27 % من السلع في أسواقنا مغشوشة أو مقلّدة

23-05-2010

27 % من السلع في أسواقنا مغشوشة أو مقلّدة

رغم تعددية الجهات الرقابية، التي من المفترض أن تراقب انسيابية السلع والمنتجات الاستهلاكية إلى أسواقنا، سواء القادمة من الخارج أم المتداولة على الصعيد الداخلي، إلا أنّ الواقع يشير إلى ارتفاع نسب السلع المقلّدة والمغشوشة في أسواق أغرقت بالمنتجات، حيث يشير بعض خبراء الاقتصاد إلى بلوغ هذه النسبة 27 % من مجمل السلع المتداولة، ما يعني وجود مشكلة حقيقية تضرّ المستهلك والتاجر والصناعي، وكمحصلة نهائية، الاقتصاد الوطني.
وبالأرقام، تشير مديرية حماية الملكية التجارية إلى 200 شكوى دوّنت في سجلاتها حول موضوع تقليد الماركات وبراءات الاختراع والنماذج الصناعية، حيث بلغ عدد الدعاوى القضائية لدى المديرية أكثر من ستمئة وخمسين دعوى منظورة أمام القضاء. في حين وصل عدد العيّنات المخالفة في مديرية الشؤون الفنية والجودة في دمشق خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 289 عيّنة، وخلال الشهر الرابع من العام الحالي، وصل عدد العينات المخالفة إلى 92 عينة.
ومع قصور أداء الجهاز الرقابي، واقتصاره على أسواق محدودة، يمكن ضرب هذه الإحصاءات بعشرة أضعاف، وعليه، ومع اتّسام مجتمعنا بصفة الاستهلاكي بامتياز، وفتح الأسواق أمام الاستيراد، وغياب المخابر والرقابة، يتّضح أنّ مستهلكنا يتعرّض إلى استغلال غير مشروع، وضعف في حماية الجهات الرقابية، أمام زحف البضائع المقلدة والمغشوشة والمزورة.
وبناء على ما تقدّم، ما أسباب ازدياد هذه الظاهرة.. وهل هي محلية المنشأ أم مستوردة ؟.. وما رأي الجهات الرقابية في أسباب قصور دورها.. وإلى أيّ حد يؤدي ضعف دخول القوة الشرائية دوراً ايجابياً حيالها ؟.. والسؤال الأهم: من يحمي المستهلك؟!.
  ¶ قد يكون خياراً
تسيطر الرياضيات والفعل الحسابي على حياة المواطن في كيفية تعامله مع احتياجاته الحياتية، فكل شيء لديه قابل للضرب والجمع والقسمة والطرح، وتبدأ أيام شهره بلعبة التوازن بين الدخل الشهري والاحتياجات اليومية، ويكون رجحان الكفة لمصلحة الأخيرة، الأمر الذي جعل المستهلك فريسة أعمال الغش والتدليس وعرضة للسلع المقلدة والمزورة، وخاصة تلك التي تحمل صفة الاستهلاكية والغذائية.
وهذا ما دفع خبراء الاقتصاد إلى القول بأنّ الدخل الضعيف للمستهلك هو من روّج لظهور تجارة الغش والتدليس والتقليد، يدعمها قصور أداء الجهات الرقابية وعجزها عن متابعة حركة الأسواق، فمحافظة مثل محافظة ريف دمشق مساحتها 18.018 ألف كم2، وتتضمّن 9 مناطق، و27 ناحية، و28 مدينة، و190 قرية، و82 مزرعة، وتقع على حدود ثلاث دول جارة؛ لبنان والأردن والعراق، وعدد كادرها الرقابي التمويني 42 عنصراً، ما يهمنا أنّ إقبال المواطن على شراء هذه المنتجات، التي تدخل في صلب استهلاكه اليومي، أمر يتعلق بقدرة البائع على إقناع المستهلك بأنّ هذا المنتج من الشامبو الذي يباع في محال الجملة بـ 220 ليرة، وعنده يباع بـ 90 ليرة، هو ذات المنتج والماركة، والسبب الرئيسي لفرق السعر هو قرب موعد انتهاء مدة صلاحيته، وضرورة استهلاكه وعدم تخزينه، أو إقناعه بأنّ المعمل، ونتيجة ظروف مالية، خفض من الأسعار، وطرح منتجه بوفرة في الأسواق، أو يدّعي أنّ المنتج مهرّب، وخلاف ذلك من الحجج التي تدفع المستهلك إلى اقتنائه، ليس بشكل قسري، بل بشكل اختياري، على أنّه ـ في حقيقة الأمر ـ يعتبر خياره الوحيد.

 ¶ الغلبة للغش والتدليس 
الغلبة في أسواقنا لحالات الغش والتدليس، وتتركز في المواد ذات الاستهلاك اليومي الكبير، مثل الحليب والألبان والأجبان ومشتقاتها، وزيت الزيتون، وبعض التوابل واللحوم، سواء أكانت بيضاء أم حمراء، والمنظفات بأنواعها، والعديد من السلع المشابهة.
الدكتور محمد حلاق، مدير الشؤون الفنية والجودة في وزارة الاقتصاد، يقول: «كمخابر، يردنا العديد من العينات لتحليلها، ومعرفة مدى مطابقتها للمواصفات، مثل علب سردين، مثلاً، مكتوب عليها وزن 140غ، وعند التحليل يتبين أنّها 120غ، أو مادة من الرز مكتوب عليها صنف رابع، وتكون من الصنف الخامس، كذلك الحال في مادة اللبنة المغشوشة بخلط الدسم البناتي مع مادة النشأ والسبيداج، وخاصة في المناطق الشرقية، وزيت الزيتون خلطه بزيوت الصويا النباتية، ويمكنني القول إنّه خلال الربع الأول من العام 2010 حللنا قرابة 3305 عينات، كان المطابق منها 2865 عينة، والمخالف 289 عينة، نسبة المخالفة عموماً كانت بحدود 9% بالنسبة إلى الربع الأول، كما أتتنا عيّنات للدراسة من قبل مراكز مختلفة بحدود 150 عينة، وخلال الشهر الرابع فقط وردنا 1100 عينة للتحليل، 975 منها مطابقة، و92 منها مخالف، و31 عينة للدراسة».
بطبيعة الحال معظم حالات الغش والتدليس تتمّ في ورش صغيرة بعيدة عن الأنظار، ومسوّقو منتجاتها موظفون لدى رب العمل.
ونجد حالات الغش أيضاً في الأدوات الكهربائية والإلكترونية المعاد تصنيعها أو ترميمها وتنظيفها، وفي بعض التقانات الرقمية، حيث يصعب على المستهلك التفريق بينها وبين الجديد.

¶ سورية بلد عبور لا بلد تصنيع 
لكي نكون منصفين، ليس عيباً أو وصمة عار، أن يكون هناك تزوير أو تقليد، فقرابة 11% من حجم التجارة العالمية عبارة عن سلع مقلّدة، لكنّ العيب أن نكون بلد عبور لا بلد تصنيع، ومع ذلك نجد حالات التقليد والتزوير، بمعنى آخر نحن مبدعون في الصناعة التي تخرب الاقتصاد وتضرّ بالمستهلك، وليس مبدعين في صناعة نفاخر بها عالمياً.. يقول جميل أسعد، مدير حماية الملكية التجارية والصناعية: «من ضمن مهمات مديرية حماية الملكية التجارية التحقيق في الشكاوى المتعلقة بالتقليد وتنظيم الضبوط اللازمة بشأنها وإيداعها النيابة العامة لمعالجتها من قِبَلها أصولاً، والإشراف على عمل عناصر الضابطة العدلية في المديرية، ومديريات التجارة الداخلية في المحافظات، وتنفيذ القرارات والإجراءات القضائية الخاصة بحماية الملكية، وبالتالي عملنا مرتبط بموضوع التحقق من شكاوي التقليد والتزوير، التي منشؤها محلي لجهة أنّ سورية بلد عبور وليست بلد تصنيع، وبالتالي حجم الشكاوي لا يعكس صحّتها، فخلال العام الفائت بلغ عدد الشكاوى الواردة إلينا بهذا الخصوص ٢٢٠ شكوى، وهي موزعة على 186 شكوى في موضوع تقليد علامة فارقة، و٢١  شكوى في موضوع تقليد رسم ونموذج صناعي، و13شكوى في موضوع تقليد براءة اختراع، كما بلغ  عدد الدعاوى القضائية لدى المديرية أكثر من ستمئة وخمسين دعوى منظورة أمام القضاء». 
 ¶ صلاحيات متواضعة لا تعكس الرغبة في القمع
مصدر مسؤول في تموين ريف دمشق يقول: «من خلال متابعتنا موضوع وفرة وانسياب المواد الغذائية وغير الغذائية في أسواقنا، وللتأكد من جودتها ومواصفاتها، فإننا نضبط كثيراً من المواد المخالفة للمواصفات بشكل عام، منها ما هو مقلد أو مزور، من خلال لجوء بعضهم إلى تقليد ماركات مشهورة ورائجة في الأسواق ولها سمعة طيبة لدى المستهلكين، وهذا ما يسمى تدليساً على المستهلك، وقد نص عليها قانون حماية المستهلك رقم 2 للعام 2008، وقانون قمع الغش والتدليس رقم 158 للعام 1960 المعدل بالقانون 47 للعام 2001، حيث عاقبت هذه القوانين كل من يقوم بوضع بيانات وهمية أو تضليل المستهلك بنوع أو صنف أو بسعر أو بجودة مادة ما، والأساليب المتبعة في التضليل كثيرة؛ منها ما يكون التزوير فيها مطابقاً تماماً، ومنها ما يكون أقرب إلى المطابقة، ومنها ما يتحايل على صورة المادة أو رسم الماركة أو بتغيير حرف من اسم الماركة أو بوضع شعار شبيه بالشعار الأصلي.
طبعا هذه المخالفات منها ما يضبط من قبلنا بشكل مباشر في الأسواق، ومن ثم نتخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين خاصة إذا كانت المادة المقلدة أو المزورة تحمل مواصفات رديئة وأقل جودة من الماركة الأصلية، وهنا الإساءة تكون إلى المستهلك بشكل أساسي، ولصاحب الماركة الأصلية، حيث يساء إلى إنتاجه، وإلى سمعة منتجه،  ومنها ما نتابعه من خلال الشكاوى التي ترد من أصحاب الماركات الأساسية المتضررين من هذا التقليد.
وأكثر المنتجات المقلدة هي الغذائية والكهربائية، ومؤخراً ضبطنا عملية تزوير وتقليد لماركة معروفة من المنظفات وبمواصفات رديئة، والجدير بالقول أن الشخص المقلد يعتمد على ضربات سريعة وخاطفة ولمرة واحدة، وغالبا ما توزع في المناطق البعيدة عن مكان الإنتاج الحقيقي. عموماً، قانون حماية المستهلك شدّد على موضوع العقوبات والغرامات المالية المفروضة على المخالف، وكلما كانت المخالفة لها علاقة بالصحة كانت العقوبة أكبر، وهذا الموضوع يعود تقديره إلى القضاء المختص .. ومن جانبنا نقوم باتخاذ إجراءات مشددة إضافية على هؤلاء المخالفين، وفق ما أجاز لنا القانون بإغلاق هذه المنشآت لمدة تصل إلى شهر كامل»
  ¶ حتى الفليفلة لم تسلم من حالات الغش !!

المهندس بسام هزاع، مدير تموين دير الزور، المحافظة التي تبلغ مساحتها 33.06 ألف كم2، وتتضمن 3 مدن، و11 ناحية، و128 قرية، ويعمل على ضبط أسواقها 15 عنصراً تموينياً، يقول: «العام الفائت ضبطنا منظفات غسيل متعددة الماركات، وبكميات كبيرة، ومعظمها مشهورة، عليها بيانات وهمية، وحالات الغش فيها تقع في الوزن، وانخفاض نسب المادة الفعالة إلى 3.8 %، في حين نسبة الحد الأدنى 12 %. ولا تحمل سجلاً تجارياً أو اسم الُمنتج. أيضا مادة العسل التي تباع دون ماركة، وفي علب نايلون، ونسبة السكر فيها كبيرة جداً، ومادة اللبنة على دفعات كبيرة تصل إلى نصف طن كلّ مرة، أيضاً ضبطنا كميات من مادة الفليفلة الحمراء المطحونة والمغشوشة والمخلوطة بمادة نشارة الخشب، أيضاً كميات كبيرة من عبوات زيت دوار الشمس، التي تبين بالتحليل أنها تحتوي على زيت الصويا، إضافة إلى التلاعب في الوزن».   
طبعاً هذه المصادرات تمّت بحدود ضيقة جداً، وما تعانيه الأسواق أكبر من ذلك بكثير، لجهة أنّ قوام عناصر الرقابة في تموين دير الزور لا يتجاوز الـ 15 عنصراً، موزعين إلى 8 عناصر ضمن مدينة ديرالزور، و4 في منطقة الميادين، وللبوكمال 3 عناصر.
وبعد كل ما تقدم، هل لنا أن نسأل ونستنكر ونستغرب حالات الغش والتقليد والتزوير في أسواق تعجّ بالبضائع والمنتجات من مختلف الماركات دون حسيب أو رقيب!!؟؟. 
 التقليد والتزوير طال الغذائيات والمواد الاستهلاكية في كافة أنواعها، البرمجيات وتقانات الكمبيوتر، الأدوية، قطع السيارات، أدوات ومستحضرات التجميل، الأدوات الكهربائية وغيرها. 

رياض إبراهيم أحمد

المصدر: بلدنا

التعليقات

من يحاول الافتراض أن سبب الغش و التزوير هو ضعف إمكانيات المشتري هو واهم و غير دقيق. السبب الوحيد و النهائي هو الجشع و الذي تهيج كلابه مشاعر مختلطة عند التاجر بالذعر و عدم الأمان في ظل التغيرات الاقتصادية السائدة في البلاد. فالتاجر يشعر بتنافسية أعلى بكثير من طاقاته, أسعار المحال و المنشآت إلى ارتفاع, و يد عاملة و أفواه جديدة تقضم السوق من قاعدتها الى أعلى هرمها. كل هذا قوض أبسط أخلاقيات السوق, و ليس فقط بل قوض شرعية عقد الشراء بين الزبون و البائع . نحن ندفع أسعار مرتفعة مقابل منتجات مزورة أو منتهية الفاعلية او ذات نوعية متدنية. في أمريكا تباع منتجات التنظيف بالحاويات- بمعنى الكلمة- فقيمتها الفعلية لا شيء. هي مواد للإستهلاك. في الوقت الذي تباع في سوريا و كانها عينات مخبرية من بوتيكات المستقبل!!!! منظف للفم في علبة تشبه علب الدواء!!!! إنها حفلة سرقة في سوريا. تبدو الدولة كسبية أو غنيمة حرب و الجميع يستكلب لينتزع قطعة. موظفي المخابر الحكومية و الجمارك و الدوائر المسؤولة كلها تشترك مع التاجر في اختراق الدولة . و السبب بسيط و هو ان محاربة الفساد ليست هي المستحيلة و لكن الاستغناء عن الفساد الذي يمول جيوب ساستنا هو المستحيل.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...