السوريون في لعبة الإحتمالات

17-08-2020

السوريون في لعبة الإحتمالات

Image
 في لعبة الإحتمالات_0

الجمل - يارا انبيعة 

منذ عشرات السنين والإنسان السوري يخضع للعبة الاحتمالات، يرتهن برهانها، ويأتمر بأمرها، يسوقه إلى ذلك واقعه الذميم، وحاضره العقيم، الذي فقد هو ذاته كلها أملا بتغييره، رغم عدم يأسه من ذلك، بإصرار يشبه إصرار مصارعي الثيران الذين ألقيَ بهم في الحلبة فهم على علم تام بحتمية الموت وأنه لا أمل في الحياة، ولكنّها النفس التي تتقد اتقاد الشمعة قبل إطفائها، محاولةً أن تنير أكبر مساحة ممكنة! 

إن الشعور الجمعي الذي بني عليه السوري و شربه أنه المخلوق الذي لا تقهره الصعاب والقادر على تجاوزها مهما بلغت شدتها كان في كثير من المرات وبالاً عليه، تشعر وكأنه يعدو إلى المصائب، و ينصب لها شراكه، ليتسمتع بتجاوزها! ولا يمل رفع أشرعته في وجه رياح الشدّة التي يتحاشاها كل عاقل، عدا عن المصايب التي تنزل عليه دون علم منه، ودون أن يكون له يد فيها، كجائحة كورونا مثلاً التي تبدّل جيلا كاملاً في سوريا دون أن يشعر بها أحد، وهم وإن شعروا فلا يملكون سوى الترحم على الموتى، لا لضعف فيهم ولكن لأن أوراق احتمالاتهم فيها أولويات، وهم للأسف محقون جداً.


 منذ أن انتشر كورونا في أوروبا و هو يحصد آلاف الأرواح حتى أكل من القارة العجوز أكثر من 400 ألف ضحية! و لأنها العجوز كما أسلفنا فكان حقيقاً بها أن تقدم لهذا المرض ملايين القرابين لولا ما تتسم به من قدرة طبية فائقة ونظام صحّي على مستوى عال، فالكلام عن فشل أوروبا في مواجهة الجائحة هو شيء من الخيال وإرضاء الذات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. مثل هذا المرض وهو الآن في سوريا! كيف يتعامل معه الناس؟ كيف يرونه؟ أين هو في روزنامة الموت لديهم؟ ما مدى تأثير انانية الانسان الطبيعية في ذلك؟ هل هو أصلا أناني؟ أم أن الرياضيات تفرض نفسها هنا؟ 

لم أكن يوما ممّن يحملون الشعب مسؤولية ما يحدث، هذا شعب مكلوم.. لا ناقة له ولا جمل، لا أظنّه سيكون تعيساً إن أخبرته أنه لا مرض في البلاد و لتبدؤوا القبل بين بعضكم، ولا يمكنني في هذا السياق لوم الحكومة فهي لم تكن سبباً في ما حصل، هي بالطبع سبب في كل ما يحصل بما فيه تعاملنا مع كورونا، ولكن! من الذي عبّأ دفتر السوريين، ستصدم إن انت ناقشت شخصا هو من المثقفين و المتعلمين الذين لا تعوزهم المعرفة ليدلوا بكلامهم، يعترفون بخطر كورونا ويقرّون بفتكه ولكنّهم يرفعون أيديهم بوجهك أن اهدأ! فإنّ احتمالية موت المواطن السوري من قذيفة هاون في دمشق سنة 2014 كانت تتجاوز ال 2% في أحياء دمشق القديمة، و في إحدى ضواحي دمشق الملاصقة لحرستا كانت النسبة تتعدى ال 3% و التي هي بشكل صادم قد لا يعجبك نسبة اكبر بكثير من نسبة موته بكورونا هذه الأيام!  


فعلامَ تلومه؟ 


ثم لماذا كنتم تحتفلون بالطلاب الذين يذهبون إلى جامعاتهم ومدارسهم رغم القصف و خطر الخطف وتعتبرون ذلك صموداً أسطورياً؟


ربّما لم يعاني شعب على الأرض من تداخل المفاهيم واختلاط المصطلحات معاناة الشعب السوري في هذه السنين الحالكة التي مرت به ولازالت. 


إن مشاعر السوريين الممزوجة بالحزن والأسى على الفقد والتجاهل والتعايش مع ما يحدث حالة نفسية فريدة غير جيدة بالمطلق ولها سبب آخر عملي هو عدم ثقتهم بنتائج اعتمادهم على ما قد تقدمه الحكومة في سبيل مساعدتهم، فالمستجير بهم عند كربته، كالمستجير من الرمضاء بالنارِ .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...