رفقاً بالقوارير وبالصحفيين

12-05-2010

رفقاً بالقوارير وبالصحفيين

عماد شعبان:  أنت صحفي إذا أنت متهم حتى يثبت العكس هذه هي القاعدة المطبقة بحقنا نحن معشر الصحفيين السوريين ومن يعتبرون أنفسهم صحفيين والإتهام هنا ليس كما قد يبدو للبعض اتهاما بالمعنى المتعارف عليه أي من سلطة أعلى تطبق القانون بحق من خرق القانون أو خرج على المألوف ولكن الإتهام يتم توجيهه أيضا إلى الصحفيين حتى من الفئات غير المحسوبة على الجهات الرسمية وشبه الرسمية .

فمن يمدح الحكومة من الصحفيين ( حتى لو كان صادقا ويعتقد أنها تستحق المديح) هو بعرف شرائح عريضة من الشارع صحفي (يمسح الجوخ ) ويداري وغير قادر على كتابة مواضيع جادة وناقدة فضلا عن توجيه عبارات جارحة واتهامات مباشرة خصوصا بعد انتشار (نعمة) المواقع الإلكترونية التي تبيح التعليقات لزوارها وبات شائعا بعد كل مادة لاتعجب القراء أن تنهال الإتهامات على الصحفي كاتب المادة فالبعض يتساءل (كم قبض) وذاك يتهمه بالإستزلام أما في الشركات والمؤسسات الخاصة فبعضهم يتعامل مع الصحفي على أنه متسول أو (بائع خضار) ومن لايقبل من الصحفيين أن يقبض فهو في أفضل الأحوال  (مفتري ) .

أما في المقلب الأخر فيبدو إن الجهات الرسمية لن تتسامح ويتسع صدرها في وقت قريب تجاه ماينشر في الصحافة المحلية وبأقلام الصحفيين السوريين فمن ينتقد هو إما حاقد وإما كاذب وإما سوداوي وإما مدفوع من جهة ما ومن النادر أن يلاقي النقد ترحيبا رغم أن السؤال البديهي الذي يفرض نفسه والذي أرجو كل مسؤول في بلدنا أن يسأله لنفسه : ماهي مصلحة الصحفي في أن ينتقد ويكتب بجرأة ويشير إلى الخطأ بقلم مثل حد السكين رغم أن الكثير من الصحفيين يكتبون ومنطلقهم الحرص على الإصلاح تطوعا وبدون أجر على كتابتهم ؟! وما الذي يجبر الصحفي على تعريض نفسه للمخاطر وإغضاب فلان وزعل علان؟! هل من المعيب أن يكون الصحفي شأنه شأن كثير من المواطنين السوريين غيورا على بلده ويريد أن يراها أجمل وأفضل بلد في العالم؟! ثم إنه إذا سكت الصحفي وسكتت الجهات الرقابية وسكت المسؤول فمن هو الذي سيشير إلى الخطأ والنواقص ؟وهل من المعقول أن يتم اختصار وظائف الصحافة بالوظيفة البلاغية الإخبارية ذات الإتجاه الواحد .

أما المعضلة الكبرى التي تقف في وجه الصحفيين السوريين فهي عدم وضوح الهوامش فما هو مقبول من مواضيعهم اليوم قد يكون غدا معلونا مذموما ومايقابل بتفهم لدى مسؤول قد يقابل برد فعل مبالغ به لدى مسؤول أخر ومايزيد الطين بلة أن القانون الذي يفترض أن ينظم مهنة الصحافة والإعلام يعود إلى عشرات خلت من السنين فيما القانون الجديد الموعود لايفتأ ينتقل من  موعد افتراضي إلى موعد افتراضي آخر ليبق الصحفي السوري أسير التقديرات المتضاربة لنواياه ومواقفه ودوافعه التي أثق 100%  أنها في الأغلب الأعم منها دوافع وطنية تنبع من حرص وغيرية على كل مافي هذا الوطن .

أما الحالة المادية التي يعاني منها معظم الصحفيين السوريين فهي ذات شقين الأول يتعلق بتدني ريعية العمل الصحفي بالنسبة للجهد المبذول فالصحفي لا وقت محدد لعمله ولاعطلة محددة له فهو قد يعمل عدة أيام بدون استراحة وقد يمر العام دون أن يتمكن بسبب ظروف العمل من أخذ إجازة فضلا عن ساعات العمل اليومية الطويلة والمرهقة وهو مايمنعه من القيام بأي عمل ذات طبيعة أخرى على غرار مايفعله المهندس أو الطبيب أو الحرفي أو أي موظف حكومي لتحسين دخله عبر عمل آخر وهذا يقودنا إلى الشق الثاني من المعضلة المادية وهي الحديث القديم المتجدد عن إمكانية منع الصحفي من العمل والكتابة في الإعلام الحكومي والإعلام الخاص في آن معا وهذه قضية مجحفة لثلاثة أسباب الأول أن الصحافة الرسمية في بلدنا هي الوحيدة القادرة على استيعاب الصحفيين وتأمين فرص عمل بدخل ثابت يقيهم المزيد من شظف العيش لأن المؤسسات الإعلامية الخاصة لم تستطع الوقوف على قدميها وتقديم فرص عمل حقيقية للصحفيين فضلا عن إنغماسها المفرط والمنهك في البحث عن الربح والإعلانات أما السبب الثاني لإحجاف منع الصحفي من العمل في الإعلام الرسمي والخاص  فهو أنها لاتساوي الصحفي مع غيره من أصحاب الوظائف الحكومية والسبب الثالث يكمن في أن الصحافة مهنة إبداعية لاتشبه غيرها و لها أكثر من وجه وأكثر من باب فهل يعقل مثلا أن يمنع من يعد التقارير الإخبارية في التلفزيون أو وكالة الانباء من كتابة مقالات أو نشر مقابلات وتغطيات في صحف ومجلات خاصة أو خارجية ؟! فبناء على هذا المعيار يجب أن يتم منع كل ممثل وكل مونتير وكل مصور وكل مخرج(وهم بالمناسبة كثر) يعمل موظفا في التلفزيون السوري من أداء أي دور وأي عمل في أي مسلسل أو فيلم أو مسرحية لدى أي شركة خاصة داخل أو خارج سورية ؟ ومايثير الحيرة والإستغراب ماهو المعيار والحجة في المنع والأهم هل هناك مصلحة في منع أي صحفي من كتابة أو نشر فكرة أو مساهمة حتى وإن كانت ناقدة أو حتى متحاملة ربما بغير قصد؟ فعلى الأقل هي تغني النقاش وتغني الجو الإعلامي وتشحنه بمزيد من الحيوية التي لا أعتقد أن كثيرون يخالفونني الرأي في أننا نفتقدها بعض الشيء في الصحافة السورية.

أيها الناس إيها المسؤولون إيها الأخوة في الوطن والمواطنة: رفقنا بالصحفيين فهم بشر من لحم ودم وهم مواطنون صالحون وكثيرون منهم مصلحون وليس لهم ذنب سوى أنهم ولدوا وفي رأسهم (سوسة الصحافة ) التي هي أولا الهواء الذي يتنفسونه وثانيا هي مصدر رزقهم فاتركوهم بحالهم ويكفيهم هما وغما( الشقاء في النعيم بعقولهم ) وحسبهم أن اتحادهم الذي يفترض به  أنه يمثلهم يقف في غالب الأحيان عاجزاً أو متفرجاً بإزاء معاناتهم.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...