سرقة الآثار تنشط خلال الأزمة والتخريب يهدد بعضها بالزوال

02-01-2012

سرقة الآثار تنشط خلال الأزمة والتخريب يهدد بعضها بالزوال

مع بداية الأزمة التي تعيشها البلاد منذ منتصف شهر آذار الماضي، وجد لصوص الآثار ومخربوها فرصتهم الفريدة ليعبثوا وليخربوا بل يزيلوا كمّاً لا يستهان به من أوابدنا التاريخية، وهذا- وبحسب الصور والوثائق المتوافرة- بات يحدث كل يوم وبشكل مكثّف في وضح النهار، بعدما كان اللصوص يتلطون بجنح الليل قبل الأزمة لتنفيذ مآربهم..
 
هذا ما يؤكده فريق «التوثيق البصري لآثار سورية انطلاقاً من حوران» الذي انطلق عام 2007 ويقوم عليه ثلاثة شبان متطوعين يجوبون بكاميراتهم وروحهم المفعمة بالمسؤولية، مدفوعين بحلم لا يزالون يسعون إلى تحقيقه، ليصنعوا -حتى الآن- أرشيفا يضم عشرات الآلاف من الصور التي توثق عشرات المواقع الأثرية، والتي تظهر في أحيان كثيرة التغييرات التي طالت هذه المواقع خلال السنوات الأخيرة. وقد أسعفتهم لهذه الغاية أبرشية بصرى وحوران وجبل العرب للروم الملكيين الكاثوليك التي قدّمت صفحات «روزنامتها» السنوية إسهاماً في هذا المشروع وتعريفاً لأبناء البلد بآثار وحضارات أجدادهم.
ومن خلال اطلاعهم الدوري على وضع المواقع الأثرية في بعض المناطق السورية لمس هؤلاء الشبان مدى الإهمال وحجم التخريب اللذين تتعرض لهما هذه المواقع، إلا أن صرخاتهم لم تلق حتى الآن آذاناً مصغية، في الوقت الذي تتعرض فيه بعض المواقع الأثرية «يومياً، وبسرعة قياسية للسرقة والتخريب، لا بل في بعض الأحيان للإزالة الممنهجة والكاملة» كما يقول الشباب ، محذرين من أن تزول مع هذا الفعل روح المكان وذاكرته وفلسفته، والدليل القاطع على وجود إرث من سبقنا من أجدادنا الذين عاشوا قبلنا على هذه الأرض الطاهرة.

المسرح الكبير بالسويداء.. من المسؤول؟
يعود بناء المسرح الكبير بالسويداء إلى القرن الثاني الميلادي، وهو -بحسب المخطط الذي تم تصوره- يضاهي مسرح بصرى الشام قيمةً ومساحةً، ويقدر قطره بنحو 100 متر، إلا أن مدرجاته بقيت تحت الطريق المحوري الذي يخترق السويداء من شمالها إلى جنوبها، أما كواليسه فهي لا تزال ظاهرة للعيان على جانبي الشارع.
وفي اتصال مع الأب موفق العيد نائب مطران أبرشية بصرى وحوران وجبل العرب للروم الملكيين الكاثوليك، المشرف على مشروع «الروزنامة» بيّن أن الطريق المحوري أساء كثيراً إلى العديد من أوابد السويداء وخصوصاً أنه مرّ من فوق بعض الكنائس الأثرية دافناً إياها تحت التراب والإسفلت، مشيراً إلى أن نداءات الكنيسة للسلطات في السويداء لم تفلح، وأن أساليب تجار العقارات الملتوية الذين اشتروا الأراضي على جانبي الطريق قبل مدّه حالت دون حرف مساره بعيداً عن الأوابد، مضيفاً إن لجوء الكنيسة إلى «اليونسكو» لم يؤت بأي نتيجة لمنع هذه الجريمة. وأضاف الأب العيد: أن الأمل لا يزال حيّاً بأن يتم إصلاح ما اقترفته يد السوء بهذا الخصوص، معتبراً أن الإصلاحات التي تشهدها البلاد حالياً بقيادة الرئيس بشار الأسد يجب ألا تحيّد مثل هذه القضايا.

أوابد اللجاة في خطر محدق!
سميت اللجاة قديماً «تراكون»، وأطلق عليها الرومان اسم «تراخنيتس»، ولم يعرف حتى الآن زمن الاستيطان البشري الأول فيها، وهي منطقة صخرية وعرة وشاسعة تقع جنوب سورية,وقد أضافته «اليونسكو» عام 2009 إلى سجلها العالمي للمحميات الطبيعية.
ويتميز موقع «سَحَر» بمعطيات أثرية مهمة حول الدور الحضاري والديني الذي لعبته منطقة «اللجاة»، وتشير وثائق مديرية آثار درعا إلى أن الموقع يضم معبداً وثنياً ومدرجاً ومسرحاً، وقد وصفت المديرية المدرج بعد عمل بعثة فرنسية ألمانية سورية في الموقع منذ عام 1998 مشيرة إلى أن قطره يبلغ 20 متراً، وقطر الأوركسترا يتجاوز عشرة الأمتار، مضيفة أن الأوركسترا كانت مملوءة بردم الحجارة، والمدرج مؤلف من سبعة صفوف تفصل بينها ثلاثة أدراج شعاعية، ويوجد ثلاثة ممرات سفلية تصل إلى ساحة الأوركسترا»، فما وضع هذا المدرج اليوم؟.
المهندس عيسى المهنا، أحد الشبان المتطوعين لتوثيق آثار سورية، تحدث باسم فريقه، فقال: المدرج والمسرح في موقع «سحر» اللذين كانا قائمين عام 2009 تم تفكيك معظم حجارتهما قبل سرقتها وبيعها بهدف استخدامها في البناء، بالإضافة إلى تخريب وسرقة أوابد أخرى في الموقع.
وأضاف مهنا: ومن خلال عملنا، لاحظنا حجم الخطر الذي يهدد الكثير من أوابد اللجاة بالزوال، ونحن شهود على أن آثاراً كانت قائمة وحية منذ سنتين، لم يبق منها اليوم ما يدل على أنها كانت موجودة وعلى أن أهلها عاشوا هنا، مبيناً بالقول: لا نتكلم هنا عن هدم الآثار مع أن هذا مصيبة، ولكن المصيبة الأكبر التي نقصدها هي الإزالة.
وتابع مهنا بالقول: ما حدث في سحر يحدث كذلك في «المسيكة» هذه المملكة الأثرية الشاسعة المنسية التي خصصت بلدية إزرع جانبي الطريق إليها كمكب للنفايات، وهي تتعرض يومياً للسرقة وتُفكك حجارتها وقناطرها لتباع بسعر ألفي ليرة للنقلة الواحدة، بهدف بناء قصور للأثرياء، وهي التي لا تقدر بثمن إذا نظرنا إلى ما تحمله من إرث وفلسفة وروح، والأهم من ذلك كله أن ذاكرة المكان تُمسح بشكل ممنهج وساذج في الوقت نفسه، وأن هذه المملكة تخسر كل يوم شيئاً من نسيجها التاريخي المتكامل. وأشار مهنا إلى أن عشرات المواقع الأثرية المنتشرة في منطقة اللجاة معرضة لخطر السرقة والزوال ولاسيما في المناطق الساخنة «أمنياً» حيث وجد السارقون والمنقبون والمخربون فرصتهم للعبث والتخريب والسرقة، بحيث تتعرض اليوم آثارنا لجريمة ممنهجة كانت تتعرض لها قبل الأزمة في ظل إهمال الجهات المختصة بهذا الشأن، واليوم في ظل غيابها عن الساحة نهائياً.
ووجه مهنا باسم فريقه نداء إلى الجهات المعنية لتضطلع بدورها لحماية الآثار مهما كلف ذلك من ثمن، وذكر أنه منذ سنوات سقط أحد القصور الرومانية الأثرية المتداعية في منطقة اللجاة نتيجة عاصفة شديدة، وللأسف لم يُعثر على أي صورة توثق ذلك القصر فذهب طيّ النسيان بعدما ظلّ شامخاً قرابة الألفي سنة. معتبراً أن الجهات المعنية بالآثار تركز فقط على الآثار البارزة مع أن هناك آثاراً غير بارزة هي على درجة عالية من الأهمية، فحنية الكنيسة الأثرية في المسمية، تلك التحفة الفنية الرائعة التي تعود لعهد المسيحية الأول لا تزال منذ سنتين مرمية على قارعة الطريق بعيداً عن موقعها الحقيقي، بعدما أنقذها أهل المسمية من السرقة واسترجعوها من براثن السارقين.7

باسم الحداد

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...