مختارات من الشعر العربي المعاصر

06-01-2007

مختارات من الشعر العربي المعاصر

صدر أخيرا كتاب "مختارات من الشعر العربي المعاصر" ضمن "منشورات الحركة الشعرية"، هو الأول ضمن سلسلة سنوية تسعى الى رصد الحراك الشعري العربي الجديد وتوجهاته وآماله وأسئلته الأكثر إلحاحاً. الشاعران تيسير الناشف وقيصر عفيف حرّرا الكتاب وانتقيا الشعراء المشاركين وعددهم تسعة وخمسون شاعراً من شتى البلدان العربية ومن الشعراء العرب المقيمين في المهجر وتم تقديم قصيدة واحدة لكل منهم.
رغم النواقص الواضحة في الكتاب من حيث غياب بعض الأسماء الشعرية المهمة والجوهرية في المشهد الشعري العربي المعاصر، من اللافت أنه يرسم فسيفساء لبعض أحوال شعرنا العربي. ففي المجموعة مساحات واسعة من الاختلاف والتمايز عبر تجارب متألقة وأخرى عادية، فيها شعراء صغار السن وآخرون تقدموا في الحياة ولم يفقدوا من نضارة أرواحهم شيئاً، فيها اتجاهات متضاربة ومتقاربة ومتعاكسة أحياناً، فمن أقصى حدود الرؤيوية حتى أقصى تخوم الشفوية ورصد اليومي، ومن تعدد الأصوات والحيوات أيضاً في بعض النصوص وصولاً الى الصوت المفرد الحاد أو الهامس في أخرى، ومن أقصى حدود الترميز إلى الخطابة والمباشرة.
يُصدَم قارئ هذه المختارات بعدد من الأسئلة والأفكار، فبعد أن يلاحظ الكثافة العالية لشعراء المهجر في المجموعة يكتشف أن أسئلتهم وتجاربهم في هذه المجموعة لم تتمايز كثيراً عن الشعراء المقيمين في بلدانهم، ومن الصعب تحديد سبب ذلك، فهل هو ناجم عن الذاكرة الساخنة التي تحضر دائماً في أرواح الشعراء المهجريين كلما دهمهم الشعر، وخصوصاً عندما يضطرون الى مغادرة أوطانهم نحو المنافي مثلما نجد في شعر صلاح حسن ومحسن الرملي والغائب كمال سبتي.
معظم الشعراء المهجريين في هذه المجموعة ولدوا وعاشوا في أوطانهم الأم ثم سافروا في مراحل الشباب، وبالتالي تكونت ذاكراتهم الحسية هنا في الداخل. وعلى الجانب الآخر، نلاحظ وجود شعور طاغٍ بالغربة واليأس في شعر الأدباء المقيمين في بلدانهم بحيث ينتقل المنفى الى الداخل وتصبح الأسئلة أكثر قسوة، والإجابات عنها أكثر وعورةً، في ظل غياب حراك مجتمعي يكون الشعر جزءاً حيوياً منه. يظهر ذلك بشكلٍ أوضح عند الشعراء الشباب، ومن ذلك مقطع للشاعرة اليمنية سوسن العريقي مثلا: "الموجة التي يسكنها الحب/ الموجة التي تحلم/ بمعانقة الشاطئ/ الموجة التي تندفع بتهورٍ/ هل تعي أنها ذاهبة/ إلى حتفها؟!".
في المقابل ثمة تجارب في المجموعة يحضر فيها المهجر ببعده الغريب في داخل الوطن وخارجه، فنحس أننا نقرأ شعراً مترجماً إلى العربية وليس شعراً عربياً، حيث يتم التعامل مع اللغة بروح لا تختلف كثيراً عن تلك الموجودة في النصوص السوريالية الفرنسية المترجمة. الاستنتاج نفسه نستشفه في الشكل لا المضمون فقط، فمثلاً هناك الكثير من اللعب على اللغة خارج سياقها التقليدي، عبر التقديم والتأخير والتعامل مع المفرد والجمع والسرد المفكك عمداً، والكثير من التفاصيل الأخرى. هذا لا يعني إطلاق حكم قيمة في حق التجربة، بل هو انطباع حول علاقة هذا الأدب، المكتوب بالعربية، بأصوله العربية إن صح التعبير، وهذا يحتاج الى تحليل ودراسة أعمق يتناولان التجربة بكاملها لا الاكتفاء بنص واحد.
من الملاحظ أيضاً أن معظم الشعراء المشاركين في المجموعة هم اولئك الذين نقرأهم باستمرار في صفحات الإنترنت وفي مواقع أدبية دأبت على رصد ملامح الشعر العربي الحديث في مواجهة الثقافة الورقية المأزومة والمثقلة بسلاسل الرقابة ومحرماتها وتغييب الأصوات الخارجة على السرب وخصوصاً لدى الشباب، ومن أهم هذي المواقع "جهة الشعر"، و"كيكا" قبل توقفه الموقت، و"الامبراطور". هنا يعود الفضل الى هذه المواقع بشكلٍ أساسي في إطلاق عدد من الأدباء الشباب والقاء الضوء على تجربتهم، وهذا ما أتاح لهم المشاركة لاحقاً في هذه المجموعة بكثافة. ومن الملاحظ أنهم يشقّون تجربتهم بقوة خارج الصراعات التقليدية التي أنهكت الشعر العربي حول الحداثة والأصالة والابتكار والتقليد والمعاصرة والتراث، وذلك الصراع الممل بين شعراء النثر والتفعيلة، فنجد أنهم يكتبون بثقة وشفافية وانسيابية، مقاربين أسئلتهم الخاصة برعوية صادقة وتمكّن نسبي، متعاملين مع أدواتهم الشعرية بمرونة عالية خارج القوالب التقليدية عبر الاستفادة من الفنون الأخرى كالسرد الحكائي والمشهدية البصرية.
هناك الكثير ليقال عن هذه المجموعة رغم الثغر التي فيها، ونأمل أن يتم تجاوزها والتعويض عنها في الكتب اللاحقة. لكن الأجمل أن هذه المجموعة خطوة في طريق طويل لتوثيق ملامح الشعر العربي المعاصر.

عبد الوهاب عزاوي

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...