أثر ألف ليلة وليلة في قصف هانس أندرسون

25-01-2007

أثر ألف ليلة وليلة في قصف هانس أندرسون

صدرت طبعة قصص الدنماركي هانس اندرسون بترجمتها العربية الأولى في القاهرة سنة 1940 والثانية في القاهرة أيضاً سنة 1961، وقد بادرت وزارة الثقافة في دمشق أخيراً إلى إصدار الطبعة القاهرية العريقة الممهورة بتوقيع محمود إبراهيم الدسوقي بمناسبة مرور قرنين على بزوغ نجم رائد قصص الأطفال في العالم، وكانت أصدرت طبعة في منتصف الثمانينات بعنوان «حورية البحر». تتميز طبعة القاهرة بسرد الدسوقي البياني الجزل، ولغة الإنشاء المفعم بالتوشية، وغنى المفردات وتنوعها، التي تزيد من قاموس المفردات لدى اليافعين، وان كانت تحتاج إلى شرح في بعض الأحيان بسبب قدمها.

لم يحقق الفتى هانس كريستيان اندرسون، المولود في 2 نيسان (أبريل) 1805 في اودنزي في جزيرة فنين لأب حذّاء حلمه. كان حلمه المسرح والوقوف إلى جانب الممثلين المعروفين أو غناء الأوبرا أو كتابة المسرح والرواية التي كانت من طموحه ايضاً. اشتهر بالبلادة أول أمرة ولاقى التشرد والجوع عندما توجه إلى كوبنهاغن، وجد عطفاً وصداقة من الموسيقيين كريستوف وايزه وسيبوني ورعاية لم تطل من الشاعر فريدريك هوغ غولدنبرغ. غادر المسرح إلى رواية القصص التي تعلمها من أمه الراوية البارعة، والغسالة الأمية، التي كانت تسرد عليه من بنات خيالها البكر المترع بالخرافات والأحلام الأولى، قصصنا توسع قبل النوم الغرفة الضيقة حيث يعيش فيها مع أهله. زوّده شكسبير الذي كان يستعير كتبه استعارة بفهم للنفس البشرية، وأضفى الملحمية على قصصه بأبطالها التراجيديين من ملوك منكوبين أو فقراء معدمين. نظم اندرسون شعراً لم يسترع اهتمام مدرسيه في المدرسة الاجرومية، على العكس من غولدنبرغ الذي كان يستبشر بموهبته.

تكشف قصصه عن حنان كبير وعاطفة رحيمة مردها غياب والديه المبكرين. تولاه الملك فريدريك السادس ملك الدنمارك بعد أن سمع بموهبته وقصصه، فأرسله إلى المدرسة الاجرومية فبقي فيها حتى عام 1927 ثم انتقل إلى الجامعة، زار بعدها ألمانيا وايطاليا وأسبانيا وأفريقيا والأناضول. وستنعكس مشاهداته على تلوين قصصه وتخصيبها وتنويع أماكنها. كما ستدفعه إلى كتابة أدب الرحلات فيكتب «المصور بلا صور» و «رحلة على الأقدام» و «عازف الكمان» و «في أسبانيا» التي تتضمن وصفاً شائقاً لرحلته.

لم يبتسم الزمن لهانس اندرسون إلا متأخراً. طبعت قصصه في عام 1835، ثم علا نجمه إلى درجة أن أوروبا بأسرها احتفلت به في عام 1845، فلم يسلم من الغرور، وكان من جملة معجبيه تشارلز ديكنز وريتشارد واغنر.

تبدأ قصص اندرسون غالباً بجملة الحكايات المفتاحية الأثيرة «في سالف الزمان» ويبدو تأثير ألف ليلة وليلة في كثير من القصص خصوصاً قصتي «الإوزات العراقيات البرية» المتأثرة بحكاية الحسن البصري و «القداحة» التي تنسج وحدات حكائية من حكايتي علاء الدين والمصباح السحري مع خيوط من حكاية علي بابا والأربعين حرامي وتكاد أن تكون هي القصة الوحيدة التي تخفي عنفاً. فالجندي بطل القصة يقطع رأس الساحرة بالسيف على رغم عدم وجود مبررات قوية سوى السحر، وهو الأمر الذي يشير إلى مسيحيته الكارهة للهرطقة.

تظهر هذه النزعة الدينية في كثير من القصص التي تحرص عموماً على هدف تربوي إنساني وديني يتجلى في عبرة ومـــوعظة كما في قصة «الحذاء الأحمر» التي تعاقب بالموت بجنازة باردة لعدم حزنها على أمها في جنازتها، فالجزاء من جنس العمل. القصة هذه يمـــكن أن تكون مقتبسة من حكاية سندريلا مقـــلوبة، فالحذاء الذي كان نعمة على سندريلا تحول إلى نقمة عليها. المؤثر الأدبي الثاني بعد ألف ليلة وليلة هو التراث الميثولوجي الإغريقي الذي يظهر واضحاً في قصة «جنة الفردوس»، التي تذكر برحلة جيسون في بحر الضياع.

شحن اندرسون الحكاية الطفلية بالتفاصيل وصنع أبطالاً جدداً من الجمادات والأشياء، وزود أفلام الرسوم المتحركة بكثير من القصص ليس آخرها «تويز» الذي أنتجته والت ديزني عن «الجندي الصفيح». ولا تكاد تخلو مناهج دراسية عربية وأجنبية، أو دورية من دوريات الأطفال من قصصه الشهيرة: مثل «بائعة أعواد الثقاب» الفقيرة التي تتدفأ على حزمة أعواد الكبريت مضحية بثروتها القليلة مقابل أحلام أخيرة، وحكاية «ملابس الإمبراطور الجديدة» التي تسخر من السلطان وبطشه ونفاق البطانة والرعية، و»البطيطة الدميمة» التي تبشر بالجمال المولود من القبح، و»الاقحوانة» التي تؤكد وحدة الوجود وهي قصة تبدأ بضمير المتكلم في زمن مبكر، ثم لا تلبث أن تعود إلى الضمير الثالث. وحكاية «الخذروف والكـــرة» التي عبدت الطريق أمام انسنة الأشياء حكائياً، و«البلبل» الذي بعث الروح في الملك المحتضر الذي عاد الى الطبيعة من الحضارة، و» قـــصة أم» التي تبدأ بملاحقة أم للــــموت لإنقاذ طفلها من براثنه فتنقذ مخلوقات الطبـــيعة كلها في رحلتها الطويلة.

لا يبالي انـــدرسون بالنـــهاية السعيدة بالمعنى الحكائي الدارج فمعظم قصـــصه تنتهي بموت بطلها، وإن كانت هذه النهايات تفتــــح كوة الى عالم خيالي.

 

أحمد عمر

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...