سوق الجمعة... «مول» فقراء اللاذقية

06-07-2016

سوق الجمعة... «مول» فقراء اللاذقية

على جانب الطريق، ووسط ازدحام شديد، يجلس طفل لم يبلغ بعد عامه العاشر فارداً أمامه كيساً كبيراً يعرض عليه بعض الخردوات والأدوات المستعملة. يمضغ الطفل الذي يعرّف عن اسمه بنور علكةً، ويضع على رأسه قبعةً مهترئةً تقيه بعض الشيء من حرّ الشمس. يقول نور: «أعرض بعض الأشياء التي لا نستعملها في المنزل للبيع علّ ثمنها يساعدنا في هذه الحياة». يشرح نور الطفل بمظهره الرجل بتفكيره وفلسفته للحياة «هنا في سوق الجمعة يمكنك بيع أي شيء، وشراء كل ما تحتاجه بأسعار بخسة جداً، خصوصاً في ظلّ هذا الغلاء الكبير».من سوق الجمعة في اللاذقية («السفير»)
وسوق الجمعة هو سوق أسبوعي أشبه بتجمع كبير يقع على طرف اللاذقية الشرقي ويشغل كلّ الشارع الممتد من شارع الحسيني وحتى شاليهات المدينة السياحية الجنوبية على طول نحو 2 كيلو متراً، وتحتل معروضاته طرفي الأوتوستراد الغربي والشرقي. يستقطب السوق شرائح مختلفة من المجتمع حيث يشكل بديلاً حقيقياً عن الأسواق التجارية نظراً لتنوع المواد الموجودة فيه ولأسعاره المنخفضة كون معظم المعروضات من الأدوات المستعملة، كما يشكل مقصداً لمن لديهم هوس بشراء الخردة والأنتيكا والاحتفاظ بها أو تصليحها.
على بعد خطوات من «نور» يجلس رجل في الخمسين من عمره تراكمت حوله مجموعة من الكتب المستعملة المتنوعة والكتب المدرسية والعلمية ومجموعة أخرى من «السيديات»، ينظر الرجل تارةً إلى السوق المزدحم وتارةً أخرى إلى الكتب المتناثرة أمامه، يقول: «أعمل حارس بناية، يرمي الناس كتبهم على اختلافها فأقوم بجمعها من أبنية عدة، الكتب المدرسية والجامعية إن وجدت في المكتبات يكون سعرها مرتفعاً، هنا الأسعار أرخص للطلاب»، ويضيف: «أجرة حارس البناية لا تكفي مصروف يومين لأسرة هذه الأيام فأضطر للعمل في العديد من الأمور، منها البيع الأسبوعي هنا».
ولا يقتصر السوق على عمليات البيع والشراء حيث يحضر الكثير من الأشخاص لقضاء يوم العطلة كله مع أطفالهم والتجول بين الناس، وشراء بعض الأغراض، واصطحابهم إلى الحديقة المجاورة للسوق. على امتداد منتصف الطريق تتناثر أكشاك وبسطات وعربات عدة تحتوي كل ما يرغب به المشتري من البراغي إلى الأدوات المنزلية والحيوانات الأليفة، ما يعطي السوق البسيط طابعاً كرنفالياً مميزاً.
على جانب أحد المنصفات الممتدة على طول شارع كامل في مدينة اللاذقية، تجلس طفلة لم تتجاوز ربيعها الخامس على «مسجلة قديمة» بقربها أحد أشقائها يلاعب عصفوراً في قفص تتناثر حولهما مجموعة ملابس بالية وقفص حديدي تستلقي بداخله قطة من قطط الشوارع يراقبها طفل آخر، قبل أن تهرب منه وينشغل الجميع باللحاق بها.
بعيداً عن الازدحام يجلس رجل وامرأة تحت ظل شجرة يتفقدان مشترياتهما، يقول الرجل «هذه المرة الثانية التي آتي بها إلى السوق، نحتاج بعض الأغراض للمنزل، البضائع في السوق أصبحت باهظة الثمن، الأسعار هنا مقبولة، خصوصاً في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار». وتقدّر دراسات عديدة متوسط الدخل الذي يكفي لحياة مماثلة مقارنة بما قبل اندلاع الحرب في سوريا بنحو 175 ألف ليرة سورية (نحو 400 دولار) في حين لا يتجاوز متوسط الرواتب 100 دولار شهرياً». يتابع الرجل بنبرة تحمل بعض النصح «تحتاج هنا إلى الكثير من الوقت في البحث عما يصلح للاستخدام، فالأشياء الرخيصة غالباً ما تكون رديئة».
ويقول باسم وهو أحد الرواد الدائمين للسوق: «حالة التجمع البشري الدوري كل أسبوع في سوق الجمعة تحقق محفزاً للفعاليات التي تبيع المأكولات الشعبية، وسوقاً لتصريف «ستوكات المعامل» حيث تباع بأرخص من ثمنها الحقيقي»، ويتابع «كان هذا السوق يمثل في فترة ما قبل الحرب حالة تجارية تخص شريحة بسيطة من المجتمع، أما الآن فأصبح سوقاً ضخماً يرتاده المواطنون على اختلاف شرائحهم المجتمعية».
سوق الجمعة انعكاس قلق للوضع الحالي، فيه من الأشخاص من يبيعون أغراض بيوتهم ليستمروا في العيش، ومن البائعين من يتاجرون ببضائع مسروقة، وقد يتعرض البعض فيه للاستغلال، كما يمثل للكثيرين مصدر دخل إضافي، لكن بالرغم من كل هذا هنالك من ينتظر يوم الجمعة للنزول إليه من بائعين يوزعون بضائعهم أو مشترين يتجولون بين هذه الأقسام وكأنهم في «مول تجاري» يغلب عليه الطابع الشعبي الفقير.

نينار الخطيب

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...