توازنات الحرب الباردة بين حلف الناتو ومنظمة تعاون شنغهاي

25-08-2007

توازنات الحرب الباردة بين حلف الناتو ومنظمة تعاون شنغهاي

الجمل:     انتهت الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي، والمعسكر الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن عندما ألقى ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي خطابه الشهير خلال العام الماضي، في اجتماع فلينيوس عاصمة مولدافيا، الذي ضم شركاء الناتو، أدرك الجميع بأن الحرب الباردة قد انتهت ولكنها لم تنته، بل استمرت كظاهرة جيو- سياسية كامنة في هياكل النظام الدولي الجديد الذي قام على هياكل النظام الدولي الثنائي القطبية الخاص بالحرب الباردة السابقة.
• توازنات الحرب الباردة.. تحليل مقارن:
على الصعيد الهيكلي كانت الحرب الباردة السابقة تقوم على أنشطة الاستقطاب بواسطة المعسكرين عن طريق التسويق المحموم التنافس، وسط كيانات البيئة السياسية الدولية لمنظومة القيم الاشتراكية والقيم الرأسمالية.
وعلى هذه الخلفية، على الجانب الغربي الرأسمالي نشأ حلف الناتو، وغيره من التحالفات الاقتصادية والسياسية العابرة للأطلنطي بين دول غرب أوروبا وأمريكا، وحلفائهم.. أما على الجانب الشرقي الرأسمالي، فقد نشأ بالمقابل لذلك، حلف وارسو، ومنظمة تعاون الكوميكون.
حالياً الحرب الباردة الجديدة، لم تأخذ الطابع الصارم لحالة الانقسام الشكلي الهيكلي والمؤسساتي، وبدلاً عن ذلك فقد  أخذت الطابع الوظيفي ضمن الهيكل الموحد القائم حالياً في البيئة السياسية الدولية.
وبكلمات أخرى لم تتبلور تحالفات جديدة تقوم على الانفصال الكامل بين القوى والأطراف، وإنما تداخلت التحالفات وأصبحت هناك الكثير من التحالفات المتقاطعة التي كانت بين أعداء وخصوم الأمس، وعلى سبيل المثال ترتبط روسيا باتفاقية شراكة مع حلف الناتو، وتعمل الصين ضمن نطاق استراتيجيات تحرير التجارة العالمية، إضافة إلى اعتماد التوجهات الداخلية الهادف إلى تعزيز آليات قوى السوق والاعتماد على الخصخصة والقطاع الخاص.
• توسع النفوذ الأمريكي والمقاومة:
لعب كل من العامل النفطي، وفراغ القوة الذي خلفه انهيار الكتلة الشرقية دوراً كبيراً في دفع إدارة بوش إلى العمل من  أجل استغلال الفرصة، بما يؤدي إلى إحكام هيمنة الولايات المتحدة على العالم، عن طريق السيطرة على الموارد وإضعاف قدرة الكيانات الدولية الكبيرة الأخرى مثل الصين وروسيا من التحول إلى قوى عظمى منافسة للولايات المتحدة.
إزاء صعود هيمنة الولايات المتحدة، بدأت بالمقابل القوى العالمية الأخرى عملية تجميع لقدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية وذلك من أجل تحقيق الحماية والدفاع عن النفس في وجه النفوذ الأمريكي الذي أخذ خلال فترة إدارة بوش طابعاً دولياً (شديد الوقاحة)..
• منظمة تعاون شنغهاي.. الموازن الاستراتيجي العسكري لحلف الناتو:
يقول المحلل السياسي بهادرا كومار بأن قيام قمة منظمة تعاون شنغهاي بإصدار إعلان قمة بشكيك الخاص بالأمن والاستقرار الدولي، والذي تضمن انتقاداً مبطناً لاستراتيجية الولايات المتحدة العالمية، وبالذات عندما أشار إعلان قمة بشكيك إلى رفض مبدأ (العمل من طرف واحد)، ومبدأ (المعايير المزدوجة) من ناحية، ومن الناحية الأخرى تشديد الإعلان على المطالبة باعتماد (العمل المتعدد الأطراف)، و(المراعاة القاطعة للقانون الدولي)، و(الدور القائد للأمم المتحدة)، وذلك إضافة إلى العبارة الفائقة الاهتمام، والقائلة بأن (منظمة تعاون شنغهاي سوف تقف وتعمل بقوة من أجل تعزيز وتقوية) قدرتها الاستراتيجية.
• منظمة تعاون شنغهاي.. رد الفعل الأمريكي:
في الوقت الذي كانت تقوم فيه دول منظمة تعاون شنغهاي بمناوراتها العسكرية وترتيب أجندة وتوصيات قمة بشكيك، كانت إدارة بوش تقوم بتحرك مواز آخر، وذلك عندما قامت بالآتي:
- الإعلان عن ربط اليابان، والهند، وكوريا الجنوبية ضمن تحالف استراتيجي موحد يجمع بين هذه الأطراف وأمريكا.
- قيام القوات الأمريكية بإجراء مناورات عسكرية مشتركة في منطقة بحر الصين، اشتركت فيها القوات اليابانية، والكورية الجنوبية، والتايوانية.
يقول المراقبون بأن التحرك الأمريكي الموازي لتحركات منظمة تعاون شنغهاي، قد هدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى زعماء منظمة تعاون شنغهاي (وعلى وجه الخصوص الصين وروسيا، مفادها أن أمريكا لم ولن تتخلى عن مشروع الهيمنة، والعمل من طرف واحد، واستخدام المعايير المزدوجة، وعدم الاهتمام بمراعاة القانون الدولي. وبأنها برغم وجود قواتها في أفغانستان والعراق وشرق أوروبا، فإنها موجودة من الناحية الأخرى، على المياه المجاورة والقريبة من السواحل الصينية والروسية من جهة الشرق.
وعموماً يقول الخبراء بأن مستقبل الحرب الباردة الجديدة يتوقف مستقبل السيناريو العراقي، وذلك لأن الوجود الأمريكي في العراق معناه تصاعد الحرب الباردة، المنخفضة الشدة الجارية حالياً إلى نمط الحرب الباردة المرتفعة الشدة، خاصة إذا اكتملت عملية انضمام إيران إلى عضوية منظمة تعاون شنغهاي. إما إذا انتهى الوجود الأمريكي في العراق فإن احتمالات الحرب الباردة سوف تنخفض بقدر كبير، وسوف يحدث انفراج دولي أكبر، وفي كلا الحالتين فإن الهيمنة الأمريكية على العالم غير ممكنة التحقق، وفي حالة حدوث سيناريو التصعيد أو سيناريو التهدئة.. فإن الأمريكيين سوف يضطرون في نهاية الأمر إلى القبول بنظام دولي متعدد الأقطاب يقوم على أساس اعتبارات العمل المتعدد الأطراف واحترام القانون الدولي، وعدم استخدام المعايير المزدوجة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...