ما هي خلفيات تصريح السفير الأمريكي في بغداد حول تأجيل استفتاء كركوك

18-08-2007

ما هي خلفيات تصريح السفير الأمريكي في بغداد حول تأجيل استفتاء كركوك

الجمل:     تعتمد الأغلبية العظمى من الحركات الكردية العراقية، وغير العراقية، على التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل في تنفيذ اجندتها المتعلقة بفصل المناطق المأهولة بالسكان الأكراد في العراق وتركيا وبقية دول المنطقة من أجل إقامة كيان دولة كردستان.
ولكن في تطور مفاجئ، أعلن السفير الأمريكي في بغداد وعلى غير العادة بأن الاستفتاء المتوقع إجراؤه خلال الأشهر القادمة لتحديد مصير مدينة كركوك العراقية الغنية بالنفط على الأرجح أن لا يتم إجراؤه حسب الجدول الزمني المحدد.
• خلفيات تصريح السفير الأمريكي:
عمدت الإدارة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل إلى إفراغ المناطق العراقية الشمالية من سلطة الدولة المركزية، وذلك على النحو الذي أدى إلى نشوء ظاهرة فراغ القوة والسلطة في مناطق شمال العراق، وبالضرورة تحركت الحركات والقوى الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة وإسرائيل لملء هذا الفراغ، وإقامة نظام أمني- سياسي خاص بها، بحيث أصبحت منطقة شمال العراق تحت سيادة محور الملا مصطفى البرازاني وجلال الطالباني، وأصبحت القوى المسيطرة على هذه السيادة تتمثل في أقارب البرازاني والطالباني، والمقربين إليهما.
تصريح السفير الأمريكي لم يأت اعتباطاً ولا من قبيل المزاح، وإنما بسبب العديد من العوامل الداخلية والخارجية المتعلقة بالوضع العراقي:
- العوامل الداخلية:
أ‌- فشل حكومة نوري المالكي في القيام بتنفيذ النقاط التي سبق ان حددتها استراتيجية بوش حول العراق، باعتبار مسؤولية تنفيذها تقع على عاتق حكومة نوري المالكي، والنقاط هي: إجراء انتخابات أجهزة الحكم المحلي، إقرار قانون اقتسام عائدات النفط، تعديل قانون اجتثاث البعث، تعديل الدستور العراقي، إنفاق الأموال المخصصة لإعادة التعمير والبناء.
ب‌-  تزايد المعارضة والمقاومة الشيعية للاحتلال الأمريكي.
ت‌-  المخاوف من نشوء تحالف شيعي- سني.
ث‌-  فشل خطة أمن بغداد.
ج‌-  فشل محاولات إنجاز التسوية والمصالحة الوطنية.
ح‌-  فشل العملية السياسية العراقية بسبب انسحاب المزيد من الوزراء والأعضاء من البرلمان العراقي.
- العوامل الخارجية:
عوامل إقليمية: ومن أبرزها الموقف التركي الذي أصبح أكثر تشدداً ضد الحركات الكردية والمزايا الواسعة الصلاحيات التي تتمتع بها حكومة إقليم كردستان ورفض الأتراك القاطع لـ:
* وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
* قانون النفط العراقي.
* تقسيم العراق.
* ضم منطقة كركوك الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان.
كذلك هناك عوامل خارجية أخرى تتمثل في تعثر محاولات الإدارة الأمريكية إقناع دول الجوار الإقليمي للعراق بالتعاون معها في استقرار العراق على النحو الذي يؤدي لاستمرارية الوجود والاحتلال العسكري الأمريكي.
• تصريح السفير الأمريكي بين المعلن وغير المعلن:
تستخدم كل دول العالم التصريحات الدبلوماسية من أجل بث بعض (الرسائل) المحددة إلى الأطراف المعنية، وقد برع سفراء الولايات المتحدة في هذا النوع من الرسائل.
القراءة المتأنية لتصريحات السفير الأمريكي تشير إلى الأتي:
- من الناحية المعلنة:
أ‌- لفت نظر الأتراك إلى أن أحد مطالبهم المتعلقة بالعراق سيتم تنفيذه.
ب‌-  لفت  نظر الأكراد إلى أن عليهم إبداء المزيد من المرونة وعدم التشدد في اجندتهم المتعلقة بإقليم كردستان.
ت‌-  لفت نظر الإيرانيين إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى لتقسيم العراق.
ث‌-  لفت نظر الدول العربية أيضاً إلى أن الولايات المتحدة سوف لن تسعى لتقسيم العراق.
ج‌-  لفت نظر حكومة المالكي إلى ضرورة تعزيز ثقتها في سلطات وقوات الاحتلال الأمريكي.
- من الناحية غير المعلنة:
أ‌- دفع الأتراك إلى النظر في تأجيل عملية اقتحام العراق، والالتزام بالتعامل مع الإدارة الأمريكية في كافة المسائل المتعلقة بـ(ملفات) شمال العراق. وإذا نجحت الإدارة الأمريكية في إقناع حكومة حزب العدالة والتنمية بأنها سوف تكون من الجهة الأخرى قد ساعدت في رفع التوتر بين حكومة  أردوغان والمؤسسة العسكرية التركية، على النحو الذي يضر بموقف عبد الله غول مرشح حزب العدالة والتنمية للرئاسة، وذلك لأن آخر المعلومات تقول بأن المؤسسة العسكرية التركية قد توصلت إلى صفقة مع رجب طيب أردوغان، تقوم على أساس اعتبارات أن يقوم الجيش التركي باقتحام شمال العراق مقابل التخلي عن معارضة ترشيح عبد الله غول للرئاسة، وبالتالي فإن قيام أردوغان بأي تباطؤ إزاء قيام الجيش التركي بتنفيذ عمليته العسكرية في شمال العراق، سوف يترتب عليه (انفراط عقد) الصفقة بين أردوغان والمؤسسة العسكرية.
ب‌-  دفع الحركات الكردية، وحكومة كردستان الإقليمية إلى المزيد من التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل وذلك بتقليل العلميات ضد تركيا، وتأجيل أجندتهم المتعلقة بالمشاكل العراقية مثل: ضم كركوك، وقانون النفط وخلافها، والعمل على قدم المساواة مع القوات الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي على تعزيز وتدعيم العلميات العسكرية التي يقوم بها حزب الحياة الحرة الكردي ضد إيران، باعتبارها تمثل الجانب الأكثر أهمية في الوقت الحالي، وقد قامت الولايات المتحدة بمساعدة الحركات الكردية في تسليح حوالي 150 ألف عنصر كردي يمثلون حالياً قوام قوات البشمركة الكردية، وبرغم توزع انتماءاتهم ضمن الفصائل الكردية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني (العراق)، الاتحاد الوطني الكردستاني (العراق) حزب العمال الكردستاني (تركيا)، حزب الحياة الحرة الكردستاني (إيران) وغيرها، فإن إدارة بوش تطمع حالياً في تخفيف الضغوط الكردية ضد تركيا والعراق، على النحو الذي يجعلها تقلل من توتر علاقاتها مع الأتراك والعراقيين، وفي الوقت نفسه تجد الفرصة لاستغلال جيوش البشمركة الكردية في فتح جبهة حرب أهلية إيرانية- كردية في مناطق شمال غرب إيران.
ت‌-  تحسين صورة الاحتلال الأمريكي للعراق، وبالذات الصورة المشوهة الحقيقية التي جعلت البلدان العربية الحليفة لأمريكا تفهم وتدرك بأن سلطات الاحتلال الأمريكي تقوم بتنفيذ برنامج مشروع تقسيم العراق بشكل تدريجي يتم وفق سياسة الخطوة خطوة، وتنفيذ استراتيجية الاقتراب غير المباشر من لحظة تقسيم العراق، وذلك عن طريق إتاحة الظروف والشروط التي تدفع باتجاه التقسيم، ثم تترك للزعماء الانفصاليين العراقيين مثل البرازاني والطالباني وعبد العزيز الحكيم تكملة بقية المشوار وصعود ما تبقى من عتبات الدرج المؤدي لتقسيم العراق.
أدركت السعودية وبقية دول الخليج المتحالفة مع أمريكا أبعاد المخطط الامريكي الهادف لتقسيم العراق، وبدأت هذه الدول في تطبيق استراتيجية التعامل مع أمريكا بنفس أسلوب استخدام الوجهين والمعايير المزدوجة الذي تستخدمه إدارة بوش، وتقوم حالياً هذه الدول بالموافقة على الشروط من جهة، ولكنها تعرقل التنفيذ متذرعة بالكثير من المبررات والذرائع ذات الطابع الإجرائي والخاص، وقد تعرضت العلاقات السعودية- الأمريكية لبعض التوترات من جراء مهاجمة بعض المسؤولين السعودية واتهامهم للسعوديين بالتقصير والتباطؤ في دعم الجهود الأمريكية الهادفة لاستقرار العراق، والسماح للمسلحين وشحنات الأسلحة وحملة التبرعات بعبور الحدود لمساندة المتمردين السنة في القتال ضد القوات الأمريكية.
وعموماً، ينظر الزعماء الأكراد مثل البرازاني، والطالباني، إلى استفتاء كركوك باعتباره الخط الأحمر، الذي لن يقبلوا بتاتاً بأي مساومة حوله، وإذا كان ذلك كذلك فهل يا ترى تصريحات السفير الأمريكي تهدف إلى خلق الخلافات ودق اسفين التوترات في العلاقات الكردية- الأمريكية- الإسرائيلية، العميقة الجذور، وذلك على النحو الذي يمكن التساؤل معه: هل قررت الإدارة الأمريكية وإسرائيل الوقوف إلى جانب تركيا، حليفهم الرئيسي في المنطقة، والتخلي عن الورقة الكردية وتركها تواجه محرقة الجيش التركي المتأهب للاقتحام والدخول إلى شمال العراق.. وبالتالي تكون أمريكا وإسرائيل قد شرعتا عملياً في مخطط إدارة الظهر إلى الحركات الكردية التي استنفدت أغراضها، ولم تعد ثمة حاجة إليها بعد أن استطاعت إدارة بوش بفضل مساعداتها من احتلال العراق، ووضع ثرواته تحت تصرف الشركات الأمريكية والبنتاغون والبيت الأبيض الأمريكي.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...