حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (5)

07-05-2007

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (5)

قالت الأم مرغريت لابنتها غبريّلا, بعد انصراف الطبيب أنداش:

- أبوك, ياغبريلا, طيب القلب ومن السهل خداعه.. كان زوجي وأنا أعرفه!‏

أجابت غبريّلا بحدة:‏

أنت يا أماه, لا تعرفين شيئاً مع الأسف, كل ما هنالك أنك أدمنت الكحول الى درجة السكر, ثم الانطراح أرضاً كالقتيلة, دونما شعور بالمسؤولية من أي نوع, وهذا عيب كبير, عليك أن تتخلصي منه وأنت في هذا العمر.. والدي أنداش ذو عقل راجح من النادر أن يخدعه أحد.‏

ردت الأم:‏

من المستحيل أن أصدق أنك ابنتي, وتوجهين الي هذا الكلام القارص لو كانت لدى والدك أنداش ذرة من الإخلاص لما هجرني وأنت صغيرة,دون أن أرتكب أي ذنب بحقه.. ستقولين, كما علمك إنني رغبت في الهجر وأنه استجاب لرغبتي, وهذا افتراء مردود فقد أصبح بعد سنوات من ولادتك, سافلاً لا يطاق!‏

والدي غير سافل إنه راجح العقل ألمعي الذكاء عميق التفكير يحسن التصرف مع الناس, من كل الأعمار, وهذا ما جعله محبوباً, محترماً,مطاعاً, يتسابق من حوله لإرضائه.‏

هذه هي السموم التي بثها فيك, هذا الثعبان الأرقش عندما كان في الأسبوع مرة على الأقل, يدعوك الى الغداء معه.‏

وكان رغم الهجر الذي بينكما يدعوك أنت أيضاً.‏

هذا من المكر, وكنت عليمة بمكره, لذلك أرفض دعوته.‏

على كل حال والدي يتصرف دائماً بلباقة, وكان يدعوك صادقاً, لانه ليس لديه ما يخفيه عنك.. كان ينصحني, في كل لقاء معه, بأن أحترمك, واحبك وأطيعك لأنك أم, وهو يعرف أكثر من غيره, أهمية طاعة البنت لأمها.‏

أنت يا غبريّلا,هواك مع السفلة, وما أكثرهم في هذا البلد.. أبوك سافل, وزوجك أمري سافل, وهذا المعتوه الذي يسكن عندنا سافل, وأنت ضدي مع كل هؤلاء السفلة, الذين اكتشفتهم بخبرتي, في وقت مبكر وحذرتك منهم دون فائدة.‏

اشكرك على هذا التحذير وأرفضه اغتياب الناس غير جائز, وكذلك النميمة والشك السريع, غير المبرر, في من حولك وفي من يريد لك الخير, وتريدين له الشر, وأنا لا أعتب عليك, لأنك كحولية مدمنة, ولك عشيق أرعن لا أطيقه لا بد أن أطهر هذا البيت من دنسه.. إنه يضحك عليك, يتظاهر بحبك, ينام معك ليلاً, ويبتزك نهاراً.. هل تفهمين؟‏

بكت مارغريت, كلمات غبريّلا كانت محقة, وفي وقتها اللازم , وادمانها على الكحول نقيصة لا تعرف, أولا سبيل الى التخلص منها إلا في مصحة, والبنت لا ترضى, وتراه عقوقاً, وضع أمها في مصحة, مع أنها ضرورية لها, وهذا المستأجر الجديد شهم, وقد اثبت شهامته, وهو تاجر معتبر في رأي والدها أنداش, مع ذلك تصر الأم على أنه معتوه ومجرم... هذا كله فجور, هي غبريلا, أن تردع أمها عنه.‏

قالت وقد اشفقت على دموع أمها:‏

لننس, ولو مؤقتاً, هذا الخلاف البسيط بيننا.. إنه يقع في كل عائلة, وطالما سمعنا شجارات الجيران وصراخهم حتى منتصف الليالي, أما بالنسبة للساكن الجديد فإنه رجل شريف ومسالم, وهو معنا وليس ضدنا, إنه كما أقدر, سند لنا في هذا البيت.‏

نبحت مارغريت:‏

وعشيق جديد, كما أرجح وغداً أو بعده, سترتمين في حضنه, وتتذوقين لذاذة الوصال بين ذراعيه.. ثم ماذا؟ يشبع منك, يرتوي من مائك العكر, وبعد ذلك يدير لك ظهره.. بماذا تأملين؟ بالزواج؟ هذا غير وارد مع الهجر, أما الطلاق من هذا الافاق أمري فانه مستحيل, إلا في حالة الزنى والتلبس, ازني إذن, وعلى المكشوف وفي حالة تلبس, وعندئذ تحصلين على الطلاق من امري, ويكون هذا الوغد الذي فوق, والذي تأملين بالزواج منه قد فر, أكل التفاحة وترك لك قشرها..( سرفوس).‏

وردت غبريلا أن تترك هذا البيت, تذهب الى ابيها في كيد, تشكو له ما بها من قهر وقرف بسبب أمها , تسأله عن الجار الساكن فوق, وما اذا كان شريراً كما تقول أمها, مع علمها أن هذا كله يؤذي مشاعر والدها, من ناحية تصرفات أمها, ومن ناحية الشك في أن رأيه, فيما يتعلق بأيهم, غير دقيق, أو قابل للنقاش,( لقد فعل والدي, ما كان يجب عندما هجر أمي, والتي لا تطاق, في حالتي السكر والصحو على السواء, وأني لأعجب كيف أحبها, وكيف قضى معها سنوات من عمره,قبل ولادتي وبعدها,وكيف أرشدها, بعد فشلها في دراسة الطب, الى دراسة التدبير المنزلي, وكان كبيراً في كل شيء, من صبره عليها الى بناء هذا البيت ذي الطابقين بالتعاون معها, الى تضحيته في التنازل عن حصته, وتطويب البيت كله مناصفة بينه وبينها, في رؤية شفيفة الى المستقبل, وتحسباً لغدر الزمن.. انه رائع رائع هذا الأب, الذي ما تنفك أمي تعيره بمهنته الشريف, وتدعوه خٍالع الأسنانٍ وهو يضحك ويجيبها:( نعم أنا خالع اسنان بحق, ومهارة) فاذا نعت عليه انتقاله من عشيقة الى اخرى, رد قائلاً:( بعد تجربتي معك يا غابرو, صار من الصعب علي الصبر, كرة أخرى, مع مثيلاتك!) إنه لما يبلغ الكهولة بعد, وهو دمث وسيم, لبق,.., وخلوق, كريم, في وضع الهجر الذي لا انفكاك منه, ما دام كاثوليكياً, وقد سمعته مراراً يتأفف من الكثلكة وقوانينها التي لا تراعي العصر, ولا تتطور معه.)‏

كان أنداش تكاتتش, في قيلولة ما بعد الظهر, عندما أيقظته ابنته غبريلا من نومه, فتح لها الباب والنوم عالق بأجفانه بعد, فكانت مفاجأة له أن تأتي ابنته اليه في هذا الوقت, وبشوق أب, وحرارة لقائه بابنته الوحيدة, فتح لها ذراعيه, عانقها, قبلها في وجنتيها, سألها ملهوفاً:‏

هل عاد غابور مولينار المجرم مرة أخرى:‏

ابتسمت غبريلا وقالت:‏

كيف يعود وهو سجين بتهمة قتل؟‏

يهرب من السجن, أمثاله من المجرمين, لا يعوزهم التهور, ولا يعدمون وسيلة الهرب.‏

لا ! لم يهرب, ولم يعد الي, لكن لماذا تخيفني باحتمال حدوث مثل هذا؟‏

أنا لا أخيفك إلا أن الاحتمال وارد, وعليك أن تكوني حذرة, هذا كل شيء..‏

والآن الى اعداد القهوة, سأكون سعيداً,يا صغيرتي, أن أشرب القهوة من اعدادك, ومعك في هذا الأصيل المشرق مثلك.‏

ضحكت غبريلا وقالت:‏

ألا أزال صغيرتك وأنا أقترب من الكهولة؟‏

مسد شعرها الخرنوبي, المنسدل في طيات متعرجة, جميلة على طرفي وجهها وقال:‏

ستبقين صغيرتي حتى أموت.. أما الكهولة فإنها بعيدة عنك, ولكن ماذا نفعل اذا كان هذا من غنج النساء جميعاً.. أعدي القهوة ريثما أتدوش بسرعة, هيا, عجلي أنا متلهف لمعرفة الريح التي حملتك الي.‏

قالت غبريلا وهما يشربان القهوة مع الماء البارد:‏

كنت خائفة أن اصطدم بإحدى عشيقاتك, في البيت أو في الفراش ابتسم أنداش وقال:خوفك في محله.. لكن العشيقة التي كانت في فراشي, قفزت من النافذة بخفة الهرة المدربة, منذ سمعت رنين الجرس.‏

أنا لا أصدق أنت تمزح كعادتك.. وإذا أردت الصراحة فإني تواقة لرؤية إحدى عشيقاتك, كي أحكم على ذوقك في معاشرة الجميلات.‏

وأنا تواق لحصول ذلك.. لكنني الآن في إجازة.. نحن في النهار بعد .‏

وفي الليل, بعد إغلاق العيادة؟‏

تلك مسألة أخرى.. هاتي ما عندك, هل تخاصمت مع أمك المدمنة على السكر؟‏

حصل شيء من هذا, إنه خلاف بسيط, هربت منه اليك.‏

احسنت في المجيء الي.. وأحسب أن الخلاف بينكما سببه الساكن الجديد في الطابق الثاني.‏

تماما.‏

هذه ال تماما من لازماتي, وأمك تعيبني عليها, لا تحاولي تقليدي حتى لا تثار البقرة التي نكدت عيشنا‏

سأقولها, وأردها حتى أنكد على بقرتك العجوز.. قل لي : هل كانت هكذا عندما احببتها؟‏

انت تعرفين ان الذكريات تغتالني,... فدعينا منها.. ما مأخذ أمك على الساكن الجديد؟‏

تدعي أنه خدعك؟ وأنه معتوه, ومجرم, وسافل.. الى اخر ما في جعبتها من هذه الاوصاف النبيلة!‏

وما هو رأيك أنت؟‏

أنا لا أصدق أنك تخدع بهذه السهولة.‏

هذا جيد, وفوق الجيد لأني أسمعه منك.. إنني يا غبريلا, إنسان مجرب ولدي من الخبرة والفراسة ما يكفي لكي لا أخدع.‏

تناول أنداش الأب جرعة من الماء, ورشقة من القهوة, وأضاف:‏

رأيي الذي قلته في هذا الشاب, هو رأيي أمس, اليوم, وغداً.. إنني لست بالمغفل كما تظن أمك, وأتقن من تقلبات الناس, وفهم أطوارهم الغريبة.. هذا المخلوق راق لي, وسيروقك أيضاً.. علينا أن نحكم على الحاضر, ونراهن على المستقبل, لا احد, حتى ولا الحكماء, من يضمن المستقبل مئة بالمئة, وقد قرأت ديكارت, ووعيت فلسفته في الشك, وكل ما أخذه عليه هو تعميمه.. لا شك مطلق, ولا غفلة مطلقة.. تصوري ان الناس أخذوا برأي ديكارت, وشك بعضهم ببعض, فأي معنى للحياة يبقى, ديكارت أخذ موضوعة الشك عن توما, أحد تلامذة السيد المسيح, الذي رفض أن يصدق أن المسيح طعن بحربة, وهو على الصليب, مالم يضع أصبعه على الجرح الذي أحدثته الحربة!‏

ذهلت غبريلا من اطلاع والدها الواسع ومن معرفته الجيدة بفلسفة ديكارت, ومن مقولته في الشك ومن قوله إن لا شك مطلق, ولا غفلة مطلقة, ومن فرط سرورها, وشدة إعجابها بما سمعت من أبيها, عانقته قائلة:‏

لم اكن اعلم أنك كنز ثقافة, لأننا لم نتحدث في هذه المسائل من قبل.. إنني كما تعلم كنت فخورة بك دائماً, والآن , بعد الذي سمعته ازداد افتخاري بك.‏

قال الأب انداش:‏

على مهلك يا صغيرتي.. أبوك ليس كنز ثقافة, هناك مثقفون حقيقيون غيري, وهناك من هم ضليعون بالثقافة, ومن هم موسوعة فيها.. لا تتسرعي بالثناء أو الذم, اختبري الأمور بنفسك, كوني موضوعية في حكمك على الناس والأشياء, لا تصدقي كل ما تسمعين بسرعة, فنحن بشر, وللبشر أحكام فيها الصح وفيها الخطأ, وتذكري قولي هذا: لو صدقنا كل ما نسمع بسرعة, لوجدنا الكذابين في كل مكان.. حان وقت فتح العيادة.. هل زرت الساكن الجديد وتعرفت عليه معرفة اختبارية؟لا؟ عودي الى البيت وزوريه, فقد يكون هو الغريب, بحاجة الى معرفة بعض الأمور منك.. مع السلام, سرفوس يا غبريلا, تعالي قبليني, قولي لي( فيسون لاتاشرا))الى اللقاء).‏

قبلته, عانقته, ضمته الى صدرها, قالت:‏

لشد ما فتحت عيني يا أبي, أنا التي كانت تحسب أن عينيها مفتحتان, بينما هما مغمضتان في الحقيقة.‏

عادت غبريلا الى البيت خفيفة كنسمة, فرحة كالملكة بلقيس وهي في بلاط سليمان, معجبة بوالدها العارف, الواثق بما يعرف, دون ان يرفض الشك رفضاً باتاً, دون ان يقبله قبولاً تاماً, في قلبه خمرة قانا الجليل, التي لا تسكر, وتغبط النفس في معنى الاعجوبة التي عليها ارتكزت عليها, محولة الماء الى خمر.. الساكن الجديد, غير خداع, غير مجرم, غير معتوه, انه تاجر, ومع التجارة له نزواته كفنان, هذا الصنف من الناس, لا يتكشف للآخرين بسهولة, لا ...لا يثرثر كما الآخرين, يمتنع عن الكلام على نفسه, ومن هنا غموضه, الغموض أحد صفات المحبين من الرجال, فهو لا ينادي: أنا هنا, أنا فلان, أنا اتقن معرفة اللغات, واتقن الفلسفة, أو أتفلسف حباً بالظهور, غرابة اطواره لا غرابة, طبيعة فيه, كل عادة طبيعية ثانية في الانسان, الغامض له هذه العادة, هذه الطبيعة, وبكلمة: الغامض رجل غير عادي, ولشد ما هو تافه, ممل, غبي, خسيس, الرجل العادي.‏

كانت أمها مارغريت, متعتعة من السكر, محتقنة من الغضب, قابلة للانفجار كل لحظة, لو أن السكر أبقى لها القدرة على الانفجار كل ما تفعله, في مثل هذه الحالة, ان تبرطم, أن تغمغم, تجمجم,تشتم, تجر جسدها الواهي, الى حيث ايقونة العذراء مريم,ضاحكة مرة, عابسة أخرى, تطلب الشفاعة, غفران الخطايا, القوة على نزال خصومها , قهرهم واحداً واحداً, بدءاً بالزوج انداش السافل برأيها, عشيق العاهرات, خالع الاسنان, ثم زوج ابنتها امري ألايوش, الخسيس, ناكر الجميل, الذي أسلمته غبريلا صباها, جسدها الأبيض, المورد, المكتنز بغير سمنة, صدرها الناهد, عنقها المتلع من غوى, بغير طول, بغير قصر, فوقه الرأس المكلل بشعر فاتن, وعينين لوزيتين, وفم صغير, وردي الشفتين, ووجنات كتفاح الستاركن, فالتهم, هذا الإبليس, كل هذه المفاتن, وأدار ظهره لزوجته, مدعياً أنه هناك في المانيا, لتعليم موسيقى السيكان الغجرية, المجرية أصلاً وفرعاً, بينما هو, في الحقيقة, يعرف هذه الموسيقى الطاهرة, في الكباريهات, في المواخير, للعاهرات الرخيصات, المفلسات, المبتليات بالزهري, وكل الأمراض الأخرى, المماثلة, فإذا فرغت السيدة مارغريت من صهرها, حبت خوابي دعواتها غير الصالحات, على هذا الساكن الجديد, الذي خدع زوجها السابق أنداش, وسيخدع, إذا لم يرحل الى مجارير المياه القذرة, ابنتها غبريلا, هذه الفاتنة التي تخدع بسرعة, بعد أن سمعت والدها العاهر أنداش, يمدحه, يثني عليه, يعدد مزاياه, يقلبها من الرذيلة الى الفضيلة.‏

كانت غبريلا تجلس في الصالون, في مقعدها المفضل, تراقب أمها, ضاحكة في سرها من حركاتها, من المرات العديدة التي ترسم فيها الصليب على جبينها وصدرها,عارفة,دون تدخل, دون سؤال دون اكتراث, بأن هذه الأم, التي شربت, أثناء غيابها, هي غبريلا, عند والدها انداش في كيد, زجاجة كاملة من البلنكا , الخمرة المستخرجة من البرقوق, القوية التأثير كريهة الرائحة على نحو ما, والتي هي خمرة البيوت المجرية الريفية, والمستقطرة في الصيف, المخبأ كمؤونة للشتاء.‏

عقب استنفاد قواها, في الدعوات الصالحات لنفسها, الطالحات لمن عداها, نهضت السيدة مارغريت الام, حمراء العينين, تتسند على الاثاث والجدران, الى ان بلغت الخوان, حيث جلست ورائحة الخمرة تفوح منها, وبعد سعال, وأنين, وشكوى من الزمن الذي جار عليها حسب اعتقادها, سألت ابنتها مارغريت:‏

كيف هو ذلك الفاسق, خالع الأسنان, والدك انداش!؟‏

اجابت غبريلا:‏

أنا لم اكن عند والدي .‏

في أي وحل كنت إذن؟‏

هذا عيب يا أماه, الوحل لن يبلغ حتى أن يلوث حذائي!‏

لوث أي (......) فيك يا قارحة؟‏

هذه سفاهة غير لائقة من أم تجاه ابنتها.‏

أنت لست ابنتي التي, كانت, والتي سهرت عليها, وكبرتها, وعلمتها من مالي الحلال, حتى تخرجت من الكونسرفتوار, وصارت مدرسة, فخالفت رأيي وتزوجت ذلك البندوق الذي اسمه أمري الايوش!!!‏

أنا تزوجته ,بمعرفتك,وبرغبة منك, وحتى بإصرار أيضاً!‏

يوزي ماريو!(يا يسوع ابن مريم) أنا التي دفعتك الى الزواج من هذا المنحط امري الايوش؟‏

نعم ! أنت!‏

قحبةولا فائدة!‏

يا للعار! أمٌّ ِتقول لابنتها قحبة؟‏

أنا اسمي الأشياء بأسمائها.‏

أنت فاقدة العقل من السكر, لذلك أسامحك, وأطلب من يسوع أن يهديك!‏

يسوع, تمجد اسمه, ولا يقبل دعوات العاهرات.‏

أنا لست عاهرة, وأنت تعرفين!‏

وذلك العشيق الذي اسمه غابور مولينار؟ ألم ترتمي بين احضانه؟ألم يكن مجرماً, وتسبب بفضيحة لهذا البيت الشريف؟‏

حين يكون للأم,وهي عجوز, عشيق, فلا عتب على البنت, وهي في عزّ صباها أن يكون لها عشيق أيضاً.‏

بكت الأم مارغريت, شعرت بالإهانة, لا لأن لها عشيقاً على سن الرمح, بل لأن ابنتها تصفها بالعجوز( هل وصلت الوقاحة بالبنت أن تصف أمها بالعجوز, وهي تعرف أنها ليست كذلك؟ هل تشمت بها لأن الزمن فجعها, ولأن الله, تبارك وتعالى, رزقها ببنت, ولم يرزقها بصبي, يحميها من الويلات التي لم تعرف غيرها, فجيعة؟ وحق يسوع ابن مريم فجيعة.. هذه البنت, غبريلا, مع خالع الأسنان والدها, الداعر, الذي هو بنفسه, أغراها بالدعارة, أو زينها لها, أو جعلها تقلده بها... طيب سنرى!‏

قالت السيدة مارغريت لابنتها غبريلا:‏

اسمعي يا عائبة, إما أنت وإما أنا في هذا البيت؟‏

تطردينني؟ الأم تطرد ابنتها؟‏

أنا لست أمك!‏

إذن وداعاً!‏

دخلت غبريلا غرفتها تجمع حوائجها, مزمعة على الرحيل نهائياً, ستقصد والدها أنداش الطيب, ولن تسكن معه فتفسد عليه حياته التي اختارها بل ستطلب مساعدته في تدبير بيت صغير بغرفة, أو غرفتين,تسكن فتتخلص, مرة والى الابد, من والدتها وسكرها, وعربدتها.‏

لكن الأم مارغريت, حين رأت ابنتها تخرج من غرفتها وبيدها حقيبتها, ارتمت على قدميها باكية, متوسلة, متضرعة, قائلة:‏

أخطأت ياغبريلا, يا حياتي وكل دنياي, أخطأت وليغفر لي الله, بعدك لن يبقى لي أحد, سأموت حسرة إذا ابتعدت عني, وقد أنتحر, عندئذ, لأن الله تخلى عني.‏

انحنت غبريلا وأنهضت أمها, قبلتها, قالت لها:‏

سامحتك يا أماه, على البنت أن تسامح والديها مهما اساءا إليها!.‏

أمسكت السيدة مارغريت بالحقيبة حاولت أن تنهض بعد أن بللت الدموع قدمي ابنتها لكنها عادت فارتمت ارضاً ومن جديد أنهضتها غبريلا مشفقة حدبة باكية هي الاخرى ولم يعد الهدوء الي البيت إلا بعد ارجاع الحقيبة الى الغرفة وبعد إعداد فنجانين من القهوة ترشفتاهما بغير كلام إلى أن قالت الام:‏

-حقاً ياغبريلا أنت صغيرتي العزيزة وكنت مستغربة أن تكبر صغيرتي دون أن ألحظ ذلك نعم نعم كبرت ياغبريلا ومن حقك أن تعيشي في بيت مستقل من المؤسف أنك سيئة الحظ مثل أمك كلانا ناخ علينا الدهر كلانا كنا مهجورتين فلما تخلى عنا الله وأنزل بنا هذه المصائب؟‏

قالت غبريلا:‏

-هذه قسمتنا يا أماه عديني أن تخففي من شرب البلنكا اللعينة من الدعاء بالشر على والدي من نعته ونعتي بأقبح الالفاظ وسأكون ابنتك المطيعة لأنك لولا السكر الذي دفعك الهجر اليه لكنت أماً طيبة وصالحة.‏

قالت مارغريت الام بعد أن عاودها الصحو قليلاً:‏

- ماتقولينه صحيح ياصغيرتي أنا مؤمنة أنا غير كافرة الزمن الذي غدر بي هو الكافر أحسنت بالرحمة التي أفضت بها على أمك المسكينة لقد استحققت كل كلمة سوء صدرت عني وفيها إساءة اليك لكنني استحلفك بالعذراء مريم أن تقولي الحقيقة: هل أنا عجوز كما وصفتني؟‏

أنت غير عجوز بعد ومن حقك بعد الهجر أن تكوني حرة في حياتك تتصرفين بها كما تشائين وكرمى لخاطرك تراجعت عن اعتزامي مغادرة هذا البيت.‏

ابتسمت الام بخبث وقالت:‏

- كرمى لخاطري فقط؟‏

- وكرمى لخاطري والدي!‏

- ومن أيضاً؟‏

-ومن يكون؟‏

- الساكن فوقنا ياغبريلا.. نعم! الساكن فوقنا أيضاً!‏

قالت غبريلا في نفسها:‏

يالخبث اللاشعور!‏

حنا مينة

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...