خطوات في الدم

23-07-2006

خطوات في الدم

من دون سياسة، وبلا حديث عن حسابات الساعة وخلط الأوراق، ليس هناك ما يوقظ إسرائيل من وهم عظمتها سوى صفعة دامية، وغالبية العرب من وهم استراتيجية الاعتدال المجبرين على تطبيقها.
كيف يمكن العبور إلى بر الأمان الاقتصادي والاجتماعي الواعد، والبلاد محاصرة بمشروع امتداد عنصري صهيوني لا يجد من يقف في وجهه، أو من ينتقده لدرجة جدية التنفيذ والممانعة؟.
في بيوتنا، نجلس مساء كل يوم، بعد أداء عملنا وزياراتنا، وتفقد أملاكنا، وإجراء بعض الاتصالات، وربما في حضننا كيس من البطاطا، نشاهد ما يشبه المسلسل اليومي، السريع التطور، والمثير لدرجة حبس الأنفاس.
ومن التلفاز تطل علينا شابة في العشرين، تتحدث، ومن خلفها يتصاعد الدخان، عن حارة في مدينتها تتعرض للقصف الصاروخي. نغير القنوات، فتطل علينا أخرى، وقد تركت ابنتها ذات العام الواحد لتطلعنا على آخر التطورات، إثر تلقي قرية بأكملها إنذار الإخلاء السريع قبل القصف. تذكرنا بقرية أخرى، تلقت الإنذار ذاته، نفذته، فاحترقت عائلات بأكملها وهي تهرب في صندوق شاحنة.
تمد رجليك على الطاولة، فيما تكون إسرائيل قد استكملت تدمير الجسر العشرين في لبنان، وأقفلت الطريق الثالث المؤدي إلى سوريا من الأراضي اللبنانية.
بهدوء سافر ومخجل، نعيش حياتنا، نراقب غيرنا يخوض معركة من أجله وأجلنا، نحن العرب، فيما حالة دمشق أحسن من غيرها، في ممانعة الانحناء.
ولكن ماذا يقول ابن الدول الجارة، الذي تقيم بلاده علاقات أشبه بالتحالف مع الشيطان، فتقيم المشاريع المشتركة معه، وتتقاسم معه المياه، والكهرباء والسياسة، لكن من دون أن تتجرأ على الاقتراب من أرباح حروبه المديدة على الناس والجغرافيا.
ما يجري في لبنان، نفسه الذي جرى في فلسطين، على مدى خمسين عاما، وهو باسم وهدف واحد، إنه انعدام القدرة الصهيونية على الاندماج في المنطقة، والتعويض بالطحن العسكري. الهدف إن لم يكن إلغاء وجودنا، فهو جعله هامشيا أكثر مما هو عليه الآن، ومواجهته لا تنجح سوى بطرقه ذاتها، ووحشيته وجبروته.
استغاثة لبنان، ومن قبله فلسطين، ومعها العراق هي ذاتها. عجزنا، سوى في الشكوى لله والأمم المتحدة، في غياب السلاح الفاعل.
إن تحميل من تمكنوا من تحقيق النصر الوحيد على إسرائيل في تاريخنا، من دون مقابل، مسؤولية الحرب دافع للإحباط. كأنما إسرائيل هي أقل من جيش يريد الحرب، أو يناور باتجاهها.
كلام مؤخرا، لجنرال عجوز في لبنان، يقول فيه، إن من يمتلك قرار الحرب والسلم دوما هو إسرائيل، مضيء في زمن مظلم. ثمة من يقف على شرفة منزله فيرى السهل بامتداده، وإلى أي مدى يستطيع أن يبتعد في خياراته، وثمة من لا يستطيع، ولا يرغب، في الإطلالة على خيارات تحفظ كرامته.
ما يفعله مقاومو لبنان هو السير في الدم، لكتابة التاريخ، الذي إن لم نواجهه بالقسوة ذاتها، سيضغط على ذاكرتنا بألم عهوده السابقة.

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...