إخوان مصر يحتفون برواية«عزازيل» الفائزة بجائزة بوكر العربية

27-03-2009

إخوان مصر يحتفون برواية«عزازيل» الفائزة بجائزة بوكر العربية

رواية «عزازيل» ليوسف زيدان الفائزة مؤخراً بجائزة «بوكر العربية» نالت (الحقيقة تنال وتنعم منذ نشرها) استحسان الدوائر القريبة ودعمها من «جماعة الاخوان المسلمين» في مصر بدأ بتمريرها سرا للقراء مجاناً وحتى دون طلب عبر شبكة الانترنت، ومؤخرا أعلن عن نفسه في مقالات وتعليقات تشيد بالرواية وتدافع عنها على المواقع والمدونات الالكترونية، ونظرا لانها مقالات وتعليقات كثيرة، وبينها المتعصب دينياً، سأكتفي بأطولها واشملها وأكثرها حماساً للرواية، وهو ما نشرته مدونة «إخواني إخواني» القريبة او قل المعبرة عن الجماعة «المحظورة» في مصر، وهو مقال طويل دافع عنها بضراوة ضد ما اعتبره «هجوماً واتهامات مضللة مريبة لرواية عزازيل»، واعتبرها أهم أعمال الادب الاسلامي بعد اعمال الرائد نجيب الكيلاني، وجزم بأن ما تخطه «من تاريخ، وأحداث، ووقائع، ووقفات، وتحليلات كفيل بالفعل بأن يثير ضجة شديدة لجرأتها في طرح رؤية راهب عايش المئتين الأولى من عمر المسيحية، وما اعتراها من تغيرات، وقوانين إيمانية كتبت حروفها باللون الأحمر القاني». واختتم بالتعبير عن سعادته وانبهاره بما اعتبره اليقظة الإيمانية لراويها هيبا قائلاً «كنت سعيداً وأنا أقرأ نفور الراهب من كل ما يخالف فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها.. كنت مبهوراً وأنا أرى العقل البشري ـ رغم فتور الوحي الإلهي ـ وهو يحاول الوصول للحقيقة، والإيمان الذي شوّهه أصحاب المصالح؛ وإن سُمُّوا زوراً وبهتاناً بأسماء وألقاب وأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان».
وفي سياق دفاع المقال المتواصل عن رواية «عزازيل» وحث القراء على فضل «البحث عنها والتهامها التهاماً»، خفف بطلها «هيبا» أو قل جرده من ملامحه الروائية الخيالية وتعامل معه والرواية برمتها باعتبارها حقيقة تاريخية «سيرة ذاتية لراهب مصري اسمه هيبا كتبها باللغة السريانية «الآرامية»، منذ ما يزيد على ألف وخمسمئة عام»، وترحم عليه باعتباره امتداداً أو قل أساساً للشخصيات الدينية العظيمة الطاهرة التي اكتشفت الحقيقة بفطرتها مثل «بحيرا الراهب» و«ورقة بن نوفل» بعبارات حماسية نصها «أرى «هيبا» الممزق بين ما يقرأه في قوانين الإيمان التي صاغتها المجامع المقدسة، وبين إيمانه الفطري الذي آمن به الأسقف «نسطور»، والأسقف «تيودور» (شخصيتين في الرواية) اللذين حكم بكفرهما المجمع المقدس، لأنهما رفضا كون مريم العذراء أماً للإله! أراه «بحيرا الراهب»، أو «ورقة بن نوفل».. أراه باحثاً عن الحقيقة بفطرته التي أرادوها أن تطمس بقوانين وابتداعات ما أنزل الله بها من سلطان.. أراه من أهل الفترة الذين ذاقوا مرارة فتور الوحى والانفصال المؤقت للسماء عن الأرض.. رحم الله «هيبا».
وبالطبع هذه المباركة «الاخوانية» ليست صدفة، وبالطبع لا يمكن اعتبارها «استنارة مفاجئة» حلت «على أعضاء الجماعة «المحظورة» التي دأبت على التربص بحرية الفكر والتعبير، وطالما لاحقت وتلاحق الادباء، خصوصاً الروائيين وتجرهم الى ساحات المحاكم والسجون باتهامات أهونها المروق والزندقة والخروج على صحيح الدين ـ وإنما هي أقرب في رأي كثيرين، لأن رواية «عزازيل» يمكن إضافتها كاملة للأعمال والكتابات وحتى الأقوال المأثورة والمعجزات التي بشرت بـ«حقيقة الإسلام» قبل ظهوره بأكثر من الف وخمسمئة عام، والاهم إنها ليست إضافة مراقب متوحد مع نفسه في الصحراء كـ«ورقة بن نوفل» كما ذهب المقال «الإخواني»، وإنما إضافة واحد من أهلها، بل من أعرف أهلها وأحصفهم، انه «هيبا» الراهب الشاعر الفيلسوف ـ أكاد أقول المسلم ـ المصري الذي شاء المؤلف يوسف زيدان ان يضعه او قل يدسه ( يأتي بالكثير من الأسرار والدسائس الكنسية ) في قلب المجامع الكنسية المسكونية المقدسة المنعقدة طوال فترة الاضطرابات والمعارك التي شهدتها الامبراطورية الرومانية، بين كنائسها الثلاث الكبرى في الاسكندرية والقسطنطينية وروما، في النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، وهي الفترة ذاتها التي تتناولها الرواية.
لذلك فإن تشكيك المقال «الاخواني» في كون «عزازيل» رواية، وجزمه بأنها عمل تاريخي يثبت ان «الفطرة الإنسانية قادرة على كشف الحقيقة» يبدو مبرراً، خصوصا في ظل اعتمادها على الوقائع والأحداث السياسية والدينية التي وقعت طوال هذه الفترة، وان كل شخصياتها باستثناء راويها الراهب «هيبا» شخصيات دينية وفكرية وسياسية تاريخية معروفة وبارزة بل صانعة وضحية أحداث هذه الفترة الحالكة في تاريخ الدولة الرومانية والديانة المسيحية بشكل عام، بل ان «هيبا» نفسه وجد من ينسبه الى رواية تاريخية انجليزية صدرت منتصف القرن التاسع عشر.
والملفت أن رواية «عزازيل» ركزت او قل اختصت بالشخصيات التي اتهمتها الكنيسة الإسكندرية بالمروق والزندقة والخروج على صحيح الدين المسيحي، وابرزها طبعاً شخصية الفيلسوفة السكندرية ذات الاصل اليوناني (هيباتيا) التي تعتبر اول عالمة في التاريخ، وعاشت في الاسكندرية وكانت تشتهر بالجمال والقدرة على جمع الناس حول خطبها وأحاديثها الأخاذة التي كانت تلقيها على مسرح الاسكندرية، واغتيلت فجأة وهي في أوج شهرتها في النصف الاول من القرن الخامس الميلادي على أيدي متعصبين مسيحيين، وشخصية المقدس «نسطور» الذي عين اسفقا لكنيسة القسطنطينية عاصمة الامبراطورية، وسرعان ما عزل وطرد وحرم منها بعد خلاف فقهي معروف ومؤرخ بينه وبين اسقف الاسكندرية في المجمع الكنسي العالمي الذي انقعد بكنيسة «إفسوس» برعاية الامبراطور الروماني وحضوره، بعد اغتيال الفيلسوفة العالمة بسنوات قليلة، وبالطبع شخصية «البابا كيرُلس» أسقف الاسكندرية، الذي كان يعرف بالتشدد، وأجبر الامبراطور الروماني على التوقيع على طرد غريمه «نسطور» من اسقفية الفسطنطينية.
وما يقرب «عزازيل» من التاريخ ويبعدها أكثر عن الرواية أنها تقدم قصصاً او قل مصائر هذه الشخصيات المعروفة والمتاحة لأي باحث او حتى عابر على المصادر التاريخية كما هي، أي كما وردت في التاريخ المسيحي، خصوصاً المناهض لشرائع ومقدسات أسقفية الاسكندرية في ذلك الوقت، كما انها قدمتها من خلال حيلة او لعبة بنائية بسيطة وفي منتهى الوضوح، وتقوم على اختراع او قل زرع شخصية بين الشخصيات التي أججت وأدارت الصراع الفكري والديني وبالطبع الدموي طوال هذه الفترة، ودفعها بحجج متنوعة الى إقامة علاقات حبذا لو كانت وجهاً لوجه مع كل شخصية على حدة، وهي لعبة في بساطة تخيل شخصية على علاقة وثيقة بأقطاب الصراع في العالم الآن من أسامة ابن لادن حتى الرئيس الأميركي، علاقة بسيطة تتمخض فقط عن طرف من سيرهم ومصائرهم المعروفة لكل من هب ودب!
ومن حسن طالع «عزازيل» ان العالم في الفترة التي تتناولها لم يكن يزيد عن حدود الامبراطورية الرومانية، والاهم ان الازمة الطاحنة التي وقعت في هذه الفترة كانت ازمة دينية، وبالتالي كل الشخصيات الفاعلة فيها كانت شخصيات دينية فكرية، هذا فضلاً عن ان مؤلفها يعمل مديراً لمركز المخطوطات بمكتبة الاسكندرية، وكلها دلائل ومؤشرات على انها اغترفت من طبق واحد، وكان سهلاً على بطلها وراويها الراهب «هيبا» ان يلتقي بالعالمة الفيلسوفة السكندرية بل يغازلها على مدرج المسرح السكندري نفسه الذي اغتيلت عليه، وان ينظر في عيني اسقف الاسكندرية كيرلس في عز مجده وقيادته للدين المسيحي في العالم أجمع، وان يأكل مع أسقف القسطنطينية المقدس «نسطور» في طبق واحد!!
غير ان «هيبا» بطل «عزازيل» ربما لانه مخترع او مزروع لم يفصح عن مكنون علاقاته بهؤلاء الاعلام المشاهير إلا سيرهم المنشورة وما يخص الجوانب والاحداث التي تصور إن لم نقل تضخم اضطهاد الكنيسة المرقصية الرسولية السكندرية لمعارضيها طوال هذه الفترة، وفي أجزاء كثيرة يبدو «هيبا» كما لو انه تخفف واستراح من ثقل الشخصية الروائية والتزامها وتحوّل إلى قارئ يبحث بنهم عن كل ما يؤكد الاضطهاد المسيحي لمعتنقي الديانات الأخرى بين السجلات التاريخية لهذه الفترة.
ولم يسفر راوي «عزازيل» عن نفسه إلا في كونه ولد في نجع حمادي لأب وثني قتله المتطرفون المسيحيون أمام عينيه، وهو في التاسعة من عمره وهو يتسلل لمد كهنة المعابد الفرعونية المحاصرين بالطعام، وعلاقتين عاطفيتين او قل جنسيتين واحدة مع فتاة سكندرية وثنية أقام عندها قبيل التحاقه راهباً بكنيسة الاسكندرية، والثانية مع مغنية سورية اسمها مرتا التقاها في حفلة إنشاد بكنيسة قرب حلب، وترك الرهبنة من اجلها في نهاية الرواية، وهما علاقتان مسطحتان ان لم نقل مفتعلتين قوامهما الجنس بمعناه الحسي البسيط البدائي وحتى المدغدغ الذي تجاوزته الرواية المصرية منذ عهد احسان عبد القدوس، والأهم انه يبدو نشازاً وأحيانا كاريكاتوريا مضحكا على شخصية راهب وشاعر وفيلسوف صدّرته «عزازيل» في هيئة جليس مبجل وصديق موقر لأقطاب الفكر والدين في العالم أجمع طوال هذه الفترة، وربما هذا ما دفع المقال «الأخواني» لتبرير الإباحية الجنسية المتواترة في العلاقتين واعتبارها نوعاً من «الضعف البشري نحو الدنيا الزائلة»، مخالفاً ما عرف عن الاخوان من ترصد عقائدي عنيف لكل الأعمال التي تضمن أي شبهة خروج على الآداب العامة في الاعمال الادبية والفنية.
هذه المباركة «الاخوانية» التي تعتبر ضمانة وحصناً لـ«عزازيل» من أي تشدد إسلامي، ووجهت او قل تزامنت مع نشر مقال هادئ وديع حاول فيه القمص المصري «عبد المسيح بسيط»، أن يصحح بالمنطق والحجة التاريخية ما اعتبره اخطاء تاريخية في «عزازيل»، وذهب لانها مقتبسة بالكامل من رواية العالم الانجليزي «تشارلز كينجز لي» التي نشرت سنة 1853 وترجمت للعربية في ستينيات القرن الماضي، تحت عنوان «هايبيشيا»، أي اصل اسم «هيبا» راوي «عزازيل»، ودلل على ذلك بان الرواية الانجليزية تدور حول الشخصيات الرئيسية الثلاث نفسها التي اعتمدت عليها «عزازيل» وهي راهب وادي النطرون القادم من اقصى الصعيد والمتجه الى أورشليم القدس، وشخصية «الاب كرللبس» عمود الدين وبطريرك الاسكندرية الرابع والعشرين، وأخيراً شخصية العالمة الفيلسوفة «المغتالة هيباتيا».
والغريب أن هذا المقال على هدوئه الشديد وابتعاده عن أي تهديد او مطالبة بمصادرة الرواية أو ملاحقتها كان فاتحة لما يمكن اعتباره حملة منظمة للترويج أن رواية «عزازيل» ملاحقة باضطهاد ديني يهدد بمصادرتها في معظم وسائل الإعلام المصرية، خصوصا الرسمية لدرجة أنني شخصيا وجدت من يتصل بي ليسألني عن رأيي في الاضطهاد الديني الذي يهدد الرواية!! رغم انه معروف للقاصي والداني ان التطرف المسيحي في مصر غير مهم بل لا يمكن ان يهدد أي شئ، وانه لم يتسبب من قبل في مصادرة أي عمل فني، وان الذي يلاحق الاعمال الادبية ويطعن أصحابها بالسكاكين في مصر هو فقط التيارات الاسلامية المتشددة المؤمنة في حالة «عزازيل» بمباركة «الاخوان»، وان رواية البرتو ايكو الشهيرة «اسم الوردة» ترجمت في مصر بعنوان «الجنس في الكنيسة»، من دون أن يعترض او حتى ينتبه احد، وان المشكلة تقع بل وتطير فيها «رقاب» فقط لو ترجمت رواية إيكو بعنوان «الجنس في الجامع»، أو كتب مسيحي او حتى مسلم مصري في التاريخ الإسلامي بالحرية المترصدة نفسها التي تعرّضت بها «عزازيل» لواحدة من أكثر فترات التاريخ المسيحي اضطراباً!!

حمدي أبو خليل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...