الوطن المشاع لا ينجو بالأقوال الشائعة

09-09-2006

الوطن المشاع لا ينجو بالأقوال الشائعة

قدمت حرب الـ33 يوماً منشطات للتسول اللبناني, الذي يعتبر الأقدر في العالم على جمع التبرعات والودائع والقروض. وكأي امرأة جميلة, سيهدر لبنان ما وصل في «المكيول», وحتى ما سيبقى على ذمة «الفول» و«المشمش» و«الكمون», على المكياج وعمليات التجميل. أما الناس, فسيتركون لأمراضهم النفسية, وأحقادهم المذهبية, وخلافاتهم العميقة, تسرح وتمرح وتردح كأبي المراجل.
لو كان المسؤول مسؤولاً عن بناء وطن, لأنفق نصف خزينته على معالجة شعبه, من التخلف المخيف, الذي ما عاد من الممكن تغطيته بعدد الجامعات, ونوعية المدارس الخاصة, وإحصاءات الخريجين, وبمهارة الأطباء وشطارة رجال المال والأعمال, ولا بذكاء المصارف الاحتيالي, ولا بالمستوى الاعلامي والثقافي.
في داخل كل لبناني حقول من الألغام, لا بد من تنظيفها, إذا أردنا ألاَّ نتسول مرات جديدة لإعمار ثالث ورابع و...
صحيح أن كلمة «ثورة» تزعج الكثير من السياسيين, لكن لا مفرّ من الدعوة الى ثورة إعلامية وثقافية وتربوية, تقوم بغسيل حقيقي لرؤوس اللبنانيين الغارقة في ظلمات قديمة ومتجددة.
غسيل بمواد منظفة ومطهرة من الجراثيم الوبائية المستوطنة في العقول والعواطف.
ثورة في الكتاب المدرسي والفيلم والتلفزيون والجريدة والمجلة, تفضح المذاهب والمذهبيين, والطوائف والطائفيين, بلا خوف من ردود الفعل وغضب «مرجعيات» الروح والجسد.
لا تكفي القراءة في الديمقراطيات, بينما المطلوب أن نكون ديمقراطيين. كما لا يكفي العيش في نهضة الآخرين, وفي دار كل منا يتكدّس «عفش» موروث من أيام معاوية وكربلاء, ومن زمن مطاردة العثمانيين لمار مارون.
إن أهم صناعة نصنعها اليوم هي النهضة. وأهم إعمار هو تعمير الانسان, إذا كنا فعلاً نسعى الى لبنان نباهي به الأمم.
لا بد من الاعتراف بأننا مجتمع هش, يخفي ما يؤمن, ويؤمن بما يخفي. ويتحدث عن وحدة وطنية, وكل فرد فيه يحلم بوطن بديل. ويتمسك بدولة المؤسسات, ويبحث بافتخار وعنجهية عن واسطة تعينه على مخالفة القانون.
لا جدوى من الإفاضة باستعراض الأمراض اللبنانية, التي تسخر من السياسيين وهم ينكرون وجودها بتصريحاتهم, المضادة للصراحة, عن وحدة وطنية سادت, ولا يقدر أحد بعد اليوم على فكّها, وها هي تحتاج الى «ورشة دولية» في طول البلاد وعرضها وبحرها وبرّها, لا لتركيبها, بل لمحاولة تجميعها ومنعها من التناثر والتصادم, بعد أن ثبت عجزها عن التلاحم.
نحن بلد بالغ الهشاشة. وأسوأ ما فيه, أننا لا نعترف بأن المستقبل مجرد إعادة لفيلم تسجيلي لدمار وضحايا... وإعمار.
فيلم مكرر, ولكن بإخراج جديد لجيل جديد.
إذا أردتم لبنان الحلم, فهو لن يقوم بغير الثورة.
ثورة قوانين شديدة ومتشددة, لا تخترقها الزعامات ولا تلغيها الكنائس والمساجد.
قوانين تبدأ فيها النهضة اللبنانية, من حيث وصلت النهضة الأوروبية.
نظام ديمقراطي خالٍ من التهريج, والكوليسترول المذهبي, والتشوّهات المناطقية, ومراعاة خواطر الكبار ومصالحهم.
انتماء عربي إيماني, لا مجرّد مسايرة تحضر في المناسبات والمنافع.
ثورة في العقل, حتى لو استنفدت نصف ميزانية الدولة لسنوات متتالية.
يا كل مسؤول,
إذا لم يتبدّل اللبناني, فلن يتبدّل لبنان. ولن يجدي القول, بعد كل حرب, «تنذكر وما تنعاد»... فالوطن لا ينجو بالأقوال الشائعة طالما أنه مشاع.

وليد الحسيني

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...