السورية سهير شقير: لصوتها حنين الناي وشهوة القرميد

22-02-2007

السورية سهير شقير: لصوتها حنين الناي وشهوة القرميد

فادي عزام:  يقول أحد محبي صوتها  بينما  يصعب علي أغلب من له علاقة من بعيد أو قريب، عندما يسمع صوت الفنانة السورية سهير شقير ألا يتساءل - بغصة - عن سر تغيّبه أو ندرة حضوره فيما يسمي الساحة الفنية، في الوقت الذي تلعلع فيه السماء والأرض بما هب ودب من الأصوات.
فالمختصون يشيدون بقدرتها علي التحكم في العُرب الصوتية وبمساحات صوتها الواسعة وجودته وهو يتنقل من أقصي القرار إلي جواب الجواب بشكل حقيقي وغير مستعار، وبحساسية عالية، أما غير المختصين فإنهم يصفون صوتها بصفات تتراوح بأنه صوت نادر، ساحر وشذي يجعل المتلقي يتفقد نفسه واتجاهات بوصلة قلبه بعد كل دفقة شجن تلفه بها هذه المغنية التي تواطأ علي صوتها الجميع. ابتداء من المقربين الذين لم يحسنوا استثماره، ومرورا بأهل الفن الكبار، المتأسفين دائما علي عدم وجود خامات صوتية حقيقية وثرية، والمنشغلين بالوقت ذاته بتسويق وتسويغ هذا الكم الهابط علي الجمهور من مؤسسات باتت منظمة، هدفها تخريب البقية الباقية من الذائقة.
في تواطؤ يقترب من حد الجريمة بحق هذا الصوت وأمثاله، وليس انتهاء بها، تجاهد سهير شقير لتبقي أقرب لطبيعتها الاولي وتقدم نفسها بتواضع زائد يحيل فورا أن أمثال هؤلاء من يملكون فضيلة التواضع لن يجدوا مساحة وسط انتفاخات الغرور والمواصفات غير الفنية التي تصنع ما يسمي نجوم المرحلة.
سهير شقير متصالحة مع هذا الانكار، مستسلمة لخذلان فاق طاقتها علي الأمل بعد سلسلة من المشاريع الكبيرة التي طرحها عليها عدد من الملحنين والفنانين ورجال الأعمال والتي لم تكن أكثر من زوابع في فناجين، هذا عدا المؤسسات المنتجة التي تسيطر علي الارض والفضاء بمواصفاتها غير الفنية، ناهيك عن الاعلام الرسمي ومساهمته في التعتيم علي تجارب اقتربت من اليسار أو انحسبت عليه مثل" ناس غيوان" في المغرب و" الشيخ امام وعزة بلبلع في مصر، و مصطفي كرد وكاميليا "في فلسطين و حميد البصري في العراق، و "خالد الهبر في لبنان و سميح شقير في سورية.
ولكن سهير تري أن أسباب الغياب لا تعود فقط الي هذا التصنيف وانما في كون هذه التجارب لم تتنازل عن مبادئها مع المتنازلين، المبررين تنازلهم بقضاء الأمر وواقع المرحلة وما حملته من تغيرات في بنية التلقي واختلاف منظومة المفاهيم.
تاريخ من الطرب
وقفت سهير الي جانب أخيها الفنان سميح شقير لأول مرة في عام 1987 علي مسرح الحمراء في دمشق، وغنت كانت تجمعنا السهرية ويجمعنا المشور لتدهش الجمهور الحماسي آنذاك ويهدأ صخبه وهو ينصت لصوتها العميق الشجي الاصيل، يتكرر المشهد في مهرجان بصري الدولي أمام خمسة عشر ألف منصت، لتصدح بلا موسيقي بأغنيتها العجيبة صوت الجرس وأيضا اميري وتاج الهوي كلك وأغنية ع البال في خيال من لون شالك ليخرج الجمهور من تلك الحفلة بقلوب موشومة بصدق وصفاء صوتها، وتتابع الحفلات مع سميح، في جرش الاردن وقرطاج تونس وبطرسبورج وهناك رقصت علي ايقاعات صوتها فرقة الباليه الوطنية الروسية. وكان لحضورها في مهرجان الاغنية السورية وقع السحر وصدي لن ينسي.
تجربة سهير الثانية كانت الابتعاد قليلا عن سميح والقيام بعرض مع فرقة المسرح الوطني الهولندي هي ومجموعة من الفنانين السوريين بقيادة نوري اسكندر في عرض الباخيات ليوربيدس شوهد علي مسارح امستردام وبروكسل وباريس، أثينا، برلين، وفيينا، فلقي - كالعادة - اهتماما كبيرا في أوروبا واهمالا في الوطن العربي عامة وسورية خاصة، البلد الشريك في العرض.
خليفة أسمهان

في عام 1997  نالت سهير درع اسمهان في مهرجان " عاليْهْ " وعادت إلى سورية ليُنسى تكريمها بعد شهور بين صمت المنتجين والمهتمين، وعدم خبرتها في آليات الإنتاج وطرق تقديم  ذاتها التي ترضي وتحفز المنتجين وشركاتهم عادة، وعدم جرأة شركات الإنتاج على الاقتراب من صوتها المعاكس والفاضح لكل ما تسعى هذه الشركات إلى تكريسه.
ترفض سهير هذه التسمية "  خليفة اسمهان " وتقول إن أسمهان فوق المقارنات والمقاربات وإن كانت تشعر بقاسم اشتراك معها، فسهير ولدت في " القريّا " بمحافظة السويداء السورية، نفس ضيعة اسمهان، ولا شك في انهما سارتا في نفس الكروم، وتنفستا نفس الهواء في مَشَاهِد لم  تتغير كثيرا لذلك تشعر سهير " بأمال الاطرش" – اسم أسمهان الحقيقي - المرأة بروحها بأنوثتها وبوحها وتتمنى أن تقترب من "أسمهان "
الفنانة ويبدو ان هذه المقاربات بين سهير شقير واسمهان لم  ترق كثيرا لمنتجي مسلسل "أسمهان " ورأى – تلفزيون دبي – في نانسي عجرم خير مروج وبيّاع للمسلسل أو أنهم لن يساهموا في انتاجه، انشغل الآخرون  في معارك جانبية بين  الورثة والكتاب الشركات ومن يستمع لكم  اللغط حول المسلسل . سوف يدرك أنه ليس من السهل على سهير أن تفهم لعبة السوق والتسويق.

ينتهي الأمر بسهير مؤخرا في دولة الإمارات حيث عملت مذيعة في إذاعة رأس الخيمة، فنجحت بحرفّية غير متوقعة من مطربة  تقول إن التواصل بالصوت من أخطر أنواع التواصل، إذ ان المرء لا يمكن أن يستمع باختياره الي صوت لم يدخل قلبه .

تكشف لنا سهير عن  سر لعمل آخر قامت به مؤخرا حيث أدت خمس وعشرين مقطوعة من هدهدات الأطفال في المهد  ,في إطار مشروع ثقافي إنساني غير ربحي يهدف إلى جمع هذا الموروث الشعبي من الوطن العربي ويشرف عليه الشاعر الإماراتي محمد السويدي. 

اليوم لا يسع الملحنين وأصحاب القرار ممن يعرفون  صوتها إلا أن يقولوا أن الزمان ليس زمانه وإن كانوا يطربون ويشهقون مبدين دهشة كبيرة لهذا الشجن العالي.

آخر محطات سهير الفنية  , تعاون فني مع فنان  نمساوي يسعى لتكوين فرقة سيمفونية  عربية "  ستكون سهيرالمغنية الأوبرالية في الفرقة . وستكون العروض في اوربة . تجربة  أخرى  تستعد سهيرللقيام بها , تجربة  "ربما تفشل وربما تنجح" قالتها بهدوء وابتسامة غامضة  تلف نهاية هذا الحديث .

كظمنا السؤال الأخير الأقرب لتساؤل برسم هذا العصر، كم من التجارب مخصصة لعمر واحد وكم هم كثيرون الذين يشبهون سهير ويعيشون بصمت، بعيدا عن فقاعات الصخب وسماسرة "المرحلة ".

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...