إناث سوريا الحرب.. عليكنّ السلام

09-03-2016

إناث سوريا الحرب.. عليكنّ السلام

يُحكى عن صبيّة عاشت في أرضٍ تعودُ الحضارة فيها إلى خمسةِ آلافِ عام. ويُقال إنّ الفتاة كانت حُنطيّة وذات شعرٍ بُنيّ مائلٍ إلى السّواد. وتُشير بعضُ الروايات إلى أنّها كانت حفيدةً للآراميين واليونانيين والرومان والسريان والأرمنِ والكلدانِ والآشوريين والكُرد الّذين لوّنوا هذه البلادَ، قبل أن يقول عنها أحدهم إنّها «عربيّة».
كبرت الصبيّة، وعملت مُدرّسةً وطبيبةً ومحاميةً ومهندسةً وراقصةً وممثّلة وبائعة ورد، ثمّ تزوّجت، وصارت حُبلى وتألّمت كما كلّ حوّاء، وأنجبت طفلاً وطفلة، وصارت تُدعى «أمّ فلان».
وحين شبّ فُلان، قالوا له إنّ حكّامَك ظالمون، ثُر عليهم، وقالوا له إنّ الثّوار مخرّبون فقاتلهم، وعلا صوتُ السّلاح، وتمزّقت الأرض، وسكن الرّصاص صُدورَ الأبناء وأعادهم إلى العدم الأوّل.
صارت الأمّ ثكلى. «توتة توتة، خلصت الحدوتة».
هي حدّوتة آلافِ الأمّهات السّوريات الثّاكلات، اللواتي ابتلين بالفقدِ العظيم، ولا زلن قادراتٍ على رفع عيونهنّ إلى السّماءِ الّتي لم تتعلّم بعد كيفَ تُمطر ورداً على الأشقياء.
الثاكلات السّوريّات، في يومكنّ يصير العيدُ خجولاً.
يُحكى عن حبيبةٍ نديّة الوجه، تعيشُ في أرضٍ يحجّ إليها المقاتلون البربر من أنحاءِ العالم كلّه. ويقولُ الرّواة إنّها، أي الحبيبة، كانت قد خاطت فستان زفافها وجعلته أكثر بياضاً من غيمِ السّماء، ثمّ عانقت فتاها الّذي أقسمَ بصلابةِ البُندقيّة إنّه عائدٌ عائدْ، قبل أن يمضي ليقاتل دفاعاً عن هويّة هذه البلاد. قاتلَ ومات.
يُقال إنّها ألبستِ الشّهيد فُستان الزّفاف قبل أن يُوارى الثّرى، وإنّها زغردت حتّى انشقّت السّماء ونزلت منها يمامةٌ وادعة وتردّد صوتُ عظيمٌ في البرية، قائلاً «هذا هو ابني الحبيب الّذي به سُررت».
الحبيبات السّوريّات الجريحات، في يومكنّ يصير العيدُ خجولاً.
يُحكى عن منطقةٍ يُحاصرها السّلاح مانعاً الطعام والدّواء والوقود من الدّخولِ إليها، ويقالُ إنّ رجال تلك الأرض صاروا مشغولينَ بردّ المعتدينَ دافعينَ أرواحَ بعضهم قربانَ حرب.
ويقولُ الرّواة إنّ النّساءَ المُحاصرات تعلّمن كيف يُزرع العشبَ في ترابِ الحدائق وكيف يُطهى، وكيف يُقدّم للأولادِ مع حكايةِ سندريلّا الّتي تُحوّل شبهَ الطعامِ هذا إلى وجباتٍ لذيذة.
وتقولُ الأقاصيصُ إنّ أولئكَ البنات تمرّسنَ في انتزاعِ إسفلت الطّريق، وبدأنَ برميِه في مواقدَ تتلاشى نارها سريعاً، تاركةً الأطفالَ يغالبونَ البرد منكمشين إلى أحضانِ الأمّهات.
النّساءُ السّوريّات المُحاصَرات، في يومكنّ يصير العيدُ خجولاً.
يُحكى عن بقعةٍ منكوبة، تدخلها العربات المفخّخة كلّ شهر، وتنفجر بين ناسها تاركةً وراءها شهداءَ وجرحى وثاكلاتٍ وأرامل ومشوّهين وأشباه أحياء. ويُقالُ إنّ في تلك البقعةِ صبايا أقسمنَ أن يضعنَ سُكّراً فوقَ كلّ جرح، وأن يزرعنَ الأمل مع القمحِ في مُحيطِ كلّ تفجيرٍ يَشوي البشر أحياء، وأن يصمدنَ في أرضهنّ ولا يغادرْنَها حتّى يحينَ الزوال الأخير.
صبايا سوريا الصّامدات، في يومكنّ يصير العيدُ خجولاً.

رامي كوسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...