عمدة الصفوة في مشروب القهوة

19-10-2006

عمدة الصفوة في مشروب القهوة

يسجل التاريخ صفحات مليئة بالأساطير الغريبة، والوقائع العجيبة عن هذا المشروب المسمى نباته ( البن)، وظل الناس يتناقلونها عبر الزمن، دون أن يكون لهم في ذلك سند أودليل، فمثلاً تروي إحدى الأساطير أن راعياً اسمه ( كلدي) بينما نقل أن النبي داود هو أول من وقف على خواص ثمر هذه الشجرة ، وذهب بعضهم الى القول بأن رئيس أحد الأديرة بالجزيرة العربية هو أول من استدل على قوة ثمرة البن، ذلك أنه خرج يوماً الى الصحراء فرأى قطيعاً من المعزى كان يرعى بعضها أغصان شجرة فتنشط بأكلها وتمرح وكانت هذه الشجرة ( شجرة البن) فاستدل بذلك على ما لحبوبها من القوة في الوقت الذي لم يكن أهل عدن واليمن لا يعرفون غير منقوع ( الكفته) أي منقوع أوراق القات، يحدثنا التاريخ أن أول من أكل حب البن نيئاً ( غير مغلي) هم الأحباش، ثم تطور الأمر عندهم فباتوا يشربون منقوع (حب البن) وظل الأمر محصوراً في الحبشة حتى أواسط القرن التاسع للهجرة، حيث تذكر المصادر التاريخية  ظهور وشيوع شراب منقوع القهوة في اليمن على يد الشيخ الامام جمال الدين أبي عبد الله بن سعيد الذبحاني المتوفى سنة 875 هـ، ويروي كيف حدث ذلك الشيخ محمد بن عبد القادر الجزيري الحنبلي في مقالته (عمدة الصفوة في حل القهوة) حيث يقول: (لما تولى وظيفة تعليم الفتاوى في عدن عرض له أمر اقتضى خروجه من عدن الى برعجم أي ( برافريقية) فأقام به مدة فوجد أهله يستعملون القهوة ولم يعلم بخاصيتها ثم عرض له لما رجع الى عدن، مرض ، فذكرها فشربها فنفعته، فوجد فيها من الخواص أنها تذهب النعاس والكسل ، وتورث البدن خفة ونشاطاً، ثم صار الصوفيون يستعينون بشربها على السهر، فتتابع الناس والفقهاء والعلماء هناك على شربها فانتشرت في اليمن ثم انتقل استعمالها الى بلاد الحجاز ثم الشام ومصر وسائر البلاد.
 والقهوة في الأصل هو اسم من أسماء الخمرة، ومن طريف ما روي في هذا الخصوص أن بعض الفقهاء الذين حللوا شرب القهوة، قالوا: إن منقوع البن هو( القهوة) بكسر القاف، وليس ( القهوة) المفتوحة القاف، التي هي الخمرة.
 أما كيف انتقلت القهوة الىأوروبا فتشير دائرة المعارف الاسلامية  الى ان انتشار القهوة في استنبول وبلاد الروم كان في عهد السلطان سليمان، وأن أول مقهى أسس في استنبول كان لرجلين أحدهما حلبي والثاني دمشقي وذلك في سنة (962هـ) وقد كان يجتمع في هذا المقهى الاعيان والادباء لشرب القهوة، حتى دعي هذا المكان باسم (مدرسة العلماء) أما عن تاريخ وصول القهوة الى اوروبا فقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ وصولها الى اوروبا، ولكن الراجح أنها وصلت في أوائل القرن السابع عشر الى هولندا ومنها تفرقت الى اوروبا، وفي عام 1717م انتقلت الى امريكا، وقد لاقت القهوة على مر الايام رواجاً كبيراً فأصبحت من السلع التجارية المهمة التي تستوردها اوروبا آنذاك، وبات اسمها يعرف في اوروبا والعالم باسمها الغربي (coffee) ، ومن طريف ماروى لنا المرحوم الاستاذ يوسف غنيمة عن تاريخ شرب القهوة لأول مرة في باريس (أن السلطان محمد الرابع أرسل سفيراً عام 1669 م الى لويس الرابع عشر ملك فرنسا وعهد هذه المهمة الى ( مصطفى آغا- ليمان راجي باشا) وعندما وصل أراد ان يقيم حفلة على النمط الشرقي ففرش محلاً في الشارع الذي يقطنه العثمانيون بالاثاث الشرقي والطنافس الفارسية، فتقاطر الاوروبيون الى هناك افواجاً ، وزاد عجبهم عندما شاهدوا عبيد السفير يدخلون وبأيديهم صواني صغيرة وشرعوا يقدمون للحاضرين مشروباً أسود اللون، مرّ المذاق يتصاعد منه الدخان فأخذ المدعوون يتهامسون عما يكون هذا المشروب، فعرفوا أنها القهوة، وبعد مدة من الزمن أنشأ أحد المهاجرين الشرقيين في باريس في منطقة (القديس جرمان) مقهى، ثم وسع دائرة شغله، فشاع منذ ذلك الوقت شرب القهوة في سائر الاقطار العربية .
 بقي العرب يشربون القهوة( مرّة) ولم يضيفوا إليها شيئاً إلا حب الهال أو الهيل بينما أخذ الاوروبيون والامريكيون يشربونها، كما نشرب نحن الشاي وبذلك صار للقهوة اسمان القهوة العربية أو التركية والقهوة الافرنجية أو ما تعرف عندنا بالعامية ( نسكافة).

غيد الياس بيطار

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...