هـل تلـوح أزمـة غذائيـة عالميـة فـي الأفـق؟

12-08-2010

هـل تلـوح أزمـة غذائيـة عالميـة فـي الأفـق؟

عاد القلق والتوتر ليظللا عالم المواد الغذائية، اذ زادت أسعار القمح بنسبة 50 في المئة منذ مطلع حزيران الماضي، وهي اكبر قفزة منذ 30 عاما، وفقا لـمصرف «إتش إس بي سي». الجفاف في روسيا وأوكرانيا وكازاخستان، التي تشكل معا مصدر 26 في المئة من صادرات القمح في العالم، يؤدي إلى مخاوف من نقص العرض وارتفاع فائق لأسعار الشحن. واتى اجراء الحكومة الروسية الخاص بفرض حظر على صادرات القمح في آب الحالي ليزيد الامور سوءا. فارتفاع الأسعار المفاجئ اثار شعورا مخيفا لدى الجميع، منذرا بعودة العالم الى مرحلة ارتفاع الأسعار الزراعية وتظاهرات الغذاء في العامين 2007 و2008. ولن تتوقف تبعات ذلك، عند الإساءة للفقراء فحسب، بل قد تطال ايضا عملية التعافي، غير المشجعة أصلا، من الانكماش الاقتصادي العالمي.
والحقيقة هي، ان أزمة الغذاء لم تنته أصلا، فانخفاض أسعار المواد الغذائية الزراعية بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته قبل عامين، لم يعدها إلى مستويات ما قبل الارتفاع، بالرغم من الأضرار التي لحقت بالنمو الاقتصادي والمداخيل والتجارة، نتيجة الانكماش الاقتصادي. والخوف اليوم من ارتفاع أسعار القمح ليس إلا مؤشرا على ما سيكون واحدا من أكبر التحديات التي ستواجه الاقتصاد العالمي خلال السنوات الـ20 المقبلة: معركة إطعام العالم! ونعاني اليوم من ثلاثة عقود من الإهمال الزراعي وهي الفترة التي كان القطاع متعطشا فيها لموارد وتكنولوجيا مهمة لمواكبة الطلب العالمي المتزايد. وبالرغم من وجود إجماع عالمي متزايد حول الحاجة إلى ثورة خضراء ثانية، لسنا سوى في بداية عملية طويلة ومكلفة لإصلاح المزارع في العالم. وهذا يعني أننا سنشهد على الأرجح ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية بصفة عامة على مدى العقد المقبل، ومخاطر استمرار تقلبات الأسعار الخطيرة كوضع القمح اليوم.
ولكن قبل كل شيء، هل يعني ارتفاع أسعار القمح، عودة لأزمة الغذاء في العامين 2007-2008؟ يجيب المحللون ومراقبو السلع بالنفي على هذا السؤال، خصوصا انه من المتوقع ان تكفي مخزونات القمح (لا سيما بالمقارنة مع الفترة 2007-2008) ، وان يكون موسم الحصاد المقبل بالنسبة الى المنتجين الكبار مثل الولايات المتحدة قويا، وذلك خلافا لما حدث قبل 3 اعوام.
لكن الغذاء ليس كغيره من المنتجات المتداولة في الأسواق العالمية. فهناك الكثير من العواطف المحيطة به، اذ لا يرغب أي بلد بنفاد الطعام أو مشاهدة ارتفاع الاسعار توقع الناس في براثن الفقر وسوء التغذية، ما قد يؤدي إلى أعمال شغب وإسقاط للحكومات. حتى ان مصدري ومستوردي الحبوب على حد سواء، يصبحون على استعداد لاتخاذ اجراءات متطرفة، كحظر التصدير، اذا اعتقدوا باقتراب أزمة غذائية، وارتفاع للاسعار. ويرى «إتش إس بي سي» انه بالرغم من ان ازمة القمح في روسيا ليست كافية لتؤدي الى تضخم أسعار الغذاء العالمية، فإن الردود السياسية المضادة قد تزيد من ارتفاع الاسعار: «من الضروري رصد سياسات كبار المصدرين، والمستوردين، الذين قد يتجهون إلى الشراء الكثيف للتخزين، خلال الأسابيع المقبلة».
ولكن أيا كان ما سيحدث للقمح خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يبقى الغذاء باهظ الثمن مقارنة بمعايير الماضي القريب، ومن المرجح أن يستمر الامر على هذا المنوال، كما تؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة الأغذية والزراعة في تقرير صدر في حزيران الماضي، أكدتا فيه ان متوسط أسعار القمح سيرتفع بنسبة ما بين 15 و 40 في المئة على مدى السنوات العشر المقبلة، مقارنة مع متوسط مستوياتها خلال الفترة بين عامي 1997 و 2006. ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار الحقيقية للزيوت النباتية بنسبة اكثر من 40 في المئة في حين من المتوقع أن يرتفع متوسط أسعار منتجات الألبان بنسبة تتراوح بين 16 و 45 في المئة.
كيف يمكن تفادي الازمات المستقبلية؟ سؤال اجاب عنه تقرير المنظمتين العالميتين، اللتين اكدتا ضرورة الاستثمار الاوسع في القطاع الزراعي، ورأتا انه من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم 2.3 مليار شخص بين عامي 2009 و 2050 على ان يتمركز هذا النمو تقريبا في البلدان النامية. ويقدر أن تتطلب تغذية 9 مليارات إنسان، زيادة بنسبة 70 في المئة في الإنتاج العالمي من الغذاء بين عامي 2007 و2050. ولدعم التوسع اللازم في الإنتاج في البلدان النامية، قدّرت الـ«فاو» متوسط الاستثمارات السنوية الضرورية في قطاع الزراعة والخدمات الأساسية اللازمة (مثل التخزين والتجهــيز) بقيمة 209 مليار دولار على أساس أسعار العام 2009، بصرف النظــر عن الاستثمـارات الحكومية الضرورية في قطاعات المواصلات والريّ والكهــرباء والتربية.
إذن، فبالرغم من أننا لا نواجه خطرا محدقا بأزمة غذائية وشيكة، من الواضح اننا إذا لم نقم بالاجراءات اللازمة لدعم الانتاج الغذائي، سنواجه خطر أزمة مستقبلية، وفي هذه الأثناء، سيبقى تهديد ارتفاع الأسعار مخيّما على الأجواء. استمتعوا بطعامكم... قبل أن تستعصي أسعاره عليكم!

المصدر: السفير نقلاً عن «تايم»

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...