رسالة الإسلام : المسلمون أمة واحدة

02-08-2006

رسالة الإسلام : المسلمون أمة واحدة

قامت ، جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، تلبية لنداء قوي ألقى في روح المؤمنين ذوي الغيرة على الدين ، والحرص على هذه الأمة الإسلامية ، ولو أن رجال العلم والرأي لم يلبوا هذا النداء ، ولم يسارعوا إلى تكوين هذه الجماعة لكانوا مقصرين في حق أمتهم ، مسؤولين عن هذا التقصير أمام ربهم في يوم عسير يؤخذ فيه بالنواصي والأقدام.

   لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الدين رسولا إلى الناس جميعاً ، وكان من أبرز مبادئه التسوية بين جميع الشعوب ، وعدم الاعتراف بالفروق التي ألفت الناس أن يعترفوا بها ، ويتعاملوا على أساسها ، وكانت بعثة صلى الله عليه وسلم في وقت بلغت فيه العصبيات أوجها ، فكانت كل أمة تعتز بنفسها ، وتعتد بما عندها ، وتعتبر جنسها هو خير الأجناس ، وكان العرب أنفسهم منقسمين قبائل وأفخاذاً وبطوناً ، وكل قبيلة تعتقد أنها خير القبائل ، وتحتفظ بأنسابها ، ولا تختلط بغيرها ، حتى كان منهم قبائل لا تصهر إلى غيرها ، ولا يصهر غيرها إليها ، وسموا أنفسهم " بالجمرات " تشبيهاً بالنار التي تتقى ، ولا يجرؤ أحد على مسها ،فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم ذلك كله ، ونادي فيهم بقول ربه " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "، ثم كان تصرفه صلى الله عليه وسلم في سياسة المؤمنين مبنياً على المبدأ السامي : مبدأ إهدار العصبيات ، وهدم عوامل التفرق والتقاطع حتى ألف الله به بين جميع القلوب وبنى من هذه اللبنات المفككة صرحاً قوياً متماسكاً استندت إليه دعوة الحق ، واحتمى به الإسلام وهو ناشئ غض ، حتى جاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وقد امتن الله بذلك على رسوله وعلى المؤمنين فقال ، هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ، ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ، وقال " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله  جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ".

   فلما اختار الله رسوله إلى جواره سار أصحابه ـ عليهم رضوان الله ـ في طريقه، غير أن الزمان عاجلهم ببعض المشكلات فاختلفوا عليها، وكان خلافهم في دائرة الحق والمصلحة
كما يعتقد كل منهم ، ثم انقضت الحقبة الأولى من عمر الدولة الإسلامية ، بعد أن تركت في جسم الأمة جراحاً عميقة كان من سوء الحظ أنها لم تجد أساة معالجين ، بل وجـــدت من لا يزال ينْكؤها ويحييها ويحتفظ بها خضراء كما يعبر أدباء الغرب ، وفعلت السياسة فعلها ، وعادت العصبيات إلى سابق عهدها ، فتعددت الأحزاب والفرق والطوائف ،  وكثرت الخلافات والمسائل الجدلية ، وترامى المسلمون بالتهم ، وساءت بينهم الظنون ، ومشى كل فريق في طريق فضلّت بهم السبل عن الطريق السويّ ، وذاق بعضهم بأس بعض ، وتمكن منهم أعداؤهم ، فدسوا لهم في السياسة ، ودسوا لهم في التاريخ ، ودسوا لهم في العلم والرواية ، ودسوا لهم في النظريات الفلسفية ، والقضايا الغيبية ، وفتحوا لهم آفاق الشك والريب فيما لديهم ، وشغلوهم في الجدل والخصام حتى أنهكوا قواهم ، وأوهنوا عقولهم ، وحطّموا أعصابهم ، وأفقدوهم الثقة بأنفسهم ، والتعويل على مواهبهم ، ثم اقتطعوا أوطانهم قطعة بعد قطعة ، واقتسموها فيما بينهم غنائم باردة ، في صورة الاستعمار أحياناً ، والحماية أحيانا ، والوصاية أحيانا ، ومناطق النفوذ أحيانا ، وفتح الأسواق أحيانا ، وهكذا من كل ما برَّر به الغاصبون غصبهم ، وجعلوه ستاراً على مطامعهم وشهواتهم .

   تلك هي حال المسلمين اليوم ، وإن داءهم لقديم منذ تدابروا وتقاطعوا وصاروا شيعاً . كل حزب بما لديهم فرحون ، ولا صلاح لهم ، ولا شفاء من دائهم ، إلا بأن يعودوا كما بدأهم الله أمة واحدة لا فرق بين شعوبهم ، ولا تناحر بين طوائفهم ، ولا جهالة تصور الشيعي للسني ، أو السني للشيعي ، عدواً يظن به الظنون ويخافه على دينه وعقيدته ، ويتحفظ فيما يقرأ له من كتاب ، أو ينقل عنه من رأي .

   إن أصول الإسلام واحدة ، فكل المسلمين يؤمنون بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ، وكلهم يعتقدون أن القرآن حق وأن رسالة محمد حق وأنّ عليهم إذا تنازعوا في شئ أن يردوه إلى الله ورسوله ، وقبلتهم واحدة ، وصلواتهم واحدة ، ولا خلاف بينهم فيما بني عليه الإسلام من أسس ، فما بالهم يعيرون ما وراء هذه الأصول اهتماما ، ويخوضون فيه خوضاً ، ويعولون عليه تعويلاً ، حتى يلتحق بالأصول وما هو منها في شئ ، ويتخذ مقياساً للكفر والإيمان ، أو الإثم والبراءة ، وهو عن ذلك بمنأى ومعزل ؟

   إن المسلمين في ضعف لأنهم في تفرق ، وهم في تفرق لأنهم متقاطعون بجهل بعضهم ما عند بعض . ومن جهل شيئاً  عاداه ، ولو أنهم تقاربوا لتفاهموا ، وقد يزول بتفاهمهم كثير من أسباب خلافهم ، أو يحتفظ كل منهم برأيه فيما وراء العقيدة الإسلامية ، على أن يعذر بعضهم بعضاً ، ويحترم بعضهم بعضاً كما كان سلفهم الصالح من أئمة الدين والفقه يفعلون ، وتلك هي مهمة ، " جماعة التقريب " إن تريد إلا تعريف المسلمين بعضهم إلى بعض، وجمعهم
على أسس الدين الحق التي نزل بها القرآن وجاء بها الرسول ، ودعوتهم إلى إطّراح أسباب الخلاف فيما لا طائل تحته ، ولا فائدة تلتمس منه ، وتمكينهم من درس ما يعن لهم في جوّ هادئ ، لا يشوبه غبار التكفير والتأثيم والتظنن ، فإذا فعلوا ـ وإنهم إن شاء الله لفاعلون ـ فقد استقاموا على الطريقة ، وهيئوا أنفسهم لمستقبل كريم ، ومقام حسن . في هذا المعترك العالمي، يعينهم على أن يكونوا دعاة بر وإصلاح !

  إن سياسة الدول والأمم في العالم اليوم قائمة على التكتل والتحالف والانضواء في مجموعات متعاونة يسند بعضها بعضاً ، ويدفع بعضها عن بعض ، وأهم ليلتمسون أوهى الأسباب والروابط ليرتبطوا بها ، أما المسلمون فدينهم واحد ، وكتابهم واحد ، وهدفهم في الحياة وبعد الممات واحد ، وكل شئ بينهم يدعو إلى الألفة ، ويساعد على الوحدة ، فمن الخير لهم دينياً ، كما بيّنا ، وسياسياً كما علمتنا أحوال العالم ، أن يتفقوا ويتكتلوا ، وينسوا خلافاتهم ، ويذكروا فقط أنهم مسلمون ، وأن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وأن الله أمرهم في كتابه العزيز بأن يعتصموا بحبله ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان ، وألا يكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات .

   تلك هي رسالة التقريب ، وهي لعمري رسالة الإسلام ، ولقد بدت تباشير النجاح فيما تلقت به الأمة الإسلامية في ربوع العالم نبأ تأليف هذه الجماعة من ترحيب حماسي ، فقد جاءتنا كتب شتى من الأفراد والجماعات في شتى البلاد الإسلامية ، كلها تأييد للفكرة ، ومساهمة فيها ، ودعوة لها وإننا لنتوجه إلى الله بقلوب مخلصة أن يهيئ للمسلمين من أمرهم رشدا وأن يجمعهم على الخير والبر والهدى ، وأن يلزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ، وأن يحفظ حضرات أصحاب الجلالة والفخامة ملوكهم ورؤسائهم ، ويوفقهم إلى صراطه المستقيم.

   
  محمد علي علويه

من مختارات الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...