نتيجة تقصير طبي: دخلت المشفى للمرة السادسة في أقل من شهر..

29-10-2008

نتيجة تقصير طبي: دخلت المشفى للمرة السادسة في أقل من شهر..

قصة السيدة لطفية النمر ورحلة عذابها المضنية ما بين المشافي العامة والخاصة الأربعة خلال ساعات قليلة لتحط رحالها في نهاية المطاف في مشفى خامس وبتكاليف مادية (تكسر الظهر) .

تجاوزت المئة ألف ليرة (103 آلاف ليرة) إثر عملية ولادة قيصرية أجريت للمريضة في مشفى اليحيى بقدسيا، قصة عرضت تفاصيلها تشرين أواخر الشهر الماضي، وظننا أن الستار قد أسدل على هذه القصة وما خلفته آثارها من تبعات مرضية على الأم المسكينة ومادية ومعنوية على الزوج الذي لا يملك من المال إلا ما كان قد ادخره لولادة قيصرية كان من المفترض أن تكلف في أقسى ظروفها العشرين ألف ليرة سورية. ‏

إلا أن تبعات ما جرى لهذه المرأة المسكينة تطلب دخولها المشفى للمرة السادسة بعد أن عانت خلال تلك الأيام ما عانته من آلام مبرحة وانتفاخ في البطن والجسم لتخضع لعملية جراحية ثالثة خلال شهر واحد لاستئصال كتلة دم متجمد متوضعة فوق المثانة والرحم والأمعاء بلغت كلفتها المادية 33500 ل.س في مشفى الأندلس، لتضيف للمرأة عذاباً آخر وللزوج صاحب الدخل البسيط جداً والذي بالكاد يفي بمصاريف المأكل والمشرب وتأمين ثمن الحليب للمولودة التي كان من المفترض أن تتغذى على حليب أمها، لكنها لم تنعم ولا بقطرة واحدة منه فهي منذ أن أبصرت النور انسلخت عن أمها ولم تشعر كغيرها من المواليد بحضن الأم الدافئ والحاني ولم تنعم الأم بفرحة ولادتها وضم ابنتها إلى صدرها وطبع القبلة الأولى على جبينها. ‏

هذا الكلام ليس الهدف منه إثارة العواطف، ولكن بطء الرد من قبل من يعنيهم الأمر حول هذه القصة وتحويل الرد إلى رد على زاوية نشرت تشير إلى تقصير المشافي الخاصة وكان الرد غائماً يشعر القارئ من خلاله أن محاسبة المقصرين والمستهترين بأرواح الناس لا تعدو (حبراً على ورق) فكيف لي ولغيري أن نثق بمثل هذه المشافي فيما لو اضطر أحدنا لإجراء أي جراحة بأنه سيكون بين أيدٍ أمينة رحيمة. ‏

فها هي السيدة لطفية تدخل لإجراء ولادة من الطبيعي جداً أن تنتهي بسلام خاصة أن الدكتورة بشرى فتيخ العمر التي قامت بعملية الولادة كانت تشرف على المريضة منذ بداية الحمل أي أنها على علم مسبق بما يمكن أن تتعرض له المريضة أثناء الجراحة الأمر الذي يقتضي منها اتخاذ كل التدابير والاحتياطات تحسباً لأي عارض أو اختلاط تتعرض له المريضة لكنها ظنت أن عملها لا يتجاوز إجراء القيصرية وألقت بالمسؤولية على طبيب التخدير وذلك عندما واجهها أهل المريضة واتهموها صراحة بالتقصير في أداء واجبها تجاه مهنتها وتجاه المريضة. ‏

وما يثير الاستهجان والاستغراب وبتصرف بعيد كل البعد عن واجب الطبيب ومهمته الانسانية عدم مرافقة الطبيبة المولدة وطبيب التخدير للمريضة إلى المشفى الذي أسعفت إليه لوضع أطباء الاسعاف في صورة ما حصل للمريضة وما قدموه لها من علاج، بل تركوها بعد ساعات قليلة من الجراحة دون أن يفكروا بما قد تتعرض له المريضة جراء نقلها من المشفى والجرح لم يمض عليه أكثر من ساعتين. ‏

فمن يتحمل المسؤولية؟ والأهم من يحاسب المقصر؟ نحن نعلم أن لكل عمل جراحي اختلاطات تؤخذ بالحسبان وهذا أمر معروف للقاصي والداني، لكن الطبيبة في مشفى اليحيى من الواضح أنها لم تتخذ كل التدابير قبل البدء بالجراحة، هذا من جانب ومن جانب آخر هو عدم جهوزية المشفى للقيام بأي عمل جراحي، هل من المعقول أن يسمح للمشفى القيام بعمل جراحي دون أن يكون بالمشفى غرفة عناية مجهزة بكل ما يلزم وأهمها /المنفسة/؟ كيف تم الترخيص للمشفى والسماح لكادره بممارسة العمل دون التأكد من الجهوزية التامة له؟ أليست المنفسة من أساسيات الأجهزة الواجب توفرها في أي مشفى صغيراً كان أم كبيراً؟ ثم كيف يسمح لأي مشفى أن يمارس عمله دون إجباره على توفير سيارة إسعاف، أوليست سيارة الاسعاف من ضرورات المشافي؟ كيف سيكون حال المريضة وهي ما بين الموت والحياة لو لم يتصرف الأهل على وجه السرعة (وليس المشفى الذي تمت فيه الولادة) واتصلوا بمنظومة الاسعاف السريع؟ كيف سيؤول إليه وضعها لو تم نقلها من ساعتين أليس من المؤكد أن تتعرض لفتق في الجرح نتيجة عدم نقلها بشكل سليم هذا عدا عن الآلام التي تعانيها المريضة. ‏

أما ما ورد من وزارة الصحة من رد فأمر يدعو إلى الاستغراب فهو واضح كل الوضوح أنه كتب على عجل وكأن الكلية جاهزة يمكن تقديمها لأي شخص كان. ‏

فما معنى أن الإجراءات التي قامت بها الوزارة ومديرياتها بحق المشافي المخالفة منذ عام 2007 وحتى تاريخ 10/19 الفائت هو إلغاء ترخيص 18 مشفى خاصاً دون الاشارة بتلميح أو تصريح إلى المشفى الذي تمت فيه الولادة من ضمنها أم لا؟ وأنه تم توجيه نحو 290 كتاب إنذار إلى عدد من المشافي وإغلاق 27 مشفى خاصاً وقد أعيد فتح المشافي التي استكملت التجهيزات وجاء في الرد أن سيارة الاسعاف (اختيارية) للمشافي وليست إلزامية!. ‏

كيف للمريض أن يؤمن على حياته في أي مشفى لا يملك سيارة إسعاف تنقله بشكل صحي وسليم ودون أن يتعرض لمخاطر قد تودي بحياته. ‏

لماذا لا تعامل المشافي بنفس السوية التي تعامل بها المدارس الخاصة حيث تلزم الأخيرة باقتناء سيارة. ‏

نرخص لمشفى ولا نلزمه بسيارة إسعاف! أصغر مشفى يكلف مستثمريه عشرات عشرات الملايين ومع ذلك يترك أمر سيارة الاسعاف اختيارياً!.. ‏

هل ستكون قصة السيدة (النمر) بداية لإعادة النظر في كل ما يتعلق بوضع المشافي الخاصة.. ومحاسبة المقصرين.. ‏

متى تتم محاسبة مرتكبي الأخطاء الطبية بشكل جاد؟ ومن سيخفف عن هذه المسكينة بعضاً مما عانته وكابدته، ومن سيعوض على الزوج المنكوب مادياً الذي عانى الأمرين في تأمين المبالغ المترتبة على العمليات الجراحية وطلبها من القريب والبعيد وليرزح تحت طائلة الديون لسنوات طويلة فتكاليف هذه الولادة أسفرت حتى اللحظة عن 103 آلاف ليرة في المرحلة الأولى و 33500 في الجراحة الجديدة أي 166500 عدا تكاليف مراجعة الأطباء وإجراء التحاليل والصور الشعاعية وكل الإجراءات الاستقصائية وقد لا تكفيه سنوات طويلة لسداد هذه المبالغ التي ستكون حتماً على حساب قوته وقوت أسرته! ‏

ندى الزركي

المصدر: تشرين


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...