برّد قلبك

23-08-2008

برّد قلبك

كلما اشتدت الحرارة كلما اشتعلت أجساد الرجال وأرواح النساء وتطرفوا في سلوكهم وفاقموا من شرورهم، بدءاً بمخادع النوم وانتهاء بكواليس المؤسسات وخزائنها.. حياتنا تشتعل بالتطرف والجنون ومؤسسة المياه لا تكاد تبلّ الريق.. عشرون ساعة تقنين والمياه لا تتدفق في الأوردة والعروق سوى أربع ساعات يستهلك الفرد فيها ما يحتاجه في 24 ساعة، فلا المؤسسة المائية أوجدت الحل ولا المواطن اقتصد في إسرافها على السيارات والحدائق والأدراج والحمامات.. دمشق تجف وأرضها تتخمر بالروائح والشرور، بينما السياسة المائية مازالت تعتمد صيغة القطع والمنع بدلاً من الترشيد لنكتشف أن صيغة التسلط تصل إلى كأس الماء الذي نشربه..
وعلى أية حال هذه ليست دعوة للجري خلف سراب الديمقراطية التي لم نتمكن من استنباتها في جفاف التربة العربية منذ نصف قرن إلى اليوم، ولكنها دعوة لإعلان (نفير العطش) بعد التذكير التاريخي الذي يقول بأن أكثر من 280 قرية في دمشق قد اندثرت وهاجر سكانها بسبب جفاف ينابيعها أواخر القرن السادس عشر، حيث أقدم ولاة دمشق العثمانيون على تأميم مياهها وراحوا يبيعونها للناس بالطاسة حتى غدت الطاسة رمزاً للأمان من العطش فسموها «طاسة الرعبة» التي تقي البشر من الخوف.. ترى هل تغيرت صيغة الخوف في مورثاتنا منذ تلك الأيام.. قولوا لنا ولن نسمع لكم..

نبيل صالح

التعليقات

قال أحد المسؤولين الكبار في أحد المجالس أنه خلال فترة عمله قد طرقت بابه عشرات الأمهات : هذه ابنها وحيد و هذه زوجها عاجز و هذه يذبحها الفقر و هذه قريبته و هذه من ضيعته... في المحصلة قام المسؤول بتوظيف عدد من الشباب في مؤسسة تعنى بالإنشاءات المائية بحيث لو انهم توزعو على طول أنابيب المياه لكان لكل متر من الأنابيب موظف . و ها هو اليوم يذهب الى داره ليجد أن المياه مقطوعة. طبعاً فلا أحد من هؤلاء السباب يذهب الى الوظيفة, لأنهم بحسب ادعائهم :من طرف فلان نفسه. و هكذا فإن معظم موظفي الدولة يتمرغون في طلب الوظيفة و يقبلون الأيادي, ثم بعد ان يتوظفوا يشرعون بتقبيل الأيادي من جديد حتى لا يذهبوا الى الدوام, أو حتى يسرقوا أو... لهذا لا أمل لنا لا في مسؤول و لا في فقير في هذه البلاد. في قريتنا يوجد شبكة مياه و لكن القرية لا تشرب لأن الموظف بغل. بهذه البساطة. أو لأن الفلاح أشد حيونة إذ يسقي الأشجار بمياه الشرب , فتعاقب القرية جماعة لأن الموظف البغل إياه لا يريد أن يعاقب ذاك الفلاح بعينه. و الدولة غير معنية , و لو قام فتى من القرية و كسر ساق الموظف إياه, لسارعت الفرقة الحزبية و البلدية و الشرطة و لوجهت للشاب تهمة التعدي على موظف حكومي. و الشباب في دمشق يسمسرون عند أصحاب الشركات الكبرى لبناء منتجعات سياحية . هل من موظف ليس بغل يفكر بحياة المواطنين؟

أعتقد بأننا البلد الوحيد في العالم الذين يستخدمون مياه الشرب العذبة في سيفونات المراحيض والحمامات المختلفة . ألا يوجد في كل هذا الوطن من يفكر بإيجاد بديل مائي للأستخدامات المتعددة وإبقاء هذا المخزون الوطني والحياتي أطول فترة ممكنة. مثلا ً,أعلم بأن إثنين مليار متر مكعب من مياه الأمطار في الساحل السوري تذهب ( تكزدر ) مباشرة لمياه البحر بدل أن تستجر أو تجمع في مشروع أو عدة مشاريع ترفد الخصب والحياة لهذا الوطن. أستاذ نبيل هناك عنصرية في إستهلاك وكمية وحصة كل فرد في سوريا, لا يوجد لدي إحصائية في عدد الآبار والمسابح الخاصة وأقصد هنا مسابح أصحاب المعالي وافخامات في بدءً من منطقة البجاع والديماس ويعفور والوادي وسهل الزبداني ... أين الذين يصرخون ويرشدون في تقنين المياه من هؤلاء الأفاضل الذين يسرفون بغير حساب ؟ ما معنى أن يدفع المواطن فاتورة أستهلاك مياه الشرب وبالمقابل ليس هناك أي عداد أو رقابة قانونية على من يصرف ويستجر مياه الآبار , حيث إن مصدر مياه الشرب واحد وهو المخزون في أحواض بردى والفيجة و... البشر جميعها بحاجة لتمرين وتربية , الحب إذا لم من يمارس طقسه الإنساني بجانبك فإن الفطرة غير كافية على تنميته وترقيته كذلك الحفاظ على المياه والبيئة يحتاج لتربية وتمرين مستمرين , ولكن أين هو برنامج الحكومة الشامل ؟ كل هذه الصرخات لن تجدي نفعا ً علينا أن نوجد طرقا ً أخرى نفكر فيها سويةً شكرا ً

ثمة حقيقة طبية تؤكد ازدياد إفراز الغدد المسؤولة عن الهرمونات الجنسية في الأجساد طرداً مع التوتر . وأظن أن الجنون هو توترٌ وخوفٌ مستمران يعيشه الرجال والنساء ـ على مدار الساعة في هذا البلد ـ لأسبابٍ غدت واضحةً وبديهيةً لكل ذي بصر . كلا لم تتغير موّرثات الخوف منذ عصر طاسة الرعبة ، بل أظنها تطوّرت مع تطور أساليبه و تطبيقاته الميدانية و تحديثاته التقنية . سنتكلم ولو لم تسمعونا ـ كالذي يكلّم نفسه ـ حرصاً على تطوير وتحديث الجنونِ ذاته ؛ حتى يُكَوِّن الجنونُ درعاً دفاعياً يحميه من خطر الإنقراض .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...