مار جورجيوس أم الخضر الأخضر يجمِّع المسلمين والمسيحيين معاً؟

18-05-2007

مار جورجيوس أم الخضر الأخضر يجمِّع المسلمين والمسيحيين معاً؟

يعمل الفلسطينيون يدفعهم التحدي، على إحياء أعياد وطقوس ومناسبات شعبية، كاد الاحتلال يطمسها وإلى الأبد. وفي الأسبوع الأول من الشهر الحالي، اجتمع مسلمون ومسيحيون حول ما يسمونه مارجورجيوس او الخضر الأخضر، وأقاموا احتفالهم المشترك. كل هذا يبدو عادياً، لكن المثير في هذا العيد هي شخصية القديس او الولي الذي يبدو ان الالتباس حوله هو أكبر من أن يفسر أو يفهم، ومع ذلك فهو يجمع الفلسطينيين في مناسبة غريبة طقوسها.
يسعى الفلسطينيون، لإعادة الاعتبار لاحتفال شعبي ديني تقليدي، هو عيد القديس جورجيوس، والمعروف شعبيا باسم "الخضر الأخضر"، رغم المصاعب التي تحول دون ذلك. ويعرف هذا القديس أو الولي بصورته الشائعة، وهو على حصان يقتل التنين بحربة طويلة، وينقذ فتاة حسناء.
يصادف العيد يومي 5 و6 مايو (أيار) من كل عام، ذكرى مقتل جورجيوس على يد الرومان. وقد حالت ظروف الحصار على بلدة الخضر، جنوب القدس، التي توجد فيها كنيسة باسم القديس جورجيوس، خلال السنوات الماضية دون إحياء هذا الاحتفال، الذي تجدد منذ عامين.
وأقامت إسرائيل إحدى اكبر المدن الاستيطانية على أراضي بلدة الخضر، وأحاطتها بشوارع التفافية لضمان مرور آمن للمستوطنين إلى القدس، كما سيطرت خلال انتفاضة الأقصى على التلال المحيطة بها ووضعت عليها نقاطاً عسكرية. وتحولت البلدة حينها إلى ما يشبه ساحة حرب، وتصدر اسمها، في مرات كثيرة، نشرات الأخبار بسبب سقوط أعداد متزايدة، من الفلسطينيين، معظمهم من القاصرين برصاص جنود الاحتلال، في حين شهدت الحواجز العسكرية المحيطة بالقرية حالات ولادة لنساء فلسطينيات لم يسمح لهن بالوصول إلى المستشفيات، من بينهن واحدة على الأقل قضت على الحاجز أثناء الوضع.
ويشارك في الاحتفال بذكرى الخضر الأخضر، مسلمون ومسيحيون، وفاءً لنذور كانوا قطعوها سابقا من اجل هذا الولي، وتذبح الخراف، وتسير كثير من النساء الفلسطينيات حافيات من المدن والبلدات القريبة إلى مقام القديس الشعبي الذي يحظى باهتمام واسع في فلسطين ودول عربية أخرى. وتحتفل بالعيد الطوائف المسيحية التي تسير حسب التقويم الشرقي، وأقيم قداس احتفالي كبير، هذه السنة، بمشاركة كهنة ورجال دين ومواطنين عاديين. وتولى شبان من نشطاء الطوائف المسيحية تنظيم الاحتفالات، في تقليد معمول به منذ سنوات طويلة، ووقف هؤلاء الذين ينحدرون من الريف المحيط بالمقام، ولديهم اعتزاز كبير بهويتهم العربية يحرصون على اظهاره، محاولين إضفاء طابع شعبي مميز على العيد، واعادة بعض ألقه الغابر. وجرت طقوس للتعميد، وتم إشعال الشموع، بينما وقف كثير من النساء وبينهن عدد من صغيرات السن، بخشوع أمام صور الخضر الأخضر، يبثونه شكواهن، ليساعدهن في حمل بعض همومهن.
ويحظى الخضر الأخضر أيضا باهتمام سياسيين ورجال أعمال، ومثقفات يساريات، يجدون في المقام فسحة للتصالح مع النفس. ووراء زجاج إحدى الأيقونات تظهر صور وضعها أصحابها تبركا، من بينها صور لشخصيات عامة من المسلمين والمسيحيين، لم يجدوا افضل من "سيدنا الخضر" كي يطلبوا منه توفيقا ليحافظ على مناصبهم.
وتسمع في المكان صيحات (يا خضر..اخضر) أو (يا..سيدنا الخضر)، وانتشر تجار صغار على امتداد الشارع الضيق المؤدي إلى الكنيسة، يبيعون طبلات صغيرة ومنوعة للأطفال بالإضافة إلى الفول السوداني والعاب ومصنوعات من خشب الزيتون.
ولكن كل هذا لا يعيد للعيد مجده السابق كما تقول حنان احمد (38 عاما) وتضيف "في السابق كنا نأتي منذ الصباح، ونحضر طعامنا معنا ونمضي يوما كاملا هنا، ولكن الأمر الآن مختلف". ويقول الياس السرياني، وهو مسيحي مكنى باسم (ابو عمر) تعبيرا عن اعتزازه واحترامه للاسلام ومواطنيه المسلمين: "الخضر الاخضر هو القديس الشعبي في فلسطين، وذكراه، مثل مناسبات اخرى، يحييها مسلمون ومسيحيون، في تقليد مشترك لا احد يعرف متى بدأ، وربما تكون لهذه الاعياد التي عادة ما تأتي في الربيع احتفاء به، جذور تعود إلى ما قبل الاديان التوحيدية".
ولا يمضي زوار المقام في عيدهم وقتا طويلا، وتكاد تقتصر طقوسهم على إشعال الشموع، وتمرير سلاسل في رقابهم وايديهم، في محاكاة لمعاناة القديس جورجيوس، ويفضل الكثير منهم العودة إلى منازلهم سيرا على الأقدام كما جاءوا خصوصا النساء.
ويزور الدير مسلمون ومسيحيون على مدار العام، لتقديم نذور، ويوجد في الدير محراب مسجد دلالة على أن جزءاً منه، استخدم من قبل المسلمين الذين يشكلون جميع سكان بلدة الخضر باستثناء رجل دين يوناني هو المشرف على الدير، والذي يستقبل يوميا مقدمي النذور لقديسهم المحبوب، حيث يعتبر احترام الأولياء من السمات المؤثرة في الوعي الجمعي الفلسطيني، مهما كانت ديانة أو هوية الأولياء.
وقال المشرف على الدير عن حقيقة هذا القديس أو الولي الذي يكتسب كل هذه الأهمية لدى الفلسطينيين: "مار جورجيوس قديس فلسطيني ولد سنة 275 ميلادية، في فترة الحكم الروماني، في مدينة اللد، وطلب منه الملك الروماني تغيير دينه، خصوصا وانه كان جنديا في الجيش الروماني، ولكنه رفض معتزا بمسيحيته وتم تعذيبه نتيجة لموقفه، وعرفه الناس بإيمانه القوي وعجائبه.
وعن صورة مار جورجيوس الشهيرة والمحببة لدى العامة، وهو يقتل التنين وينقذ فتاة جميلة، والتي تعلق في البيوت أو تنقش على حجارة وتثبت على البنايات، قال المشرف على الدير "الحادثة وقعت في قرية سورية على الحدود التركية، حيث كان لكل بلد أو مدينة ملك، وكان في هذه القرية نبع مياه يشربون منه ويخرج في الموقع تنين يلتهم الشبان والشابات، واتفق الملك مع وجهاء القرية أن يقدم كل واحد منهم ابنه، والملك ابنته بالدور للتنين لاتقاء شره وتحييد خطره، كي يستطيعوا الوصول للمياه. وعندما جاء الدور على ابنة الملك وكانت جميلة، ذهبت إلى الموقع بثياب العروس، ولكن مار جورجيوس جاء فورا على حصانه ورآها تبكي، فسألها عن سبب بكائها دون أن تعرف هويته. وعندما عرف قصتها طمأنها، وفور ظهور التنين قتله وانقذ الأميرة".
وتضفي هذه القصة صفات على القديس الشعبي، تجعل حضوره اكثر تأثيرا في الوعي الجمعي، ويشير المشرف على الدير، انه بعد قتل مار جورجيوس دفنت جثته في مدينة اللد الفلسطينية، بدون الرأس، وقبره موجود هناك حتى الآن.
وحول علاقة مار جورجيوس بالخضر، لا يرى المشرف على الدير أية علاقة، مشيرا إلى أن هناك خلطا لدى الناس، لانه عندما سأل عن ذلك، وجد أن الخضر المذكور في الديانة الإسلامية عاش قبل المسيح، بينما مار جورجيوس ولد بعد المسيح ومعروف تاريخ ومكان ميلاده.
وهو يرحب بالجميع من مسلمين ومسيحيين، يأتون للصلاة ويوقدون الشموع، وينذرون النذور التي تتفاوت من تقديم الخرفان والأموال والمكانس وأدوات التنظيف للدير أو الزيت وغير ذلك من أطعمة أو تبرعات عينية.
وعن سبب وجود الكنيسة والدير في بلدة الخضر، يقول المشرف على الدير بان أحد رجال الدين فكر ببناء كنيسة لمار جورجيوس في بيت لحم، وفيها التقى برجل مسلم عرف غايته، فأخبره الأخير بأنه يعرف مكان منزل والدة مار جورجيوس وقاده إلى بلدة الخضر حيث وجد آثارا تدل على ذلك. واشترى رجل الدين الأرض وبنى الكنيسة، ولكن الكنيسة الحديثة بنيت عام 1912م، ويعتقد المشرف عليها بان الكنيسة القديمة لا يقل عمرها عن 350 عاما، وتوجد أيقونات تعود لعام 1713 وأخرى لعام 1838، ويعتقد بأن والدة مار جورجيوس سكنت في هذا المكان بعد خروجها من اللد، وتم بناء كنيسة في المكان في العصر البيزنطي.
وكانت بلدة الخضر طوال قرون، محطة لطريق القوافل بين مدينة عسقلان على البحر الأبيض المتوسط ومدينة القدس، ويوجد فيها مبنى قديم متداع يطلق عليه (البوبرية) يعتقد انه استعمل كمنزل أو خان تستريح فيه القوافل. ورغم التغييرات التي طرأت على المكان، الذي عرف غزاة وفاتحين ورحالة ومستشرقين وباحثين وحجاجا، فان الفلسطينيات، وفي كل عام، يسرن حافيات إلى المقام المقدس، حاملات في داخلهن أمنياتهن وأحلامهن بالحرية والانعتاق لا تعرف حدودا، رغم القيود والجدران التي تقترب اكثر فأكثر من مقام الولي المحبوب.

القدس: أسامة العيسة
المصدر: الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...