الحرب «طمرت» كل مشاريعها: المدن خالية من النفايات... ولكن

01-12-2015

الحرب «طمرت» كل مشاريعها: المدن خالية من النفايات... ولكن

إلى أن جاءت الأزمة، كانت مشكلة النفايات في سوريا تتمثل في نقطتين أساسيتين، الأولى هي في عدم فرز النفايات ومصيرها بعد جمعها وترحيلها، ومدى مطابقة إجراءات معالجتها للشروط الصحية والبيئية، والنقطة الثانية تكمن في المكبات العشوائية المنتشرة على أطراف بعض المدن وفي الأرياف عموماً.

ولهذا فإن مشروع إدارة النفايات الصلبة، الذي كان يفترض أن ينتهي تنفيذه عام 2014، اتجه نحو زيادة عدد كل من المطامر الصحية، ومراكز المعالجة، ومحطات نقل النفايات في كل محافظة، الأمر الذي كان من شأنه أن يسهم تدريجياً في الحد من انتشار المكبات العشوائية وإغلاق بعضها من جهة، والتخلص من هذه النفايات على نحو آمن وسليم والاستفادة منها اقتصادياً من جهة ثانية، لكن البطء الحكومي في التنفيذ والأزمة بعثرا كل شيء.مراكز المدن الرئيسية لا تزال تشهد اهتماماً حكومياً بترحيل نفاياتها (أ ف ب)
وفي هذا السياق، تقدر الإحصائيات حجم النفايات في سوريا بأكثر من 4 ملايين طن عام 2010، وكان يُتوقع أن ترفع إلى أكثر من 5 ملايين طن عام 2015، فيما سُجل عام 2014 ترحيل ما يزيد على 584,8 ألف طن نفايات منزلية إلى معمل معالجة النفايات على أطراف العاصمة.

يقظة باكرة

استيقظت سوريا باكراً على أهمية البدء بمعالجة مشكلة النفايات بمختلف أشكالها، وبحسب ما يؤكده الخبير البيئي الدكتور المهندس شبلي الشامي ، فإن «سوريا كانت في هذا المجال متقدمة، إذ أُنجز عام 1964 أول تقرير في هذا المجال، وقدمه خبير بريطاني، فيما قدمت أنا تقريري عام 1971 ونُفّذ بالفعل»، لكن تلك اليقظة المبكرة لم تحصد سوريا ثمارها بما يتناسب والسنوات التي مرت، بدليل أنّ المكبات العشوائية في محافظة ريف دمشق وصل عددها في نهاية عام 2009 إلى أكثر من 180 مكباً، فضلاً عن محدودية المطامر الصحية في مختلف المناطق وغيرها.
55% من النفايات البلدية يجري التخلص منها في مكبات عشوائية

ووفقاً لما تؤكده أيضاً، وزارة الدولة لشؤون البيئة في تقرير يرصد الواقع البيئي بين عامي 2001 و2010، فإنه «يجري التخلص حالياً من 40% من النفايات البلدية في مطامر صحية تفتقر للإشراف اللازم وللتشغيل الجيد، والقسم الأكبر من النفايات البلدية 55% يجري التخلص منه في مكبات عشوائية مترامية على أطراف المدن والبلدات، كما تحوَّل كمية ضئيلة نسبياً من النفايات تقدر بنحو 5% إلى كومبوست». وتضيف الوزارة في تقريرها أنه «ما من تقديرات بشأن كميات النفايات التي يعاد تدويرها، حيث إن القطاع غير الرسمي الذي يتولى الفرز (النباشين) ناشط جداً».
لا يجد الدكتور الشامي الخطأ في الإجراءات التي اتُّبعت قبل الأزمة، فهي بنظره «كانت صحيحة، فالمطمر الفني، وبرغم وجود سوء ليس في التصميم، إنما استثماره أدى إلى تحقق الكثير من النظافة لمدينة دمشق، وكان سيتطور لمطامر متعددة حول دمشق، تحقق السرعة في نقل النفايات وتوفير النفقات، وللعلم فإن هذا المطمر كان من تصميم المهندس المرحوم خليل عياش، وهو كان أيضاً جزءاً من الحلول التي قدمتها كأول سوري بعد الحركة التصحيحية، أما معمل تحويل القمامة إلى سماد، فهو مشروع مهم اقترحته في تقريري السابق، ونفذ، وكان مشروعاً رائداً في الشرق»، و«يقع إلى الجنوب من دمشق على طريق السويداء، مفرق دير الحجر. وقد تأسس المعمل عام 1990، علماً أن المطمر أنشئ عام 1980، وبين هاتين الفترتين كانت القمامة تطمر بلا معالجة»، بحسب ما تؤكد دراسة جامعية.
ومع ذلك، وعملاً بالمبدأ القائل «أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً»، وسّعت الحكومة خلال سنوات ما قبل الأزمة من دائرة اهتمامها بمعالجة مشكلة النفايات الصلبة والمنزلية، وأقرت لهذه الغاية مشروعاً وطنياً يعنى بإدارة النفايات الصلبة، وكان من نتائجه، والبلاد على مشارف الأزمة الحالية، رصد الوحدات الإدارية لمبالغ مالية ضخمة بغية التعاقد على إقامة محطات لنقل النفايات، ومراكز ومطامر لمعالجتها، منها مثلاً 15 محطة نقل في محافظة ريف دمشق بتكلفة تصل آنذاك إلى نحو 150 مليون ليرة، و4 مراكز معالجة خصص لها 498 مليون ليرة، أما في حلب، فإن نتائج المشروع قبل الأزمة كانت تشير إلى إنجاز 4 مطامر بتكلفة تصل إلى 250 مليون ليرة، ولحظ إقامة معملين لإنتاج السماد من النفايات في محطتي الشيخ سعيد ومنبج، وفي درعا فإن مشروع معالجة النفايات الصلبة، الذي كان يشمل معملاً لإنتاج لسماد ومحطات للفرز ونقل النفايات والقمامة، فقد كان على وشك وضعه في الاستثمار مع نهاية عام 2011، وهذا كان حال معظم المحافظات الأخرى.

«مفخخات ثورية»

كثيراً ما تحولت حاويات القمامة المنتشرة في شوارع المدن والأحياء إلى «مفخخات ثورية»، أفقدت العديد من عمال النظافة حياتهم، ولذلك فإن الحرب لم تكن «رحيمة» بالمطلق في هذا الملف، ففي الوقت الذي كان فيه حجم النفايات الصلبة يزداد بصورة «مفزعة» في جميع المحافظات نتيجة الدمار الهائل، وهنا تشير تقديرات منشورة لوزارة البيئة إلى أن نفايات خمس محافظات وصلت إلى أكثر من 700 ألف طن، فإن تنفيذ الكثير من مشاريع معالجة النفايات توقف نتيجة صعوبة توريد الآليات والتجهيزات ومغادرة الخبراء الأجانب، فضلاً عن تعرض مراكز المعالجة المنفذة ومحطات النقل للسرقة والتخريب، وتوقف عمليات جمع وترحيل النفايات في معظم المناطق الساخنة، وعودة المكبات العشوائية للظهور بكثرة، إنما هذه المرة على مقربة من التجمعات السكنية وضمنها أحياناً. والأهم أيضاً شيوع أنواع جديدة من النفايات كتلك الناجمة عن عمليات التكرير البدائية للنفط، وحرق المعامل والمنشآت العامة والخاصة وغيرها.
وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة، فإن الأزمة تركت بصماتها بشكل أو بآخر على جمع وترحيل النفايات ومعالجتها ومستلزمات ذلك من آليات وموظفين، فالتقديرات الرسمية تشير إلى أن حجم النفايات في دمشق زاد خلال فترة الأزمة من 2 طن إلى 3 أطنان يومياً، وذلك نتيجة ارتفاع عدد سكان العاصمة بفعل عمليات النزوح. ويؤكد مصدر في محافظة دمشق أنه يجري حالياً «ترحيل النفايات عبر ثلاث ورديات إلى محطة وسيطة في منطقة باب شرقي، ليُنقل جزء منها يقدر حجمه بنحو 80% إلى مركز معالجة النفايات الصلبة في منطقة دير الحجر نهاراً، والجزء الآخر وقدره 20% ينقل ليلاً إلى مكب مؤقت جرى اعتماده منذ نحو عامين في منطقة وادي السفيرة». وتبقى المشكلة الأخطر، والمتعلقة بالنفايات الطبية، إذ تنتج مستشفيات وعيادات دمشق وحدها ما يزيد على 5 أطنان يومياً، تؤكد محافظة دمشق أنها «تجمع من المستشفيات بسيارات خاصة، وتوضع بحاويات محددة»، لتنقل لاحقاً إلى معمل معالجة النفايات في دير الحجر لتجري معالجتها بالتعقيم والتطهير بالبخار (الأتوكليف).
لا يختلف كثيراً مضمون السياسات المقترحة لتطوير قطاع إدارة النفايات الصلبة قبل الأزمة عن تلك المفترض العمل عليها بعد الأزمة، وإن كانت هناك حاجة إلى إمكانات مالية وفنية كبيرة للتعامل مع إفرازات الأزمة في هذا القطاع، وعليه فإن البنود السبعة التي أطلقتها وزارة الدولة لشؤون البيئة عام 2010 لا تزال تصلح كمظلة للجهود التي يمكن أن تبذل مستقبلاً، ومن هذه البنود تذكر الوزارة: ضرورة تفعيل تطبيق القوانين الخاصة بإدارة النفايات، وإعداد كادر إداري فني مؤهل من أجل إدارة النفايات، وتجهيز مركز لمعالجة النفايات الخطرة في المنطقة الوسطى في سوريا، ومعالجة النفايات الطبية وفق الاستراتيجية الوطنية للنفايات، وتبني مبدأ تدوير النفايات والاستفادة منها.

زياد غصن

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...