرة في فترات ذهبية، وبعضهم يشتكي كثيراً في أوقات الأزمات، ويدعي بعضهم الإفلاس، وبشكل عام لا يوجد أي تسريح في الفنادق والمنشآت التي للدولة حصة فيها، ولاسيما العمال الدائمين، ومع أصحاب الفنادق الخاصة تحاول الوزارة معالجة أي خلل من خلال مساعدتهم حتى في الحصول على قروض، والنتيجة هي يجب أن يكون هناك تكاتف حفاظاً على مصلحة الوطن وأمنه وعن بعض الأرباح التي كانت تجنيها الفنادق في أوقات ذهبية قال: إن فندق الشيراتون على سبيل المثال حقق ربحاً صافياً وقدره 600 مليون ليرة سورية لعام 2010، وإذا حمل عمالته لهذا العام فأين المشكلة؟ ويمكن قياس ذلك على الفنادق الخاصة، ولنفترض أن أرباحها أقل من ذلك بكثير، فأنا أرى أن من واجبها عدم التخلي عن عمالها في هذه الفترة، والوزارة مستعدة لسماع رأي أي شخص لديه الإحساس بالظلم ولاسيما إذا كان عاملاً. ‏

وأشار كلش إلى أن هناك عمالاً مؤقتين، وهم يخضعون للعرض والطلب، وبالطبع وزارة السياحة لا يمكنها التدخل في سياسة الفندق إن أبقاهم أو أقصاهم، ويقول :بشكل عام لا نقبل بصرف أي عامل من عمله. وتحدث كيف أن فندقي سفير حمص ومعلولا طلبا الإغلاق حتى إشعار آخر، وكان رأي الوزارة في أن يضغطوا نفقاتهم وألا يصرفوا عمالهم أو يسرحوهم، لأن لهذه الموضوعات تبعات خطيرة على المدى القريب والبعيد. ‏

أسباب بنيوية وهيكلية ‏
يرى من التقيناهم أن أحد أسباب المشكلة وتقليص حجم العمالة في عدد من المنشآت الصناعية التقليدية الخفيفة والتي تقوم غالباً على المدخلات المحلية وعلى الأنشطة الصناعية التجميعية، وهي برأيهم ذات محتوى تقني وتكنولوجي منخفض، فقد استغنت معظمها عن خمسين في المئة تقريباً من عمالتها، وإذا ما أضيف إلى الآثار السلبية للظروف الآنية ضعف قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية من جهة وعجزها داخلياً عن منافسة ما هو مستورد من سلع بعد إغراق السوق المحلية بالمنتجات العربية، وغيرها من دول أجنبية فإنها ورغم نشوئها في ظل نظام حمائي إلا أنها لم تستطع تطوير قدراتها الإنتاجية والتعامل مع التحديات بالمستوى اللازم والمحافظة في النهاية على العمالة اللازمة لتطوير وتوسيع أنشطتها، فوقفت عاجزة عن الاستمرار لعجز منتجاتها أمام التدفق الدائم على الأسواق للمنتجات المثيلة، وتوقفت مع عمالتها معلنة إفلاسها، ومضيفة إلى الأزمة الاقتصادية الحالية همّاً اجتماعياً جديداً. ‏

ويرى آخرون أن مشكلة الاستغناء عن العمالة وتسريح عدد كبير منهم موجود أكثر في القطاع السياحي، أما القطاعات الأخرى فيفترض بها أن تتنشط، ويفترض بأصحاب العمل أن يجدوا في الحظر الاقتصادي إيجابية أهملتها الحكومة السابقة، وبوجود الحظر تزداد إنتاجية القطاع الصناعي عادة، ويزيد الطلب على العمالة، ولاسيما أن البضائع التي كانت تغرق الأسواق في السابق توقفت عن المزاحمة حالياً.وبين هذا وذاك يحاول العامل المفصول عن عمله أو المسرّح قسرياً تأمين لقمة عيشه وحياة كريمة لأسرته. ‏

إسماعيل عبد الحي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...