إدريس و ونوس في مواجهة بريخت وبيكيت

01-07-2006

إدريس و ونوس في مواجهة بريخت وبيكيت

تفتح دراسة «التأثر بين الشكلي والضمني: مفاهيم غربية على المسرح العربي»، للكاتبة السعودية تهاني الغريبي، الباب للتأمل في شكل العلاقة الإشكالية التي تربط المسرح العربي بالمسرح في الغرب، عبر فحص نماذج تعد علامات مسرحية عربية وغربية.

اختارت الدراسة من المسرحيين العرب، اسمين مهمين لعبا دوراً مهماً وحيوياً في تطور المسرح العربي، ومنحاه صبغة وهوية عربيتين، وإن ظلت بعض الوشائج قائمة وواضحة بالأصل الغربي، وتسعى من وراء ذلك إلى إعادة تصنيف وتوصيف تأثر هؤلاء، بعدد من كتاب المسرح العالميين.

تتوقف الغريبي عند يوسف إدريس وسعد الله ونوس من جهة، وصامويل بيكيت وبريخت من جهة أخرى، باحثة عن المشترك بين هذه التجارب، عن شكل التأثر والتأثير الذي يربط بين هذه الأسماء.

ينقسم البحث إلى أربعة فصول الأول: «إعادة النظر في الإيديولوجيا: الفكر الغربي في أذهان شرقية»، وفيه تتبع الباحثة انتقال «المفهوم» عبر الثقافات والأمكنة، وتحديداً آلية هذا الارتحال والتغيرات التي تطرأ عليه حين يعيد توطين نفسه داخل ثقافة أخرى، انطلاقاً من أن لكل ثقافة مستقبلة «منظومة خاصة، يحكمها إرث ومقومات وعوامل مهيمنة، وتعيد هذه المنظومة صوغ المفهوم، فتحوله إلى مفهوم آخر مختلف في تأثيره وتطبيقاته وحتى في جوهره، الأمر الذي أثاره «دولوز» و «جيتاري» في كتابهما «ماهي الفلسفة؟». حاولت الباحثة أيضاً أن تبحث عن وجهة النظر العربية في استقبال الإيديولوجيا الغربية في العالم العربي، «وهو أمر تطرق له المفكرون العرب على أنه إشكالية الذهنية العربية بين التأصيل من جهة، والتأثر بالحضارة الغربية من جهة أخرى». وفي هذا الفصل، تجد أن الكثير من المفكرين العرب الذين اقتبسوا عن الغرب مفاهيم ثقافية وسياسية معينة وروجوا لها وحاولوا تكريسها، قد ابتسروا هذه المفاهيم من سياقها النظري والتاريخي والفلسفي لأسباب مختلفة، الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر في تصنيفنا لهذه المفاهيم على أنها غربية صرفة.

وتستعرض في الفصل الثاني «التبادل الثقافي: التأثير والتصادم مع الهوية»، الجدل الذي دار حول الأدب الغربي ومركزيته وسيادته على آداب العالم الثالث، وكيف أنه يمثل تهديداً وإقصاء للهوية الثقافية والأدبية العربية. وتلاحظ أن هناك قصوراً من الأديب والكاتب العربي في تقديم مشروع بديل، يضاهي وينافس بامتياز الأدب الغربي. أما الفصلان الثالث يوسف إدريس: عقلنة عبثية بيكيت»، والرابع «سعدالله ونوس: رهين الإرث البريختي»، فينطويان على الجانب التطبيقي، إذ تقوم الباحثة بتحليل نص يوسف إدريس «الفرافير» ومقارنته بنص صامويل بيكيت «في انتظار غودو»، وتقوم بالمقارنة نفسها بين نص سعدالله ونوس «الملك هو الملك» مع مسرحية بريخت «الإنسان هو الإنسان».

ومن خلال التحليل والمقارنة تميز بين التأثر الأدبي «السطحي»، و «تقصد به التأثر الذي يقتصر على الشكل والتقنيات الفنية والأدوات المسرحية»، وبين التأثر «الضمني»، الذي يتخطى بحسب الدراسة، حدود الشكل إلى النص المبطن، ويحمل رسائل الكاتب ذات البعد القيمي والإيديولوجي والفلسفي.

وترى الباحثة أن هناك مدرستين مسرحيتين عربيتين، إحداهما تنادي بالإفادة من النموذج الغربي، والأخرى تدعو إلى نموذج مسرحي عربي، يخاطب المشاهد العربي باللغة والثقافة التي يفهمها وتناسبه. وتطرح أن إدريس على رغم أنه يدعو في مقدمته لـ «الفرافير»، وعنوانها «نحو مسرح مصري» إلى قالب مسرحي جديد – قديم، يستمد من المخزون التراثي المحلي، وإلى حالة من المسرحة، إلا أنه «في الواقع لم يحلنا إلى أي مصدر غربي أثر في مسرحه، على رغم أن المسرحة dramatization هي تقنية روج لها الإيطالي لويجي بيرانديللو، وهي حال تمسرح جماعية، يندمج فيها الجمهور مع الممثلين الذين يمارسون الارتجال وكسر حال الوهم بأن الفرجة هي واقع حقيقي مستقل».

وتذهب في تأكيد أن العبث الذي حاول إدريس أن يعكسه في مسرحه، هو «اختراع غربي». والحال نفسها تنطبق على مسرح ونوس، ففي رأي الباحثة لم تختلف تجربته كثيراً، إذ لم يول جهداً في الدفع نحو مسرح عربي أصيل، على رغم تأثره الواضح والمثبت ببريخت، الأمر الذي لم يصرح به في كتاباته الكثيرة.

وتتوصل الغريبي إلى أن إدريس وونوس قدما فهمهما الخاص للشكل المسرحي الغربي، لكنهما لم ينجحا في تقديم مضمون هذا المسرح، الذي يفترض أن تخدمه تقنيات تتسق مع روحه. ففي ما يخص يوسف إدريس، تقول إنه فشل في إيراد ما قد يبدو للوهلة الأولى على أنه حوار غير مترابط، «نقل إدريس أطروحة المسرح الوجودي، الذي يفترض أن تخدمه أدوات العبث، إلى مستوى أقل شعرية وأقل تعقيداً وأقل كلاسيكية، إلى شكل آخر مختلف». أما ونوس فقد اختزل، في رأيها، مشروع بريخت في تطبيقه إياه على الواقع العربي، «وركز في إحدى مراحله على الصراع العربي - الفلسطيني وعلى هزيمة حزيران (يونيو)، وأن الخلل في العالم العربي ضد الديكتاتورية والرأسمالية لن تعالجه إلا الثورة، مسيساً بذلك المسرح ومحولاً إياه منبراً لخطابه السياسي المباشر، على رغم الرمزية التي اعتمدها في استيحاء أجواء مسرحياته من التراث العربي، مثل ديوان هارون الرشيد في «الملك هو الملك».

واعتمدت الباحثة في دراستها، التي أنجزتها باللغة الإنكليزية لنيل شهادة الدكتوراه، من جامعة الملك سعود في الرياض، وأشرف عليها الأكاديمي المترجم أحمد قطرية، على منهجين نقديين هما «التاريخانية الجديدة» و «تاريخ الأفكار»، فمن خلال الأول تقصت الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية، التي نشأت فيها النصوص المقارنة، وعبر الثاني تتبعت رحلة المفهوم الغربي إلى العالم العربي. ومن المفاهيم والأفكار توقفت الدراسة عند الوجودية كمفهوم فلسفي،» هيمن على نص بيكيت، الذي أبرزه في قالب عبثي، ثم انتقاله إلى العالم العربي، فجرده إدريس من جوهره وبسط العبث إلى حال من الارتباك والفوضى».

ويخلص البحث إلى أن إدريس وونوس، «يقعان في مأزق الفصل بين أدوات الشكل الأدبي أو المدرسة الأدبية، وبين مضمونها في محاكاتهما ونقلهما للأعمال الغربية». وتجد الباحثة في ذلك إشكالية، «تسببت في عدم تحقق المسرح العربي كمشروع عالمي، من خلال الإفادة من تجربة المسرح الغربي ذي التجربة العميقة من جهة، ولا في اكتساب هوية عربية ثقافية خاصة به، تقدمه كتجربة مميزة من جهة أخرى». فإدريس قدم، من وجهة نظرها، مسرحاً عبثياً، لكن لا علاقة له بالعبث، وكذلك الحال بالنسبة إلى ونوس، «فهو لم يقدم مسرحاً ملحمياً مجرداً ومتجرداً، بل قدم مسرحاً سياسياً متخشباً»

 

أحمد زين

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...