هكذا اغتصبوا «عبير»

08-07-2006

هكذا اغتصبوا «عبير»

اسم الضحية عبير قاسم حمزة €15 سنة€, واسم المتهم الرئيسي ستيفن غرين €21 سنة€, والجريمة حدثت قبل اكثر من ثلاثة اشهر لكن التحقيق فيها لم يبدأ إلا منذ اسبوعين. والقضية واحدة من عشرات القضايا التي لم تكشف بعد, والتي يعتدي فيها جنود اميركيون على فتيات عراقيات, في ظل الحصانة التي تمنع محاكمتهم امام القضاء العراقي, وإليكم القصة كاملة.

الروايات تعددت حول قصة «عبير» التي تحولت الى قضية, وهي تتلاقى على الوقائع الآتية: في الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم 12 آذار €مارس€ الفائت اقتحمت دورية للاحتلال منزل قاسم حمزة رشيد الجنابي €36 سنة€ الذي يعمل حارساً في مخازن البطاطا الحكومية في منطقة المحمودية جنوب بغداد ويسكن في المنطقة مع زوجته واطفاله الاربعة وهم: عبير €15 سنة€ وهديل €7 سنين€ ومحمد €8 سنين€ واحمد €9 سنين€. بعد الاقتحام بدقائق سمع صوت اطلاق نار ما لبث ان توقف, وبعد حوالى الساعة شوهدت سحب دخان تتصاعد من المنزل. عندها غادر جنود الاحتلال المنطقة ثم عادوا الى تطويقها يرافقهم رجال الحرس الوطني العراقي, واخبروا الاهالي ان مسلحين من « القاعدة» دخلوا منزل قاسم وقتلوه مع افراد أسرته.
مراسل محلي لاحدى الوكالات نقل رواية جار لقاسم دخل المنزل بعدما غادره الجنود وروى مشاهداته على أحد مواقع «الانترنت». قال على لسان الجار: دخلت البيت بصفتي أحد الجيران وقلت ان مهمتي انسانية واريد ان اخبر الحاج «ابو قاسم» بما جرى لابنه وعائلته فوافق أحد جنود الحرس الوطني على دخولي. في الغرفة الاولى كان هناك قاسم وزوجته وهديل إحدى طفلتيهما وجثثهم تغرق في الدم الذي وصل الى الباب,وقد حاولت تفحص الجثث لكنها كانت بلا حركة. بعدها دخلت غرفة عبير وكانت لا تزال تحترق والدخان يتصاعد من رأسها وصدرها. كانوا قد رفعوا ثوبها الابيض الى مستوى رقبتها ومزقوا حمالة الصدر الصغيرة. وكان الدم لا يزال يسيل من بين رجليها على الرغم من وفاتها. ومن الوهلة الاولى عرفت انها اغتصبت لأنها كانت مرمية على وجهها والجزء الاسفل من جسدها مرفوع وهي موثقة اليدين والرجلين, ولم اتمالك نفسي من البكاء. بعدها اسرعت واطفأت النار التي تخرج من رأسها وصدرها إلا انها كانت قد احرقت شعرها واجزاء من ثدييها ولحم وجهها, وسترت عورتها بقطعة قماش ثم فكرت انني لو خرجت ورويت القصة فانهم قد يعتقلونني فانسحبت بهدوء وشكرت الحارس الذي سمح بدخولي.
بعد ساعات كانت الرواية الاميركية قد انتشرت وخلاصتها ان العائلة «قتلت على يد الارهابيين لأنها شيعية», لكن أحداً من اقرباء قاسم وأهل المدينة لم يصدقوا, لأن الرجل كان من الاخيار, وهو بالمناسبة سني لا شيعي. وبعد صلاة المغرب نقل جنود الاحتلال الجثث الاربع الى القاعدة الاميركية القريبة, وتوجه ذوو العائلة في اليوم التالي لتسلمها من مستشفى المحمودية.
في وقت لاحق كشف محمد طه الجنابي خال عبير تفاصيل اخرى في مقابلة مع محطة «الجزيرة». قال ان جنوداً عراقيين حاولوا اقناعه لحظة وصوله الى المنزل الذي تقيم فيه شقيقته بأن الجريمة ارتكبت من قبل جماعات «ارهابية», واضاف انه لحظة شاهد عبير ادرك انها اغتصبت, وعندما اقترب من جثة شقيقته عرف انها ماتت خنقاً بسبب ظهور اعراض الاختناق عليها, ومن اجل تغطية الجريمة تعمد المجرمون حرق المنزل.

ومع بدء التحقيقات العراقية والاميركية في الجريمة المروعة انحصرت الشبهة في جنديين من وحدة المشاة 502 اللذين شوهدا يوم 12 آذار €مارس€ وقد تلطخت ثيابهما العسكرية بالدم وتبين ان ضابطاً في شرطة المحمودية هو النقيب احسان عبد الرحمن تلقى تقريراً في اليوم التالي يتهم جنوداً اميركيين بقتل العائلة. بعدها ذكر مصدر اميركي مقرب من التحقيقات ان الجنود الذين اقتحموا المنزل خططوا لجريمتهم طوال اسبوع كامل واستخدموا مواد إشعال لحرق جثة «عبير» في محاولة لإخفاء الجريمة.
وكشف مترجم عراقي يعمل في «قاعدة اللحوم» التابعة للاحتلال شمال المحمودية, ان القوات الاميركية تحقق في الجريمة التي أميط عنها اللثام اثر شجار بين الجنود الذين ارتكبوها, ويبدو ان احدهم اعترف سراً بما جرى وقال انه رأى رفاقه يتآمرون لتنفيذ العملية ثم شاهدهم فيما بعد وثيابهم ملطخة بالدماء. وفي الوقت الذي طالبت اصوات في البرلمان العراقي بفتح تحقيق عراقي في المسألة يحدد المسؤوليات «لأن عبير فتاة عراقية تمثل شرف العراقيين», تعهد رئيس الاركان الاميركية المشتركة الجنرال بيتر بيس في مقابلة تلفزيونية بالوصول الى الحقيقة وقال «ان تصرفات من هذا القبيل, من اي فرد في القوات الاميركية, اذا ثبتت صحتها, غير مقبولة على الاطلاق».
وكانت محكمة في ولاية كارولاينا الشمالية الاميركية وجهت تهمة الاغتصاب والقتل العمد لجندي أوقف من الخدمة بوقت سابق وعاد الى الولايات المتحدة.
وقالت وزارة العدل في بيان لها ان المتهم يدعى ستيفن غرين €21 عاماً€ وهو عنصر خدم في الكتيبة الاولى في الفوج 502 بالجيش الاميركي, وكان ضمن وحدة متمركزة في المحمودية على بعد ثلاثين كيلومتراً جنوب بغداد. وجاء في بيان الاتهام انه توجه يوم 12 آذار €مارس€ الماضي برفقة ثلاثة اشخاص آخرين الى منزل قرب المحمودية جنوب بغداد, حيث يشتبه في انه اقدم على اغتصاب فتاة عراقية في الخامسة عشرة من عمرها وقتلها مع افراد عائلتها وبينهم طفل. واوضحت الوزارة ان غرين معرّض لعقوبة تصل الى الاعدام في حال ادانته, ولم يشر البيان الى اسم اي جندي آخر متورط بالجريمة.
وجاء في شهادة جندي بقي عند الحاجز وجنديين من الذين رافقوا غرين ان هذا الاخير توجه مباشرة الى غرفة كانت فيها امرأة ورجل وفتاة, ثم خرج قائلاً «لقد قتلتهم, ماتوا كلهم». ثم اقدم جندي آخر على اغتصاب الفتاة التي كانت في المنزل وقتلها بطلقتين او ثلاث من رشاشه.
ورمى الرجال الاربعة الرشاش في قناة, واحرقوا ملابسهم التي كانت عليها آثار دماء, وتشير الصور التي التقطت في وقت لاحق داخل المنزل الى انهم حاولوا ايضاً احراق جثة الفتاة التي تعرضت للاغتصاب.
وكانت مصادر التحقيق قد ذكرت, في وقت سابق, ان قاسم انتقل الى منزل جديد مع عائلته وان الدورية العراقية التي نفذتها سبق ان شاهدت «عبير» في الحي قبل ان تخطط للعملية التي نسبت الى مسلحين. المعلومات نفسها اكدتها «واشنطن بوست» التي نقلت عن رئيس البلدية ومسؤول آخر في مستشفى المحمودية ان الفتاة شكت من مضايقة الجنود الاميركيين لها قبل ان تقع ضحية الوحوش البشرية. والتقرير الطبي الذي اعده المستشفى اكد ان عبير قتلت برصاصة في رأسها وكانت عليها آثار حريق, وان رأس والدها كان مهشماً بالرصاص, في حين تعددت الاصابات في رأس والدتها فخرية طه محسن التي سقطت الى جانب طفلتها هديل.

ردة الفعل كانت عنيفة جداً وواسعة في العراق, وقد استنكرت هيئة علماء المسلمين الجريمة وشارك في الاستنكار عدد من النواب والاحزاب الذين تلاقوا على ادانة «الممارسات الدنيئة» لقوات الاحتلال ودعوا المنظمات الانسانية الى الوقوف في وجه «البطش الاميركي الذي تجاوز كل الحدود». وتحت وطأة الضغوط اعلن نوري المالكي رئيس الحكومة عزمه على اجراء «تحقيق مستقل» او «تحقيق مشترك» مع القوات المتعددة الجنسيات موضحاً انه لا يقبل «انتهاك شرف الشعب العراقي». ومما قاله المالكي للصحفيين «ان الحصانة الممنوحة لافراد القوات المتعددة الجنسيات هي التي تشجع هؤلاء الجنود على ان يرتكبوا بدم بارد مثل هذه الجرائم». ومعروف ان قانون الحصانة المقصود اقر بطلب من حاكم العراق السابق بول بريمر في العام 2003, ويفترض اعادة النظر فيه لمنع تكرار هذه الجرائم.
والسؤال: هل تسقط الحصانة قريباً, بطلب من الحكومة العراقية, عن قوات الاحتلال ام ان الحكومة العراقية التي لم تعترض في العام 2003 لا تزال عاجزة عن الاعتراض على قرارات الاحتلال, وعاجزة عن مقاضاة الجنود الاميركيين وحلفائهم امام محاكم عراقية؟
جريمة المحمودية هي الاولى التي تكشف عن عملية اغتصاب وقتل بهذه الصورة الهمجية, ولا شك في ان هناك جرائم اخرى ارتكبها جنود الاحتلال ولم يكشف عنها أحد لأن الاتفاقية القائمة بين العراق ومحتليه تحصن جنود الاحتلال ضد القضاء العراقي. لكن الوقائع تتولى على ان الجيش الاميركي الذي احتل العراق ليس جيشاً نظامياً فقط بدليل ان عصابات مجرمة عدة تشارك في العمليات الميدانية. وقد كشفت صحيفة «شيكاغو تايمز» قبل ايام ان المرتزقة من عصابات شيكاغو وقعوا عقوداً مع قوات الاحتلال للعمل في العراق بدخل جيد, مبدية تخوفها من ان تستخدم هذه العصابات في عمليات جديدة من هذا النوع.

 

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...