حافلات النقل الخاص الربح أولاً وأخيراً

02-03-2010

حافلات النقل الخاص الربح أولاً وأخيراً

أهل المثل الشعبي -كما يقال- لم يأتوا بأمثالهم عن عبث أو عن فراغ.. وانطلاقاً من المثل القائل «شو جابك عالمر إلا الأمر منو»، نسلط الضوء هنا على أحدث منظومات النقل الخاص في دمشق، التي أذاقت المواطن طعم المرارة لا محالة؛ فلا إيجابيات تذكر منذ انطلاقتها الأولى للعمل على بعض الخطوط الرئيسة في العاصمة.
حافلة النقل الداخلي «الخاص» الحضارية قولاً لا فعلاً، كما رصدها هذا المواطن في بحثه الميداني، وهو الذي خاض كافة التجارب في وسائط النقل الخاصة والعامة معلناً، عن جدارة، خسارة النقل الخاص وفشله مبكراً في توفير الراحة والوصول الآمن إلى منزله، دون وضع الملاحظات وتوجيه الشكاوى إلى سائق الباص الخاص والمسؤولين عنه.
نسبة كبيرة من المواطنين المرتادين وسائطَ النقل الخاص ليسوا راضين عن الخدمة التي تقدّمها هذه الوسائط التي دخلت مؤخراً شوارعَ مدينة دمشق بعد إزاحة عدد لابأس به من السرافيس العمومية.
ثلاثة خطوط رئيسة أطلقت الشركات الخاصة حافلاتها للعمل عليها؛ التجربة الأولى بدأت على خط يرموك- مزة أوتستراد، ومن ثم خط دوما- حرستا- دمشق وبالعكس، والآن خط جوبر- مزة أوتستراد-نزلة جامع الأكرم إلى السومرية وبالعكس. وبعد ذلك، بحسب المعنيين، ستعمل باصات النقل الخاص، ممثلة بـ30 مستثمراً، على مايقارب 40 خطاً.
ما نريد قوله إنَّ البداية لم تكن موفَّقة؛ وذلك لعدم وضع الدراسة الاستراتيجية لعمل الباصات على الخطوط وتلبية حاجتها منها، ناهيك عن الازدحام الذي بدأت تسبّبه هذه الوسائط، سواء داخلها أم خارجها.
المواطن هيثم شلهوب (أحد قاطني مدينة جوبر) لم ينجُ -على حد قوله- من المكيدة التي ارتكبتها إحدى حافلات النقل الخاص العاملة على خط جوبر- مزة اوتستراد؛ يقول شلهوب: «بعد خروجي من عملي في منطقة المزة فيلات شرقية، حوالي الساعة الرابعة والنصف، صعدت حافلة نقل خاص وأخذت قيلولة بسيطة، معتقداً أنَّ الحافلة ستعود بي إلى أوتستراد المزة». ويضيف شلهوب: «بعد أن استيقظت وجدت نفسي في كراج السومرية والساعة تدقّ على الخامسة والربع.. تفاجأت كثيراً وقرأت أفكاري، وبدأت بالسؤال: هل أنا في حلم أم علم؟!.. وبالطبع أنا في علم، لأنَّ الناس أيضاً بدؤوا يتذمّرون من السائق الذي طال انتظاره». ويشير شلهوب إلى أنَّ السائق «لم يرفّ» له جفن من ردّة فعل الناس سوى أنه قال لهم: «جود من الموجود.. إذا لم يعجبك فترجل.. لك الخيار».
 الركاب طبعاً -على حد قول شلهوب- التزموا الصمت؛ فلاخيار أمامهم سوى التكسي العمومي التي ينتظر سائقها هو الآخر هذه الفرصة بفارغ الصبر.
كلام المواطن شلهوب وغيره من المواطنين دليلٌ واضح على الارتجال الذي يميّز عمل هذه الباصات الخاصة وعلى العشوائية والمزاجية البعيدة عن أيّ نظام. فالمهم أنها تعمل وتجني الأموال دون اكتراث لحال المواطنين المبعثرين في الشوارع على غير العادة أيام السرافيس البيضاء. فالأخرى، على الرغم من مساوئها، أوفت بالغرض ولبَّت حاجات المواطنين في التنقل إلى وظائفهم وجامعاتهم ومدارسهم. ويتساءل المواطنون: ماذا سيحدث مع استقدام 750 حافلة أخرى من قبل شركات النقل الخاص للعمل إلى جانب 1250 حافلة نقل عام على الغاز على خطوط متعددة؟!.. بالطبع -على حد قول المواطنين- ستعمّ الفوضى ولن تأتي بأيّ إيجابيات؛ لأنَّ المكتوب واضح من عنوانه.
يقول عزام الغسان (موظف في إحدى الدوائر الحكومية): «منظومة النقل في دمشق فاشلة 100 % ولا نستطيع إلقاء اللوم على الباصات الخاصة وحدها، التي تعمل بالتدريج. فالخطأ واقع، والأزمة موجودة منذ أن دخلت السرافيس البيضاء عام 90 ولغاية هذه اللحظة التي نتحدّث فيها عن مشروع الميترو». ويرى الغسان أنَّ منظومة النقل بحاجة إلى أسس وقواعد صحيحة كي تنجح؛ ففي كل مرة يعدنا القائمون بما هو حديث ومتطور في عالم النقل، لكن لاجدوى.. والدليل شكوى المواطن من سوء الخدمات التي تقدّمها وسائط النقل هذه، والتي عادت بنا إلى الترحم على زمان «الهوب هوب» والركوب على سقفه مع ابتسامة ووصول مريح. 
 - المهندس كميل العساف (مدير عام شركة النقل الداخلي في دمشق) أكد أنّ أعداد باصات النقل الداخلي الخاص قابلة للزيادة في وقت لاحق. وذكر العساف أنّ مدة عقود المستثمرين تصل إلى 10 سنوات يتكفّل المستثمر بعد هذه المدة شراء باصات أخرى جديدة، وتنسيق القديمة، يتمّ بعدها التمديد بناء على هذه الشروط.
وأشار العساف إلى أنَّ تجربة الباصات الخاصة جديدة وبدأت بعد الاستغناء عن السرافيس. وخلال هذه الفترة، يجب أن يعلم المستثمر بمتطلبات الخط والعمل عليه بشكل كثيف، لاسيما في ساعات الذروة. وعلى هذا الأساس يتمّ سد كافة الثغرات، ولانستطيع -نحن المواطنين والمؤسسة- تحديد نجاح أو فشل النقل الخاص؛ لأنه بحاجة إلى فرص ليقوّم أخطاءه من خلالها ويجد الحلول المناسبة لها. فالمستثمر ملزم بتخديم المواطنين وتأمين الراحة لتنقلهم. وفي حال الخلل بذلك وعدم الاستجابة سيتمّ اتخاذ الإجراءات والعقوبات القانونية بحقه. وبرأي العساف مبلغ 200 مليون ل.س، يضعها المستثمر ثمن باصات، لا يسمح له أن يكون هزلياً بهذا الموضوع. بالتأكيد هو جاد ولن يقبل على نفسه أن يكون تخديمه سيئاً. وأشار إلى أنَّ الأخطاء التي يقع فيها المستثمر تجري معالجتها بشكل لحظي وآني، وأرقام الشركة والمستثمرين معمّمة على كافة المواطنين، وفي حال حدوث أيّ مشكلة يتمّ الاتصال بأحد الطرفين لتقديم الشكوى ومن ثم المعالجة السريعة. بدورنا نؤكد أنَّ الثغرات والمشاكل التي تتسبّب بها هذه الباصات مازالت مفتوحة، سواء من حيث المدة الزمنية الطويلة التي تستغرقها في توصيل المواطنين أم بالنسبة إلى موضوع التعرفة التي لم تتجزّأ كما هو ملاحظ، إضافة إلى أنها أصبحت مصدراً للتلوث، بسبب الدخان المتصاعد منها والبطاقات منتهية الصلاحية التي ترمى في أغلب الشوارع ومحطات توقف هذه الباصات، دون أن نلحظ أيّ بادرة من قبل مستثمريها أو المعنيين بأمرها. ولو كانوا مكترثين على الأقل لقاموا بتشكيل لجان مختصة بمراقبة حركة هذه الباصات، وتسهيل حركة المواطنين، وتحديد عدد الواقفين منهم حسب نظام معين، وفرض المخالفات والغرامات على السائقين الذين لايتقيّدون بهذا النظام، مع اقتراح تخصيص موظف داخل هذه الباصات لجمع التذاكر، ومن ثم وضعها في مكان مخصص لها تلافياً لبعثرتها في الشوارع. بالتأكيد لو انطلق المستثمرون من خلف مكاتبهم وتنكّروا بزيّ مواطن (أيِّ مواطن) فإنهم بالطبع سيعيشون الحالة والمعاناة.. فكّروا ثم أجيبوا أيها المستثمرون في النقل الخاص!!.. فإيجاد حلّ لهذه المشاكل هو قبل أيّ شيء لمصلحتكم، ومن ثم لمصلحة المواطن الذي آن له أن يجد من يحترم أوقاته وكرامته خلال رحلاته اليومية من وإلى العمل.. ومن حقّه أن يحصل على خدمة تساوي ما يدفعه مقابل الحصول عليها. 

أسعد جحجاح

المصدر: بلدنا
 

التعليقات

لا يمكن أن نعول على الحكومة أن تقوم بالتدخل أو حل مثل هذه المشاكل، لأنها تعتقد أنها قد حلتها بالفعل من خلال (السماح) للقطاع الخاص بحل مشكلة النقل (العام) والتي هي بالأساس مسؤوليتهم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...