بالحجاب أو بدونه ستتحرر المرأة

28-06-2006

بالحجاب أو بدونه ستتحرر المرأة

أعترف وأقر وأبصم بالعشرة أننى سئمت ومللت الحديث حول ما يسمى بالحجاب. وأعترف وأقر وأبصم بالعشرة أننى شخصية ساذجة تصدق أن المثقفين المسلمين يمكن أن يتناقشوا بهدوء ويقارعوا الحجة بالحجة وإذا اقتنع أحدهم بمنطق خصمه أقر بذلك، وإذا لم يقتنع، فالخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.

وأعترف بأننى فى كل البرامج التى ظهرت فيها واجهت فشل نظريتى «الساذجة» وبدل المرة مرات، وصدمت من أسلوب المتحاورين والاتهامات التى تتراكم على ألسنتهم، ورغم ذلك لم أتعلم ولم أيأس واستسلمت لفكرة «لعل وعسى»، و قبلت الظهور فى برنامج «كتب ممنوعة» للمذيع اللامع جمال الشاعر، وذلك من منطلق احترامى للشاعر وللموضوعية التى يلتزمها فى برنامجه، وأيضا إقرارا منى بفضل صاحب الكتاب الذى سيناقش، وهو المستشار سعيد العشماوى، واحترامى العميق لفكره وثقافته الموسوعية وشجاعته فى إبداء الرأى حتى وإن اختلف معه الكثيرون وقد شاركت الحلقة مع كل من الكاتب الإسلامى محمد شبل والدكتور صفوت حجازى. عنوان البرنامج «كتب ممنوعة» أى أنه يدور حول كتاب بعينه يتبارى المشاركون فى الرد على ما جاء به وتفنيد أو تأييد ما عرضه من أفكار، إلا أن معظم النقاش فى الحلقة دار بعيدا عن الكتاب محل المناقشة، وقد اعترف الدكتور صفوت حجازى، بأنه لا يعرف المستشار العشماوى ولم يقرأ له، وبأنه لم يقرأ الكتاب المذكور «حقيقة الحجاب وحجية الحديث» إلا عندما طلب منه الظهور فى البرنامج ثم وصف المستشار سعيد العشماوى بعدم التخصص، وهو أمر يجانبه الصواب، فالمستشار العشماوى أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات منها كتابه «أصول الشريعة» الذى تضمن تجديدا للعقل الإسلامى وللمفاهيم الدينية، وقد نشر بعض أجزاء منه فى جريدة الأخبار فى الفترة من يونيو 79 إلى يناير 1980، ورد عليها وزير الأوقاف آنذاك، وقد كتب العديد من المقالات فى الأهرام وفى مجلة «أكتوبر» ثم فى مجلة «روز اليوسف» كلها مقالات تثير الجدل وتحث المفكرين على الرد والمناقشة، ومن أهم الكتب التى قرأتها للمستشار سعيد العشماوى واستفدت منها كثيرا «الخلافة الإسلامية» و«معالم الإسلام» و«الإسلام السياسى». والمستشار محمد سعيد العشماوى أستاذ محاضر فى أصول الدين والشريعة الإسلامية والقانون المقارن فى أهم وأكبر الجامعات الأمريكية والأوروبية وقد وصل فى المناصب القضائية إلى رئيس محكمة أمن الدولة العليا ورئيس محاكم الاستئناف العليا وهو مفكر إسلامى بارز اختار أن يستخدم العقل فى تفسير آيات الكتاب الكريم سائرا على المنهج التنويرى الذى سلكه الإمام الأكبر الشيخ محمد عبده وكافة المفكرين الذين تحرروا من التبعية لفقهاء السلف وإن أقروا لهم بالفضل والسبق، وله اجتهادات مهمة وجريئة فى الفقه الإسلامى وفى دحض ما روجته الجماعات الإسلامية من أفكار وآراء هذا عن الكاتب، أما الكتاب فهو مجموعة مقالات للمستشار العشماوى وفضيلة المفتى الأسبق الدكتور محمد سيد طنطاوى نشرت بمجلة «روز اليوسف» ثم طبعت فى كتاب أعيد طبعه العديد من المرات.

وقد رأيت أن أعيد إلى الأذهان ما جاء فى الكتاب الذى لم يأخذ حقه من العرض والتحليل والرد سواء سلبا أو إيجابا، وما جاء فيه من اجتهادات لا يصح تجاهلها أو الاكتفاء بنعت صاحبها بصفات أبعد ما تكون عن حقيقته ولقد كان المستشار العشماوى أول من لفت الانتباه إلى أن لفظة الحجاب فى القرآن الكريم لا تعنى غطاء الرأس وإنما معناها الساتر أو الحاجز بين شخصين وأن آية الحجاب فى سورة الأحزاب تتعلق بزوجات النبى وحدهن. وفى تفسيره للآيات الخاصة بالخمار والجلباب الموجهة لنساء المسلمين طبق العشماوى قاعدة فقهية تقول «إن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما»، وحيث إن أسباب نزول الآيات قد انتفت فإن المنطق يقول بأنها لم تعد ملزمة للمسلمات. وقد استند الكاتب إلى تفسير القرطبى للتعرف إلى أسباب نزول آية الخمار الذى يقول أن النساء كن يضعن أخمرة «أغطية» على رؤوسهن ثم يسدلن الخمار وراء ظهورهن فيبرز الصدر بذلك ومن ثم قصدت الآية تغطية الصدر دون أن تقصد إلى فرض زى بعينه، وأما آية الجلباب فقد أورد العشماوى تفسير الطبرى الذى يقول أن سبب نزول الآية هو أن العربيات كن يقضين حاجتهن فى الصحراء قبل أن تتخذ دورات المياه فى البيوت، فكان بعض الفجار من الرجال يتعرضون للمؤمنات على مظنة أنهن من الجوارى أو من غير العفيفات، وقد شكون ذلك للنبى ونزلت الآية تنصحهن بإدناء الجلابيب عليهن، حتى يعرفن فلا يؤذين، وتدليلا على ذلك أورد الطبرى رواية من التراث الإسلامى تقول أن عمر بن الخطاب إذا ما رأى جارية ترتدى الخمار أو تدنى جلبابها عليها ضربها بالدرة محافظة على زى الحرائر. وقد دلل العشماوى على وقتية بعض الأحكام الإسلامية لكونها تتصل بزمان ومكان معينين بأن القرآن الكريم وإن توسع فى أبواب تحرير الرقيق لم يلغ الرق ولا التسرى بالجوارى إطلاقا «وورد التسرى بالجوارى فى القرآن الكريم فى 25 موضعا» وقد ألغت الحكومات الإسلامية جميعها الرق وعطلت بذلك نصوصا فى القرآن الكريم بعضها يتصل بالعبادات، فهل يقال أنها عصت الله ورسوله، وتساءل : إذا ما اقتنى رجل جارية فى الأيام الحالية يتسرى بها، هل يكون آثما بحكم الشرع أم مخالفا للقانون؟

أما عن الحديث النبوى حول الحجاب فقد رأى العشماوى أنه من أحاديث الآحاد، و هى للاسترشاد والاستئناس، لكنها لا تنشىء ولا تلغى حكما شرعيا كما أنه «لم ترو فى كل كتب الأحاديث : المسانيد والصحاح» وقد خلص العشماوى إلى أن الحجاب - بالمفهوم الدارج حاليا - شعار سياسى وليس فرضا دينيا ورد على سبيل الجزم والقطع واليقين، فى القرآن الكريم أو فى السنة النبوية، لقد فرضته جماعات الإسلام السياسى - أصلا - لتميز السيدات والفتيات المنطويات تحت لوائهم عن غيرهن من المسلمات وغير المسلمات، ثم تمسكت هذه الجماعة به كشعار لها، وأفرغت عليه صبغة دينية، كما تفعل بالنسبة للبس الرجال للجلباب أو الزى الهندى الباكستانى زعما بأنه إسلامى. وهو يرى أنه لا يجوز إكراه المرأة على ارتداء الحجاب، فلا إكراه فى الدين، وقد كان من نتيجة الإكراه، والتلويح بالإكراه، على تغطية النساء رؤوسهن بغطاء يسمى خطأ بالحجاب.. أن وضعت بعضهن هذا الغطاء رياءً ورءاءً، وأحيانا أخرى مع وضع الأصباغ والمساحيق على الوجه بصورة تتنافى مع معنى الحجاب وقد يحدث مع ارتداء ما يسمى بالحجاب أن تقف به سيدة أو فتاة فى المراقص وهى تخاصر رجلا على الملأ، أو تسير معه فى طريق مظلم دون وجود أى محرم. ويقول المستشار العشماوى فى كتابه إن القول بأن شعر المرأة عورة «لأنه تاجها» يستتبع - باللزوم العقلى والتسلسل المنطقى -اعتبار الوجه والصوت والجسد و المرأة كلها عورة «وهو قول إن قيل فى العصور الماضية، لظروف الزمان والمكان فإن من يقول به اليوم هم غلاة المتطرفين وبغاة المتشددين.. الذين يرون أن المرأة عورة لا ينبغى أن يراها الرجل، ولا يجوز أن تعمل، ولا يصح أن تختلط بالرجال فى المحال وفى الطرقات وفى الأندية ووسائل المواصلات، وما نتيجة ذلك كله إلا ردة جاهلية وانحصار فى الماضوية وعدم إدراك لروح العصر وأسلوب الزمان الذى أصبح يرى أن الحجاب الحقيقى فى نفس المرأة العفيفة وضمير الفتاة الصالحة تحجب نفسها عن الشهوات وتنأى بذاتها عن مواطن الشبهات وتلتزم العفة والاحتشام»!؟ وفى البرنامج حذر المفكر الإسلامى محمد شبل من مغالاة بعض الفقهاء فى فرض الحجاب على المسلمات حتى أن أحدهم نصح زوجة بأن تطلب الطلاق من زوجها الذى يطالبها بعدم ارتدائه، وقال أن بعض الجرائد كتبت أن تاركة الحجاب مرتدة! وفى الجزائر يعلقون لافتات تقول:للمنقبة الجنة وللمحجبة الهداية وللمتبرجة «أى تاركة الحجاب وهو استخدام خاطئ للكلمة» البندقية!.. وقال أن ترك الحجاب لم يذكر القرآن عقابا له فى الدنيا ولا فى الآخرة، وقد ينقص الثواب «وهذا أيضا لا دليل عليه» وقد بولغ فى أمره كثيرا حتى اعتبر حدا فاصلا بين الإسلام والكفر، وهذا رغم أن الإسلام يضع الأخلاق فى المرتبة الأولى، ويعاقب بالنار على كبائر مثل الكذب والنفاق.. إلخ

وفى الكتاب رد المستشار سعيد العشماوى على الاتهام الذى جاء فى مقال للدكتور محمد سيد طنطاوى يصف فيه من لا تضع حجابا على رأسها بأنها آثمة عاصية أن هذا القول يستطيل إلى فضليات السيدات وكرائم النساء ممن يتصدين للحياة العامة ويتطوعن لخدمة المجتمع، فى مصر وفى البلاد العربية والإسلامية، وبعضهن رئيسة للوزراء أو وزيرة أو مديرة للعمل.. فضلا عن أن هذا القول يقترب كثيرا من اتجاهات الجماعات المتطرفة التى ترمى بالكفر أى مخالف فى الرأى أو مغاير فى التصرف.. وأضاف أن هذا الرأى لم يصدر عن المفتى بوضع منصبه، لأنه ليس من شأن هذا المنصب أن يرمى بالعصيان من أمر الله، الفضليات والكريمات والعفيفات، ويرمى بالخبث أزواجهن والمجتمع، لأنهم خالفوا له رأيا وضح من كل ما سبق أنه محل نظر، و«لا نقول موضع خطأ» كبير. هناك منهجان لاستخلاص الأحكام الفقهية من القرآن الكريم: المنهج التقليدى الذى يفسر الآيات على عموم ألفاظها، أى وفقا لمطلق ألفاظ الآية التى تفسر دون نظر إلى الظروف التاريخية التى أحاطت بنزول الآية، وبغير اعتداد بأسباب تنزيلها، وهو ما اتبعه الدكتور صفوت حجازى ووصل فى مغالاته إلى حد اعتبار عدم تغطية المرأة لشعرها من الكبائر، ثم اخترع «خطيئة» إنكار الحجاب التى تستدعى - فى نظره - أن يحاكم مرتكبها أمام محاكم التفتيش! ورغم ذلك طالب بعدم التعرض لغير المحجبات واحترامهن وأقر بأن بعضهن أكثر إيمانا وصلاحا وفضيلة من بعض المحجبات! أما المنهج الثانى فهو ما يتبعه المستشار سعيد العشماوى ويسميه «المنهج الأصولى الصحيح» ويعرفه بأنه تفسير آيات القرآن الكريم ليس على عموم ألفاظها، ولكن على خصوص أسباب التنزيل، فللإحاطة بالمعنى الصحيح الذى أريد من الآية ينبغى معرفة الظروف التاريخية التى تداخلت معها وأسباب التنزيل التى أدت إلى وجودها! إن بعض فقهاء السلف اعتبروا الوجه والكفين من الزينة الظاهرة، وهو رأى بشر وليس أمرا من الدين أو الشريعة، ولذلك يمكن مخالفته، وقد اختلفوا مع بعضهم البعض فى ذلك، ويقول العشماوى: «وإذا كان الفقهاء قد رأوا فى السابق أن شعر المرأة عورة لابد من تغطيته، فإنه يمكن للمسلمين فى العصر الحالى ألا يعتبروه عورة - مادام لا يوجد نص فى القرآن أو السنة قطعى بذلك - وأن يروا العفة فى ذات المرأة الطاهرة وضمير الفتاة النقى وقلب الأنثى السليم، لا فى مجرد وضع زى أو لبس رداء ثم تجاهل الأعراف والتقاليد والأخلاق».

والخلاصة كما جاء فى كتاب «حقيقة الحجاب وحجية الحديث» أن البعض يزايد بأفكار السلف وزعم أن الحجاب فريضة رغم أن فقهاء السلف ذاتهم اعتبروا اللباس من مسائل العرف والعادات وليس من مسائل الفروض والعبادات. وفى النهاية لن تحسم عشرات البرامج هذه القضية مادام الطرفان لا يبحثان عن مواضع الاتفاق، وإنما يغاليان فى تأكيد الخلاف. وبالحجاب أو بغيره ستمضى المرأة المسلمة إلى الأمام، وستواصل مسيرتها نحو الحرية والكرامة والاستقلال التام عن كل من يحاول أن يفرض وصايته عليها ليعوق نموها أو يعيدها إلى عصر الحريم والجوارى.. ووأد البنات.

 

 

اقبال بركة

المصدر: روز اليوسف

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...