جردة حساب لألف يوم على «الثورة»

17-12-2013

جردة حساب لألف يوم على «الثورة»

في وقت احتفل فيه ناشطون معارضون سوريون بمرور ألف يوم على بدء الأحداث في سوريا، تحت عنوان «1000 يوم على الثورة»، مستذكرين صوراً ومقاطع مصوّرة للتظاهرات التي خرجت في بداية الأحداث، ما يوحي بصورة وردية أنتجها هذا الحراك الشعبي، إلا أن الواقع الميداني يظهر صورة مختلفة.. صورة قاتمة، للدم والخراب، وتظهر جلية في تفاصيلها آثار عميقة لشرخ اجتماعي، قد تطول فترة ردمه كثيراً.
ألف يوم مرت على سوريا، ظهرت فيها مجموعات مسلّحة تحاول تقاسم مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة، ومجموعات متشددة تقيم «إمارات» لها. «جهاديون» من جنسيات مختلفة يجوبون شوارع المدن السورية حاملين معهم حلمهم بدخول «الجنة» عبر البوابة السورية. أطفال يحملون السلاح هنا، وأمراء حرب يتقاسمون الخراب هناك. حكاية عن طفل مات برداً في حمص، وحكاية أخرى عن أرض سمّمها النفط في الشرق، ليغدو بلد القمح جائعاً يبحث عن رغيف، يرتجف برداً، ينزف أبناءه، وثرواته، وحضارته الممتدة إلى أكثر من سبعة آلاف عام.اطفال سوريون لاجئون في مدرسة قرب اربيل امس الاول (رويترز)
لغة الأرقام قد تظهر بعضاً من عمق الجرح السوري، إذ تفيد دراسة أعدها «المركز السوري لبحوث السياسات» مؤخراً، بأن اللاجئين السوريين هم أسرع مجموعة لاجئين نمواً في العالم، حيث «سيصبحون أكبر مجموعة سكانية لاجئة معاصرة بحلول نهاية العام 2013 إذا ما استمرت وتيرة اللجوء على ما هي عليه الآن»، ليتوزع السوريون في أرجاء العالم الذي يتقاذفهم، ليحشرهم في نهاية المطاف داخل خيمة لا تقيهم حر الصيف، ولا تنجيهم من رياح العاصفة القطبية «ألكسا».
ويتابع التقرير، واصفاً أوضاع السوريين، بأن «عدد سكان سوريا تراجع بنسبة 8 في المئة، وأن ثلث السكان غادروا أماكن سكنهم الطبيعية»، موضحاً أن «1.73 مليون لاجئ خرج من سوريا، بينما هاجر 1.37 مليون غيرهم البلاد، واضطر 4.8 ملايين شخص للنزوح الداخلي».
التقرير الذي حمل عنوان «حربٌ على التنمية»، وأجراه «المركز المستقل»، لصالح وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يتابع محاولة رسم صورة الأوضاع في سوريا بلغة الأرقام، ليوضح أن «أكثر من نصف السكان يعيشون حالة فقر، إذ أن 7.9 مليون شخص دخلوا دائرة الفقر منذ بداية الأحداث في سوريا، منهم 4.4 مليون نسمة دخلوا دائرة الفقر الشديد». ويبين أن معدل البطالة وصل إلى 48.6 في المئة، وأن أكثر من 2.33 مليون نسمة خسروا وظائفهم، ما يعني أن الحالة المعيشية لما يقارب 10 ملايين شخص تتعرض للخطر.
وعلى صعيد الجرح السوري النازف، يفيد التقرير بأن «خسارة الحياة البشرية تعتبر أكثر جوانب النزاع المسلّح فظاعة، فقد ازدادت نسبة الوفيات المرتبطة بالنزاع بواقع 67 في المئة في النصف الأول من العام 2013، لتصل إلى ما يقدّر بحوالي 100 ألف حالة وفاة خلال فترة النزاع، فيما يقُدّر أن أكثر من 400 ألف شخص آخر تعرّضوا للإصابة أو التشويه أثناء النزاع. ما يعني أن 2 في المئة من السكان قتلوا أو أصيبوا أو جرحوا».
وبالانتقال إلى الوضع التعليمي، الذي يصف التقرير حاله بأنه يتعرض لـ«أزمة صامتة»، موضحاً أن «معدّل تسرب الطلاب من صفوف الدراسة وصل إلى 49 في المئة»، مّا يشير، بحسب التقرير، إلى أن «نصف أطفال المدارس في سوريا باتوا لا يحصلون على التعليم النظامي. في وقت فقد فيه النظام التعليمي 3 آلاف مدرسة تقريبا جرّاء الأضرار أو الهدم، في حين أن 683 مدرسة أخرى تؤمن المأوى للنازحين داخلياً، بالإضافة إلى نقص في أعداد المدرّسين بما أن الآلاف منهم انضمّوا إلى قوافل اللاجئين والنازحين داخلياً».
أما في القطاع الصحي، فيشير التقرير إلى أن «57 مستشفى تعرض لأضرار، بينما لم يعد 37 في الخدمة، وطال التأثير 593 مركزاً للرعاية الصحية الأولية، وهي التي كانت تعتبر المصدر الرئيسي للأدوية لمن لديهم أمراض مزمنة، إذ خرج 359 مركزاً من الخدمة، وأصبح 203 منها غير آمن، وتضرّر 31 مركزاً آخر، كما تراجعت نسبة الأطباء إلى السكان من طبيب واحد لكل 661 مواطناً في العام 2010 إلى طبيب واحد لأكثر من 4 آلاف مواطن بحلول حزيران 2013».
على الصعيد الاقتصادي، لا تبدو الصورة مختلفة عن سابقاتها، حيث يشير التقرير إلى أن الاقتصاد السوري يواجه عملية تفكك للقطاع الصناعي وهروب للاستثمارات على نطاق واسع نظراً لإغلاق المؤسسات، والإفلاس، وهجرة رؤوس الأموال، وأعمال النهب، والتخريب. إذ بلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية 103.1 مليارات دولار أميركي بحلول الربع الثاني من العام 2013، أي ما يعادل 174 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010. ويضيف «مع انهيار الاقتصاد المنظم، شهدت سوريا تنامي في الاقتصاد غير المنظم، بالإضافة إلى ظهور اقتصاد العنف الذي سيرخي بظلاله على تنظيم النشاط الاقتصادي، والإصلاح، ورأس المال الخاص، والتنمية في مرحلة ما بعد الأزمة».
ما سبق ليس إلا جردة حساب بسيطة لألف يوم مرّت على سوريا، حملت في طياتها الكثير من الألم، وأعادت سوريا إلى القرون الوسطى. ألف يوم لم تترك عائلة بلا شهيد، أو جريح. ألف يوم مرت كألف سنة، شهدت فيها سوريا أكلة لحوم بشر، وقاتلين على الهوية، ومشردين في خيم اللجوء. ألف يوم حولت سوريا إلى كرة تتقاذفها الأمم، بانتظار عقد مؤتمر «جنيف 2»، الذي من المفترض أن يضع حداً لنزف هذا الجرح، الذي وإن توقف نزفه، سيترك ندباً ستدوم طويلاً.

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...