بائعو اليانصيب يبيعون الحظ ولا يمتلكونه

23-05-2009

بائعو اليانصيب يبيعون الحظ ولا يمتلكونه

(لم يجبرنا على المر، سوى الأمر منه..) الجواب الذي يكاد يكون القاسم المشترك بين باعة أوراق اليانصيب من مختلف شرائحهم، التقيناهم في أماكن متفرقة، اعتادوا التواجد فيها، مراكز انطلاق السيارات، وتحت الجسور، وأمام دور السينما والمسرح...

البعض منهم لا يعرف مكاناً ثابتاً.. ينطلقون في كل الشوارع والأزقة، في كل الفصول والأيام، و... ربما يطرقون أبواب المنازل، ويدخلون المحال التجارية، ومنهم من اتخذ لنفسه مكاناً شبه ثابت على بسطة قرب مكتبة، أو إحدى الكليات، أو تحت جسر، أو في نفق..!! ‏

‏ وبائعو ورق اليانصيب (ينفرزون) من أربع شرائح: شريحة الأحداث والأطفال، الذين ودعوا المدرسة باكراً، وربما لم يدخلوها قط.. أو ما أطلق على حالتهم (عمالة الأطفال) وشريحة الموظفين الذين لا تكفيهم رواتبهم، أو ما أطلق عليهم لقب (الموظفين المنتوفين) فأخذوا (يرقعون) رواتبهم ببيع ورق اليانصيب، وهذه الشريحة يبدو أنها أكثر من يمتهن بيع بطاقات اليانصيب، والى شريحة أخرى أقرب إلى السابقة، ينتمي المتقاعدون، أي الذين استنفدت سنوات عملهم الوظيفي، وأما الشريحة الأخيرة فهم العجزة، وأصحاب العاهات، وعلى ما يبدو، ومن خلال لقاءاتنا بالعديد من هؤلاء الباعة، فإنهم لم يقبلوا على بيع بطاقات اليانصيب، إلا بدافع الحاجة الشديدة، وإلا لماذا يعتبرون بيع هذه البطاقات (أمراً مراً)..؟! 
 ‏ من جهته مدير عام مؤسسة البريد أحمد سعد، يذكر أن أي (مواطن) مؤهل، ويحمل بطاقة شخصية يستطيع أن يبيع ورق اليانصيب، والأفضلية لغير الموظف، وكل الموظفين خارج مؤسسة البريد يستطيعون أن يمتهنوا هذه (المهنة)، ويصل عدد الباعة المرخصين لدى مؤسسة البريد إلى حوالي (2500) بائع، غير أن الواقع يؤكد أن عدد الباعة ضعف هذا العدد، لأن البائع المرخص، بإمكانه أن يشغل أولاده، أو يبيع عن طريق الآخرين لقاء نسبة معينة من الأرباح..!! ‏

ويذكر سعد: حتى يلتزم البائع برخصته وبشراء البطاقات دورياً يدفع تأميناً تحدده لجنة مشتركة بين مؤسستي البريد واليانصيب، وفي حال انسحابه يعاد له مبلغ التأمين هذا ومقداره (6000) ليرة سورية عن كل (100) بطاقة تدفع لمرة واحدة، وفي حال انقطاع البائع عن شراء البطاقات لمدة ثلاثة إصدارات، فيلغى الترخيص..!! ‏

‏ أما نسبة ربح البائع من بيع بطاقات اليانصيب فكانت (10%) من ثمن كل بطاقة، ويؤكد مدير اليانصيب سمير الأيوبي، أنه ناضل طويلاً لرفع هذه النسبة إلى (12%) فيما تأخذ مؤسسة البريد ، المؤسسة الوحيدة المخولة ببيع بطاقات اليانصيب في البلد بموجب عقد تلتزم مع مؤسسة اليانصيب لقاء (6%) من ثمن كل بطاقة مباعة..!! ‏

ويضيف الأيوبي، أنه ومنذ انتهاء الحرب على غزة، فإن لامرتجعات لأوراق اليانصيب إلى المؤسسة، وإنما الأوراق مباعة كلها..!! ‏

‏ يقول الحدث محمد، الذي كان يبيع في مركز انطلاق البولمانات: إنني أشعر وكأنني متسول، هذه (المهنة) أقرب إلى الشحادة، ولولا أنها تسد الرمق، لما أقدمت على ممارستها أبداً.. ‏

وأما أبو محمود الذي يعمل في إحدى الدوائر الحكومية فيقول: بحثت بالوسائل كلها عن عمل آخر لأدعم به راتبي الوظيفي، فلم أجد فرصة إلا ببيع بطاقات اليانصيب. ‏

وقريباً من حالة أبي محمود، أبو عبد الله الذي يقول: هل يكفي راتب التقاعد ولاسيما أنني وصلت إلى سن لم أعد فيه أستطيع القيام بأي جهد عضلي، ولا توجد أعمال أخرى تناسب سني..؟! ‏

فكان بيع البطاقات هو المفر الوحيد.. وهل يكفي المردود من هذه (المهنة)؟ ‏

يجيب الحدث محمد: في حالتي، وفي أحسن الأحوال لا يتجاوز الـ (3000) ليرة سورية لاسيما وأنه ليس لدي ترخيص، وإنما أشتري بضع ورقات من شخص لديه رخصة بيع مقابل نسبة معينة من الأرباح. ‏

‏ ويذكر الموظف أبو محمود: غالباً ما نطلب من الزملاء في الدائرة الشراء، فيشترون منا بالخجل، وهناك رؤساء، أقسام في المؤسسة - الله يجبر بخاطرهم­ مواظبون على الشراء شهرياً، وأحياناً في كل سحب، لكن رغم ذلك لا أتجاوز الـ (5000) ليرة سورية، وذلك بعد الطواف في الشوارع حتى المساء، إذ أصل إلى المنزل منهكاً، وكل هذا الطواف يتم حتى في أيام العطل وبعد الدوام الوظيفي..!! ‏

‏ يقول ثائر: لم أشتر يوماً ورقة يانصيب، إلا وكنت أتوقع أنها لن تربح، وحتى الآن، ورغم أنني اشتريت عشرات المرات ولكن -غالباً­ أشتري من الشخص حسب درجة الشقاء المرسومة على وجهه، من هنا فإنني أشتري من بائعي اليانصيب الأحداث والعجزة.. إذاً هي شفقة؟ يجيب: هي أقرب إلى الشفقة منها إلى التفكير بالربح..!! ‏

أما أحمد الذي كان يشتري من أبي محمود خلال وقوفنا معه فيؤكد -أقسم بالله­ إنني أشتري بطاقة اليانصيب وأنساها، وفي الغالب أضيعها، أي أنني عندما أشتري البطاقة لا أفكر بالربح مطلقاً (حظي وأعرفه) لكن الطريقة التي يبيعون فيها تجعلك تشتري خجلاً أو بحكم العادة..!! ‏

‏ ومع أن اسمه غانم -كما يقول­ فلم أغنم يوماً بربح جائزة في سحب اليانصيب، مع أنني من المواظبين على الشراء في كل سحب، وهذا منذ عشرين عاماً، وفي المرات القليلة التي يمر السحب فيها، ولم يكن بحوزتي بطاقة يانصيب، كنت أقول إن حظي كان في هذا السحب..!! لكن رغم ذلك -يضيف غانم­ فلست منزعجاً، أنا أسحب -لعلّ وعسى­ لكن إذا لم أربح أكون قد أحسنت لآخرين، هم في أمس الحاجة لأن يبيعوا هذه الأوراق..!! ‏

‏ وماذا تعني لك الجائزة الكبرى؟ جواب هذا السؤال كان واحداً تقريباً، لدى مختلف بائعي بطاقات اليانصيب، وهو: ألا يأتي الثلاثاء القادم، إلا وتكون بطاقات اليانصيب قد نفدت كلها..!! ‏

الطريف في هذه (التجارة) أنها تعتبر تجارة الفقراء بالدرجة الأولى، أي تزدهر بجهود الفقراء بيعاً وشراءً، فالمشترون وأصحاب الدخل المحدود هم من هؤلاء الفقراء، وفي احتمالات (90%) فإن الرابحين هم من الأشخاص الأثرياء، أي غالباً الذين ليسوا بحاجة لها..!! ‏

‏ إذاً.. هكذا ينظر الباعة والمشترون إلى (مهنة) بيع بطاقات اليانصيب، التي يرونها أقرب إلى التسوّل، وأصحابها مدعاة للشفقة والإحسان، ومثل هذه (المهن) تزداد للأسف في مجتمعاتنا، هل سمعتم بمندوبي المبيعات مثلاً؟ أو بالأشخاص­ منهم يعملون في الصحافة­ الذين يبحثون عن إعلانات واشتراكات للصحف..؟! ‏

مع ذلك فإن السيدين مدير اليانصيب ومدير مؤسسة البريد يجدان أنه بإمكان البائع أن يحصّل من عملية البيع مبلغ (10000) ليرة سورية هذا إذا باع بنفسه، وهذا راتب جيد، حتى إنه تمّ تسهيل عملهم، فهم والكلام لمدير البريد -بإمكانهم أن يبسطوا على الأرصفة، دون خوف من دوريات شرطة المحافظة، شرط أن لا يضعوا على البسطة إلا أوراق اليانصيب..!! ‏

والبائع حر بالطريقة التي يبيع فيها البطاقات بشرط آخر أيضاً أن يلتزم بالسعر الذي تحدده مؤسسة اليانصيب، وإلا اعتبر مخالفاً تموينياً...!! ‏

‏ لعلّ من أهم أسباب انتشار هكذا مهن في مجتمعنا: تفشي البطالة، وقلة فرص العمل، أو سوء توزيعها، وهذا الأصح، وثانياً الرواتب المتواضعة للموظفين والمتقاعدين، وعدم دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع كما يليق بهم... ‏

لكن هؤلاء الباعة الذين يطوفون في الشوارع، والأزقة، هم معرضون لشتى أنواع المخاطر، كالدهس مثلاً، وكذلك فإن التعرض الطويل لأشعة الشمس والبرد الشديدين، على اختلاف الفصول والأيام، إضافة للتجوال والمشي الطويل، وما يسبب من سلبيات وخطورة على الصحة مستقبلاً لذلك كان تساؤلنا: ‏

لماذا لايتم التأمين على حياة هؤلاء الباعة، كبقية العاملين من خلق الله في هذا الوطن الحبيب، بل لماذا لا تعتمدهم مؤسستا اليانصيب والبريد كموظفين لديها، وتساعد في حل مشكلة البطالة، ولو قليلاً، لاسيما أن المؤسستين تفاخران على الدوام بالملايين والمليارات التي تكسبها من (تجارة الفقراء) أي أنهما مؤسستان رابحتان (100%) وبأقل التكاليف؟ ‏

يجيب عن هذه التساؤلات مديرا اليانصيب والبريد، بما يشبه الاستحالة لعدة أسباب، ولكن هل نطالب بتحقيق الوهم من تجارة الوهم...؟!! ‏

مع ذلك يقترح مدير اليانصيب سمير الأيوبي حلاً معقولاً هو إنشاء جمعية لحماية باعة اليانصيب ومع أنه يتحفظ عليها مدير البريد، ولكن لا يرى الأخير مانعاً إن كانت ضمن القوانين المعتمدة في مثل هذه الأمور...!! ‏

و.. لكن إنشاء جمعية لحماية باعة اليانصيب، رغم نبل الفكرة، تحتاج إلى وعي عالٍ، لمسألة نظام داخلي وهيكلية لجمعية كهذه، وهنا تبدو صعوبة تنفيذ الفكرة، مع تواضع المستوى التعليمي لباعة اليانصيب، و(95%) منهم هم دون الإعدادية!! ‏

‏ و.. أخيراً: حول احتمالات الربح من وهم هذه التجارة، يقول كاتب غربي: من الجنون أن تشتري أكثر من ورقة يانصيب أي لتزيد عدد الاحتمالات في الربح، لكنه، يضيف: و.. من الجنون أيضاً إن لم تشتر بطاقة واحدة..!! ‏

علي الراعي

المصدر: تشرين

التعليقات

لللاسف بائفين اليانصيب بالبلاد الاوربية هنن اصحاب المحلات التجارية الكبيرة والمكاتب وغيرهن ما بيقدر يبيع بس اليانصيب ب اوربا عادل ومراقب عكس سورية تمام لانو اولا البطاقات المباعة مرتبطة ببعضها عن طريق شبكة الانترنت واحمالي مبيع البطاقات عم يتسجل يعني لما بينباع بقيمة مليون اورو بيكون الرابحين الهن نسبة 90 بالمية من المبيعات والي نظم عملية البيع بياخد عشرة بالمية يعني عكس عنا تمام بعدين اليانصيب مو محصور بالموسسات الحكومية بحق كمان ل اي تاجر يخترع يانصيب وياخد ترخيص وينزلو بالسوق بقا هوي وحظو يا بيمشي يا بيخسر بقدر ما بيعطي نسبة للرابحين ومشان ما يتم لعب بالارقام الرابحة وتحديد اسم الرابح مسبقا اي انسان لما بيشتري بطاقة يانصيب هوي الي بيكت الارقام الي بيريدها وبسجلها بنفسو ولو شخصين سجلو نفس الارقام وربحو هنن التنين الجائزة الكبرة مثلا ف بتنقسم عليهن بالتساوي فهيه فرصة حقيقة مشان الي ما معهن مصاري انو يصيبهن حظ حقيقي وكل الي سحبو يانصيب غالبا بيربحو بس ارقام بسيطة بعمري ما شفت واحد هون قلي انا سحبت عشر سنين وما ربحت كلو بقلك ربحت مرتين او تلاته ارقام عادية بقا ايمتى رح يصير اليانصيب عنا بنفس شفافية الدول الفربية سوال مطروح للحكومة؟

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...