كلية اللاهوت للشرق الأدنى الابن الشرعي للحركة الإنجيلية في المنطقة

04-08-2007

كلية اللاهوت للشرق الأدنى الابن الشرعي للحركة الإنجيلية في المنطقة

يكاد يختصر تاريخ كلية اللاهوت للشرق الادنى تاريخ الحركة الانجيلية في لبنان والمنطقة. وعندما نقول المنطقة نشير الى ما يتعدى المنطقة العربية ونصل الى كل من تركيا واليونان. ويعبر تاريخ هذه الكلية في لحظاته المتتالية عن جملة تقاطعات، منها ما يتناول رحلة هذه الكنيسة، ومنها ما يتناول الاوضاع العامة وتأثيراتها على هذا المسار، خصوصا الحربين الأولى والثانية وما تخللهما مع بروز القضية الارمنية. التقاطع الثالث المهم يرتبط بما صارت عليه بيروت، ليس على صعيد التعليم العالي فقط، بل على الدور المناط بمؤسسات الطوائف التعليمية منها وفيها على الصعيدين اللبناني والخارجي الاوسع.
هذه الاسطر ترسم مساراً عاما، لكنها لا تقدم تفاصيل حقيقية لهذه الكلية التي اعلن عن انشائها عام ,1932 والتي تبلغ الآن من العمر 75 عاما. لكن التاريخ «الرسمي» هو غير الكثير من التاريخ الفعلي. اذ مثلها مثل اي مشروع تكون له بدايات ابعد غورا في السنوات. وبالعودة الى الوراء يتبين ان جذور هذه الكلية على الصعيد التعليمي ترجع الى عام 1835 عندما تم استحداث مؤسسة تعنى بالتربية والتعليم الانجيليين. تولى هذه المهمة الكاهن الانجيلي ويليام تومبسون الذي كتب في ما بعد كتابه «الأرض والكتاب». إذن تأسست مدرسة تعنى بالمذهب الانجيلي، وهذه مسألة جديدة على صعيد لبنان والمنطقة العربية في هذه المرحلة المبكرة من التاريخ. كان التأسيس الاول في بيروت، لكن الاستقرار تم في بلدة عبيه، جنوب ـ شرق العاصمة. تولى مسؤولية المدرسة في عبيه اولاً د. كورلينوس فان دايك، الذي تولى تدريس صفوف اللاهوت والثقافة العامة، وهو الذي قام بترجمة التوراة الى العربية. اذن نشأت مدرسة في عبيه تدرس التعاليم الانجيلية، لكن الحركة الانجيلية خارج اطار البلدة الجبلية كانت تنمو بدورها وتكتسب اتباعا جددا، بدليل قيامها عام 1866 بتأسيس الكلية السورية الانجيلية التي صارت لاحقا الجامعة الأميركية في بيروت. المجموعة التي تولت انشاء مدرسة عبيه هي التي اسست الكلية السورية الانجيلية اولا ولاحقا مدرسة بيروت للبنات ثم كلية البنات الجامعية ثم الجامعة اللبنانية ـ الاميركية.
وزعت المجموعة العمل على نحو واضح، ان تكون الكلية السورية متجهة نحو العلوم عامة، وكلية البنات نحو الاناث باعتبار ان هناك قصوراً في هذا الجانب، وخصصت مدرسة عبيه للتدريس العقائدي واللاهوتي دون سواه. تنقلت الاخيرة بين عدة امكنة في السنوات الممتدة بين 1835 و1902 قبل ان تعود من رحلتها الى بيروت، حيث استقرت في قطعة ارض قرب ساحة رياض الصلح قبل ان تنتقل عام 1971 الى مكانها الحالي على مقربة من كل من الجامعتين الاميركية واللبنانية ـ الاميركية. بالطبع اثار هذا التطور عواصف كبرى لدى الطائفتين الاسلامية والمسيحية على حد سواء وانبرتا كل على حدة على الرد على التحدي الذي مثله الوافد الجديد المقيم بين ظهرانيهم رغما عن ارادة رجال الدين فيهما.خصوصا وان المبشرين الانجيليين اعتمدوا المؤسسات من اجل جذب الاتباع الى مذهبهم الجديد وعلى حساب الطوائف التي لم تستطع مجاراتهم على هذا الصعيد. وهذا كله كان من ضمن شبكة من المرسلين الهادفين الى اختراق الدولة العثمانية التي كانت في الطور الاخير من نزعها كرجل مريض. وبالطبع خدمة لمصالح غربية متنوعة فرنسية ـ بريطانية ـ روسية ـ المانية وايطالية.
هذا الجانب له علاقة بالنشاط التبشيري والعلمي في بيروت ولبنان، لكن الوصول الى تكوين الكلية كان له ايضا علاقات متينة مع تطورات او تقاطعات خارجية هو الآخر، وتحديدا بما شهدته تركيا من نشاط مماثل. ففي عام 1839 تأسست اول مدرسة مشابهة في تركيا على يد الكاهن الانجيلي سيروس هاملن، وبعد تنقله في العديد من المدن استقر في استانبول. لكن مع اندلاع الحرب الاولى اندمجت المدرسة التي اسسها مع مدرسة الاديان في استانبول بواسطة الكاهن ثم الرئيس فرد جودسل. استمرت مدرسة الاديان تقوم بدورها التعليمي الى عام 1922 عندما حدثت كارثة ازمير التي اصابت الطائفة الارمنية، فكان ان غادر الطلاب الارمن واليونانيون المدرسة الى اليونان برفقة البروفسور لطفي ليفنيان، مع ذلك فقد استمر فرع استانبول ثلاث سنوات قبل اقفال ابوابه عام .1925 في اثينا حدث اندماج بين مدرستين انجيليتين ايضا وقامت باندماجهما مدرسة العقيدة وكان عماد طلابها أولئك الذين لم يكملوا دراستهم في استانبول وبرئاسة ليفنيان نفسه. مع مطلع ثلاثينيات القرن التاسع عشر سنشهد تقاطعا إضافيا تمثل بدمج المؤسستين التابعتين للكنيسة الانجيلية في كل من اثينا ولبنان وتنشأ من اندماجهما كلية اللاهوت للشرق الادنى، بعد توقيع الاتفاق بشكل نهائي عام ,1930 وهكذا اصبح غايوس غرينسلاند رئيسا للكلية ولفنيان عميدا. ايضا سنشهد في اعقاب الحرب العالمية وما خلفته تقاطعا اضافيا يتمثل هذه المرة باتفاق اربع كنائس انجيلية على رعاية كلية اللاهوت واعتبارها مؤسستها اللاهوتية وايفاد ابنائها اليها لتزويدهم بالمعارف اللازمة للنهوض بأدوارهم الكنسية في صفوفها.
أشكال من التعاون
تعتبر رئيسة كلية اللاهوت للشرق الادنى د. ماري مخايل ان الكلية بدأت كمدرسة صغيرة انشأها المرسلون الأميركيون، وقد تكرست لاحقا باتحاد مدرستي اثينا حيث طلابها من الارمن واليونان مع مدرسة بيروت. وقد قامت هذه المدرسة منذ تأسيسها في عبيه بدور اجتماعي الى جانب الدور التعليمي، اذ تظهر الآثار الباقية في عبيه وجود ميتم لأبناء المنطقة من الفقراء. كان انشاء المدرسة بصيغتها الاولى تعبيرا عن وجود طائفة جديدة، قبل ذلك لم يكن هناك طوائف انجيلية، وبالطبع لم تكن تملك هذه الطائفة كنائس لها. اول كنيسة اسست في ساحة رياض الصلح، وكانت هذه الكنيسة تقوم بمهمة المدرسة الليلية الى جانب دورها الديني والايماني... ايضا على صعيد المنطقة العربية تشكلت طوائف انجيلية واعتقد انه تباعاً ستندرج المزيد من الكنائس في دعم واحتضان الكلية. في الخمسينات انضمت ابرشية القدس الى الكلية، قبلا كانت الطائفة المسيحية في كل من لبنان وسوريا والارمن الانجيليين فيها يصبحون هم المؤسسين، وكذلك الأمر في الكنيسة اللوثرية في الاردن. كل هذه تتشارك في ملكية الكلية كطوائف انجيلية. اي انها مملوكة لأربع جهات هي: السينودس الانجيلي في لبنان وسوريا، الاتحاد الانجيلي الارمني في الشرق الادنى، اسقفية القدس والاسقفية اللوثرية في كل من الاردن وفلسطين.
هذا لجهة الملكية، ولكن هناك امرا له علاقة بتاريخها، ما دامت المجموعة التي اسستها هي التي اسست كذلك كلاً من الجامعة الاميركية واللبنانية ـ الاميركية. تقول مخايل ان المدرسة عندما عادت من عبيه الى بيروت كانت تدرس في مبنى الفيسك هول داخل حرم الجامعة الاميركية، هذا قبل ان يتأمن لنا البناء المستقل، اما عندما تأمن لنا المبنى الخاص فقد انتقلت اليه، دون ان يعني هذا الانتقال ان العلاقات لم تعد قائمة مع الجامعة الاميركية او اللبنانية ـ الاميركية. بل على العكس من ذلك تماما اذ ما زالت وستظل العلاقات وطيدة معهما، وكذلك مع جامعة هايكازيان. ولأن هذه العلاقات على هذا النحو نرسل طلابنا في مرحلة الليسانس الى هذه الجامعات لاجراء دراساتهم في اللغات وعلم النفس وغير ذلك. وهذا نوع من انواع تبادل الطلاب، اذ ليس من الضرورة ان نفتح اقساما لهذه الدراسات ما دام الطالب يستطيع الانتقال بدقائق الى اي منهما للحصول على المقرر ثم العودة الى الكلية. الجامعة الاميركية في الماضي كانت ترسل هي الاخرى الينا طلابا يرغبون في دراسة مقررات في اللاهوت والعلوم الدينية كمواد اختيارية، اما الآن فلا نلحظ اقبالا من جانب طلابها على هذه المقررات. اما مع جامعة هايكازيان فان علاقاتنا متينة وهناك شهادة مشتركة معها في التربية المسيحية، ويأتي طلاب بعض المواد الى كليتنا للحصول على مقررات معينة ويكملون الارصدة في الجامعة ولدى انجاز الطلاب الارصدة المطلوبة منهم في الجامعتين يحصلون على شهادة موقعة من كلتا الجامعتين تفيد ان الطالب قد انجز المواد المقررة عليه في الكلية والجامعة وهي كذا وكذا...
تبادل وعلاقات
هذا ايضا شكل من اشكال التعاون، بمعنى ان التعاون ليس مقتصرا على فكرة تاريخ الآباء المؤسسين في الجامعتين الاميركيتين والكلية، بل له مداه الاوسع بما هو انفتاح اكاديمي، يتعدى على أي حال من الاحوال جامعة هايكازيان ليصل الى بناء علاقات جيدة مع جامعتي البلمند والكسليك ومع معهد القديس بولس للفلسفة واللاهوت في حريصا. ايضا نحن اعضاء في رابطة معاهد اللاهوت في لبنان، وتضمن هذه مع من ذكرت من جامعات ومعاهد والانطونية والعطشانة.. علاقتنا مع كل هؤلاء جيدة، وتتميز بالتعاون الكامل، لكنها تتجاوزها الى المعاهد الدينية الاسلامية. فقد اطلقت هذه الكلية عام 2002 منتدى الحوار الفكري المسيحي ـ الاسلامي، وهي فكرة كانت تراودنا قبلا حتى تمكنا من تحقيقها، وقد استضافت الكلية الكثير من الحلقات التي حضرها نخب من المثقفين المسيحيين والمسلمين الذين حاضروا في تبيان المفاهيم المشتركة والمبادئ الاساسية التي يجمع عليها طرفا المجتمع. لقد اردنا ان نظهر ما نجمع عليه وما نتشارك به من مبادئ وأخلاقيات، رغم اننا معهد يعنى باللاهوت وتعليمه، لكن اردنا ان نخلق منصة نبحث فيها ومنها الامور التي نختلف عليها. هذا الامر لا يعدل من مهمتنا كمؤسسة تعنى بتدريب القيادات للكنائس المتنوعة التي تنتمي في عقائدها الى التراث المصلح والاسقفي واللوثري. اذ ان تركيبة مؤسستنا الادارية تتميز بالتعددية الكنسية. هذه المهمة تدفعنا الى الاعتقاد اكثر وأكثر ان الايمان في المسيحية والاسلام مرجعه واحد، اذ كلاهما يشتركان بأساسيات ايمانية متعددة كوحدة الله وقداسته ونعمته ورحمته ومحبته لجميع الناس وفي إعلان إرادته للانسان وإيمانه عن طريق الكتب المقدسة وأتقيائه الصالحين. إن التعرف الى الآخر والحوار هو اكثر من مطلوب للانتهاء من التخمين والاحكام المسبقة... لقد التأم هذا المنتدى حوالى سبع مرات وناقش امورا بالغة الاهمية والحساسية وحول عقائد لاهوتية اساسية في ايمان كل من الطرفين، وبين كل منهما بحرية وانفتاح اسس ايمانه بها، واستمر التباين وخرجنا اصدقاء بكل ما تعبر عنه هذه الكلمة. اكثر من ذلك كان انعقاد المنتدى مناسبة لخلق صداقات جديدة، وانفتحت امامنا آفاق تعاون وتلاق جديدة تقوم على ان الاستمرار في التعرف على الآخر هو رحلة لا تنتهي ويجب ان نستمر في ارتيادها.
الإدارة والطلاب
ما دامت الكلية تتبع عمليا اربع كنائس، فإن من البديهي ان تتشارك جميعا في ادارتها. يتم ذلك عن طريق مجلس ادارة، لكل واحدة من هذه الكنائس ثلاثة اعضاء من اصل 12 عضوا يمثلون العدد الاجمالي للمجلس. وما دامت هذه الكلية تتبع للكنائس الانجيلية واللوثرية الاربع فإن الأخيرة تساهم في تمويل عملها. اما ما لا يدخل في التمويل فإن الكلية تسعى للحصول على منح من كنائس صديقة في كل من اميركا واوروبا.
تقول د. مخايل ان طلاب الكلية يأتون من الكنائس الاربع التي تملك الكلية وأحيانا يكون هناك طلاب من الكنيسة الارمنية الارثوذكسية، إضافة الى استقبال طلاب اوروبيين وافدين لسنة او اكثر بحسب البرنامج الدراسي الذي يريدون انجازه، اما الطلاب الافارقة فيأتون كطلاب نظاميين لمدة تتراوح بين ثلاث الى اربع سنوات. اما نسبة الطلاب اللبنانيين الى الاوروبيين والافارقة وغير العرب فتصل الى حوالى خمسين في المئة، يزيد في سنوات وينقص في اخرى. طبعا الكنيسة الانجيلية في لبنان وسوريا واحدة، كذلك يأتي الى الكلية طلاب تابعون للاتحاد الانجيلي الارمني من لبنان وسوريا وكنيستهما هم ايضا واحدة. اما عدد الطلاب فلم يصل الى اكثر من 110 طلاب. قبل الحرب كان العدد يتراوح بين 60 و80 طالبا، لكنه خلالها انخفض الى ما يتراوح بين 16 و20 طالبا، لكنه عاد وارتفع بين الاعوام 1990 ـ 2006 الى ما بين 36 و48 طالبا.
يبدو من كلام الرئيسة مخايل ان الاوضاع اللبنانية السياسية تترك بصماتها على اعداد الطلاب صعودا وهبوطا، وخصوصا ان ما يسمعه او يراه الطلاب وذووهم والكنائس يدفع في الكثير من الاحيان الى الامتناع عن ايفاد الطلاب، وخصوصا ان الكنيسة التي ترسل الطلاب تعود الى استقبالهم بعد تخرجهم في نطاق الخدمة التي تؤديها. تستقبل الكلية اذن طلابا موفدين من كنائسهم، وهذه الكنائس تتولى تغطية نفقاتهم بنسبة النصف تماما، اما الكلية فتساهم من التمويل العام بالنصف الباقي كمنح لهم. لكن الطلاب الافارقة لهم معاملة خاصة اذ تقدم لهم الكلية منحة بنسبة مئة في المئة، باعتبار ان كنائسهم ما زالت قليلة ولديها مهام ملحة لا تحتمل التأخير. اما الطلاب الاوروبيون فهؤلاء يدفعون كامل المتوجب عليهم من نفقات تعليم وإقامة. وهؤلاء متعددو الاهتمامات. إذ يفدنا طلاب يريدون متابعة مقرر معين، لأنه هام جدا في دراستهم او ثقافتهم الدينية، فيمضون الفصل وبعد نجاحهم فيه يغادرون. هناك اناس عاديون يريدون الحصول على شهادة في العلوم اللاهوتية، وهذه تحتاج الى ثمانية مقررات، لكنها لا تخولهم الخدمة في الكنيسة. ويبقى الطلاب الاساسيون وهم الذين دخلوا الى الكلية من اجل الحصول على الليسانس او الماجستير في علم اللاهوت. وباختصار نحن نستقبل الطلاب من البيئات التي ترسلهم الينا كنائسهم، لاننا نحن كلية تخدم الكنائس التي تنتمي اليها. المهم بالنسبة لنا هو ان تقول الكنيسة المعنية انني اريد ان اعلم هذا الشاب او تلك الفتاة. بالطبع ولأننا محكومون بقانون التعليم العالي في لبنان، فإننا لا نقبل اي طالب لم يحصل على البكالوريا ـ القسم الثاني، إضافة الى إجادة لغة التدريس وهي اللغة الانكليزية. هذا في الدراسة النظامية للحصول على شهادة. اما من يرغب في متابعة مقرر معين في مادة لفصل او اكثر فلا نحرمه هذه الرغبة، وهنا لا نشترط عليه حيازة الثانوية العامة، الشرط الوحيد الذي نطلبه منه ان يكون انسانا محترما في مجتمعه ولديه رغبة في متابعة تحصيله في المجال الذي نستطيع نحن ان نقدمه له. كما تقول مخايل.
المتخرجون والأساتذة
تعتبر مخايل ان 95 في المئة من متخرجي الكلية يصبحون قسسا او رعاة كنائس او رجال دين يخدمون في السينودس الانجيلي وفي الاتحاد الانجيلي الارمني في سوريا ولبنان. في النقاش ترتفع النسبة احيانا لدى مخايل الى مئة في المئة من المتخرجين، وعليه فإن متخرجي الكلية يعملون في الكنائس والاسقفيات ليس في سوريا ولبنان فقط، بل في الاردن وفلسطين ايضا. علما ان الطلبة الفلسطينيين لم يستطيعوا الحضور مؤخرا الى لبنان لمتابعة دراستهم في كليتنا واتجهوا نحو كليات في دول اوروبا، هذا مع ان العادة كانت ان يتخرجوا من لبنان وليس من سواه. مع ذلك فإن المتخرجين كما تقول مخايل بعد اشغالهم ادوارهم الكنسية لا ينقطعون عن الكلية. نحن من جانبنا نحافظ على علاقة مستمرة بهم. سنويا ندعوهم الى تمضية يومين او ثلاثة في رحاب الكلية، ونعد لهم برامج خاصة تتراوح بين الافادة من موجودات مكتبتنا بما فيها من كتب بلغات متعددة، والاستماع الى محاضرات في حقول العلوم اللاهوتية، والجديد في هذا المجال. اذن تحول المتخرجين الى رعاة لا يقطع حبل الصلة بهم، بل على العكس تستمر وتتواصل. وخصوصا ان الكنائس بحاجة الى المزيد من الرعاة، وعندما تشعر هذه الكنائس ان هناك ضرورة كي ترسل المزيد من الطلاب فإنها تفعل ذلك. نحن من جانبنا ككلية لا علاقة لنا بذلك، ولا نحدد الحاجات بطبيعة الحال، باعتبار ان هناك من ادرى بالاوضاع الكنسية منا، وهم يتصرفون بناء على ظروفهم. اذن القرار يعود الى كل كنيسة من الكنائس الاربع ونحن واجبنا ككلية ان نعد لهم من يرسلونهم الينا للحصول على العلوم المطلوبة.
الواضح من كلام الرئيسة مخايل ان ليس هناك مشكلة في استيعاب المتخرجين في الكنائس، اذ ان الاخيرة توفر لهم وظائف وهي التي تقرر ذلك، وبالطبع تحاول هذه الكنائس دوما ان تفيد من المتخرجين الذين سبق وأرسلتهم الينا وباتوا حاملين للبكالوريوس والماستر، وهي مسؤولة عن توفير العمل وشروطه بناء على اعتباراتها، وهذه ايضا لا تتدخل بها الكلية.
اما بالنسبة للاساتذة في الكلية فهم موزعون بين لبنانيين وغير لبنانيين »لكن السمة المشتركة بين الجميع هي حيازة شهادة الدكتوراه في حقل اختصاصاتهم. بالطبع اللبنانيون منهم اكثر عددا من سواهم، وهذه تقريبا شبه قاعدة منذ تأسست الكلية ونحن حريصون عليها. دون ان يعني ذلك ابدا عدم استقطاب كفاءات اجنبية. اذ يحدث احيانا اننا لا نملك اختصاصيا في حقل من حقول التدريس لا سيما في العلوم اللاهوتية فنستقبل استاذا زائرا لمدة تختلف تبعا للحاجة بين سنة وثلاث سنوات. هؤلاء الاساتذة يفدون الى كليتنا من استراليا وفرنسا وسويسرا وغيرها. اما الاساتذة اللبنانيون فهؤلاء نصابهم كامل في الكلية، وهم جزء من الكنائس التي ننتمي اليها. وهناك اساتذة من جامعات لبنانية يعملون في تدريس مقرر لمدة معينة وهم في الاصل يعملون في جامعات لبنانية«. تنفي مخايل اشتراط الكلية لقبول الاستاذ ان ينتمي الى الكنيسة الانجيلية، اي ان تكون طائفته مطابقة لما هي عليه الكلية، اذ لدى الكلية اساتذة كاثوليك وارثوذكس.
المطلوب هنا الشهادة والالتزام بحياة الكنيسة، وهو نفس الشرط الذي تعتمده كل مؤسسات التعليم العالي اللاهوتية، اما اذا اردنا تدريس الاسلاميات باعتبارها احدى مواد مقرراتنا، فنحن نبحث عن الاستاذ المسلم كي يتولى هو تقديمها للطلاب. ونحن نحرص على هذا المبدأ لتزويد طلابنا بالعلوم الاسلامية كما يراها المسلمون. وهذا يعطف على ما ذكرته اولا حول منتدى الحوار الفكري المسيحي ـ الاسلامي، اذ اننا منفتحون على الآخر وعلى قبوله واحترامه، ونحاول ان ندرب طلابنا من خلال اساتذتهم على هذه الرؤية، ونحثهم دوما على ان يستمروا على هذا النهج ما دمنا ننتمي الى هذه التربة التي نشأت منها الاديان الابراهيمية الثلاثة، وهي تربة تتمتع بنسيج متعدد الالوان مما يشهد لعبقرية الخالق الذي نؤمن به جميعا. ايضا فإن علاقاتنا مع المعاهد الدينية الاسلامية تنتمي الى مدار هذا المنحى الانفتاحي الذي تعتمده.
علاقات دولية
تنبه د. مخايل الى ان الكلية تملك علاقات مع كنائس انجيلية في اميركا وأوروبا. نبدأ معها من اميركا خصوصا في ذروة التوجه لدى بعض الكنائس الاميركية الانجيلية نحو طروحات بالغة الخطورة على اوضاع المنطقة العربية عموما، وفي مقدمها فلسطين ولبنان. وهذا ما يسمى بـ»المسيحية الجديدة« او المسيحانية او سواها. تؤكد مخايل ان الكلية تملك علاقات مع المشيخية الاميركية ـ اليها ينتمي المؤسسون ـ، ومع كنيسة المسيح ومع الكنيسة اللوثرية والمصلحية وهذه جميعا لا تنتمي الى الكنائس المحافظة. بل على العكس من ذلك تماما فالكنيسة المشيخية الاميركية تواجه حربا ضروسا من الصهيونية، خصوصا بعد ان دعت الاولى الى وقف الاستثمارات الاميركية في اسرائيل، مما اثار عاصفة من النقد من جانب المنظمات الصهيونية. ايضا الكنائس المشيخية والمسيح واللوثرية دأبت على اصدار مواقف حول اوضاع المنطقة تتلاءم مع توجهاتها التاريخية ورغبات ابناء هذه الارض. فمثلا لدى اتجاه الادارة الاميركية نحو شن الحرب على العراق اصدرت بيانا ادانت فيه هذا التوجه ثم اعلنت رفض احتلال العراق. ايضا تؤكد هذه الكنائس باستمرار على حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة على ارضه وترفض بالتالي استمرار احتلال اسرائيل للضفة والقطاع. هذه هي الكنائس التي نتعاون معها وهم اصلا من المؤسسين والمشجعين لنا على النهوض بالدور الذي نقوم به في خدمة المجتمع الذي نتحرك ضمنه عبر ما نقدمه من علوم لاهوتية وفي خدمة الكنائس المحلية.
ايضا في باب العلاقات الخارجية لدى الكلية اتفاق شرف مع الكنائس الالمانية بالتحديد. اذ في المانيا ليس هناك من كليات متخصصة في التعليم الديني كما هو عليه الحال في سواها ولبنان.كل ما هناك هو ان لديهم اقساما تتولى هذه المهمة. انطلاقا من هذا الوضع فقد طلبت الكنائس الالمانية من الكلية ان تساهم بتعليم طلابها لمدة سنة. وهؤلاء يفدون الى كليتنا باستمرار للحصول بالاساس على مقررات في الاسلاميات واللغة العربية وتاريخ الكنائس القديمة والحركة المسكونية في الشرق الاوسط. هذه المواد التي يركزون على مقررات حولها باتت بالنسبة لهم اساسية، خصوصا عندما يعملون على اعداد رعاة للكنائس. ففي اوروبا اليوم والمانيا على نحو مخصوص جاليات اسلامية كبرى من الاتراك والاكراد واللبنانيين والعرب، وهم يريدون معرفة ديانة هؤلاء وايمانهم ومعتقداتهم وطقوسهم، ثم انهم ـ في المانيا ـ يريدون معرفة المحيط الذي نشأت فيه المسيحية والاسلام، وهو محيط شرقي وعربي الآن. وهذا امر بديهي. هؤلاء الطلاب الذين يفدون الينا من الكنائس الالمانية ننظم لهم الى جانب المقررات الدراسية التي يتولاها اساتذة الكلية لقاءات مع القيادات الاسلامية، التي تقوم بنفسها بشرح رؤيتها للدين الاسلامي وما يستطيع تقديمه للانسان. نحن نعتبر ان ما نقوم به في هذا المضمار هو مساهمة ثمينة من الكلية في فهم الديانات لبعضها البعض ولا يتم مثل هذا الامر من خلال الدراسة في الكتب والمراجع ومحاضرات الاساتذة بل من خلال الحوار المباشر، الذي تعبر عنه اللقاءات كما يعبر عنه منتدى الفكر ايضا.
يبقى القول ان الكلية لا تملك احصاءً دقيقاً لعدد متخرجيها منذ تأسيسها وحتى الآن. لكن منذ عام 1990 وحتى الآن خرّجت ما لا يقل عن 150 من رعاة الكنائس والقسس للكنائس الاوروبية بالإضافة الى عدد كبير من الطلاب الافارقة وهم ايضا بالمئات، هذا بالإضافة طبعا الى من خرّجتهم الى الكنائس الاربع في لبنان وسوريا والاردن وفلسطين. مع ذلك لا بد من القول ان الطائفة الانجيلية هي طائفة صغيرة بالمقاييس اللبنانية، نشير الى ان لديها نائبا عن بيروت، وكان يشغل هذا الموقع النائب والوزير الشهيد باسل فليحان الذي سقط جراء الحروق التي اصيب بها في الانفجار الذي اودى بالرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كلية اللاهوت
تمتاز كلية اللاهوت للشرق الأدنى عن سواها انها تتمتع بمبنى مستقل، يضم اضافة الى غرف الدراسة، مكاتب، مكتبة (42 الف مجلد باللغات العربية، الارمنية، الفرنسية والالمانية والانكليزية) قاعات، مطعم، كنيسة، مقهى وغرف منامة لخمسين طالبا مقيما، مسرح وقاعة رياضة وغيرها. تمنح الكلية شهادات: بكالوريوس في اللاهوت، بكالوريوس في العلوم المسيحية وفي التربية المسيحية مع جامعة هيكازيان ودرجة الماستر في: الإلهيات، الفنون والثقافة المسيحية والبحث، إضافة الى دبلوم في الدراسات اللاهوتية، والأخير يمنح للطلاب الذين يرغبون في تعميق دراساتهم فقط، وهي غير معادلة، باعتبار ان امثال هؤلاء قد لا يكونون من حملة البكالوريا القسم الثاني، او اقتصرت دراستهم على مقررات لا تصل الى انجاز كل ما هو مطلوب للحصول على الدرجة العلمية. تولي الكلية تركيزها على تأمين حاجات الكنائس الاربع التي تنتمي هي اليها، اضافة الى تعميق العلوم الانجيلية والبروتستانتية. الكلية عضو في رابطة كليات اللاهوت في الشرق الاوسط وتملك عضوية في كنائس الشرق الاوسط الانجيلية ومجلس الشرق الاوسط للكنائس ايضا. يبدأ الفصل الدراسي في الكلية في تشرين الأول ويستمر حتى كانون الثاني. اما الفصل الثاني فيمتد بين شباط وحزيران. كلفة الفصل مع الاقامة والغـــرفة 520 دولارا وتشترط تأمينا ضد الحوادث.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...