لماذا تناقصت الولادات الطبيعية وزادت القيصريات ؟

27-10-2010

لماذا تناقصت الولادات الطبيعية وزادت القيصريات ؟

عندما يتم سؤال سيدة حامل تنتظر مولودها الجديد كيف تفضلين الانجاب فتجيب بمعظم الأحيان ودون تردد، أرغب ان تكون ولادتي من خلال عملية قيصرية، لا أريد إجراء ولادة طبيعية فهي تقلقني وتخيفني لكن القيصرية بدون آلام؟ وتستطرد قائلة هذا ما أخبرني به طبيبي، القيصرية أفضل لصحتي ولصحة المولود.
قيصرية حسب الطلب‏‏
خلال العقد الماضي لم يكن أحد يسمع بالعملية القيصرية إلا نادراً وكان ذلك ينضوي ضمن حالة طارئة أو عاجلة أو تأخر بالولادة أو في حالات أقل إثر حدوث وفاة للأم الحامل ولا يبقى إلا اخراج المولود بعملية قيصرية، أما الآن فأصبحت العملية القيصرية اختيارية او ترفيهية، ومن ضمن موضة عام 2010 حتى ان البعض يعتقد ان معظم النساء سيرفضن تحمل آلام الولادة الطبيعية مع حلول عام 2012.‏‏

ما السر بهذه الموضة؟‏‏
عمل معظم الأطباء المتخصصين باختصاص النسائية على تعميم فكرة أفضلية العملية القيصرية على الولادة الطبيعية نظراً للربح المادي الكبير الذي يجنيه الطبيب من اجراء العملية القيصرية حيث يتراوح أجرها وتكلفتها في المشافي الخاصة بين 45-60 ألف ليرة سورية في وقت لايتجاوز اجراء الولادة الطبيعية أكثر من 23 ألف ليرة وذلك في مشافي الخمس نجوم بينما يتدنى ل 10-12 ألف ليرة بمعظم الأحيان ولذلك فإن إجراء عملية قيصرية واحدة يغني عن خمس ولادات طبيعية.‏‏
ومن جانب آخر يفضل الأطباء الولادة القيصرية المحددة مسبقاً بموعد يحدده الطبيب بناء على أجندة وقته، حيث يفضل ذلك على ان يجري ولادة طبيعية، قد تبدأ معاناة المريضة فيها الساعة الثانية او الثالثة أو الرابعة صباحاً وتبدأ معها معاناته بالاستيقاظ بهذا الوقت المزعج بالنسبة له وليجني جراء ذلك بضعة آلاف لايجدها تلبي طموحاته الطبية.‏‏

مشافٍ خاصة‏‏
خلال جولة ميدانية على خمسة مشافٍ خاصة تعنى بالولادة بصورة متخصصة وجدنا ان عدد عمليات القيصرية فيها يفوق عدد الولادات الطبيعية وذلك خلال الربع الاخير من عام 2010 أي من 1/7/2010 وحتى 30/9/2010 حيث وجد ان المشفى العربي أجرى 52 قيصرية بينما عدد الولادات الطبيعية 19 ولادة وإذا ماتغاضينا مبدئيا عن الاحصائيات غير الدقيقة التي ترسل فيها المشافي الخاصة تقاريرها الى وزارة الصحة عن عدد ونوع العمليات الجراحية بكل أنواعها ومن ضمنها القيصريات وكذلك حالات الولادات الطبيعية حيث أكد لنا اكثر من طبيب وطبيبة لديهم ثقة خاصة بجريدة الثورة ومصداقيتها ان ما يتم ارساله من تلك العمليات انما هو نزر يسير. ففي أحد المشافي الخاصة التي زرناها وقدموا فيها احصائية مفادها ان عدد العمليات القيصرية التي اجروها خلال ذلك الربع هو 49 عملية و 23 ولادة طبيعية وهي نفس الاحصائية التي ارسلوها لوزارة الصحة أكدت لنا احدى الطبيبات المتخصصات بالنسائية ان هذا الرقم تجريه طبيبة واحدة فقط من بين 27 طبيبا وطبيبة متخصصين باختصاص النسائية هناك هذا ناهيك ببقية انواع العمليات الجراحية والاستطبابات الاخرى.‏‏
وفي مشفى الحياة كان عدد القيصريات 61 وعدد الولادات الطبيعية 34 ولادة.‏‏
 
مديرية التخطيط‏‏
ولدى مراجعة مديرية التخطيط في وزارة الصحة دلت الارقام ان دمشق قد أجري فيها خلال عام 2009 وهو آخر احصاء متوفر عن المشافي الخاصة بدمشق حيث بلغ عدد العمليات القيصرية 4745 عملية بينما كان عدد الولادات 4304 وفي «حمص 8913 قيصرية، و1898 طبيعية»، «اللاذقية 1158 طبيعية و3334 قيصرية»، «طرطوس 805 طبيعية، و3690 قيصرية»، «حماة 2097 طبيعية و2380 قيصرية»، «دير الزور 1009 طبيعية و1456 قيصرية»، «درعا 771 طبيعية و1381 قيصرية»، «الحسكة 1562 طبيعية و2137 قيصرية».‏‏
بينما نجد الصورة معكوسة تماما فيما لو تابعنا الربع الثاني فقط لعام 2010 للمشافي العامة ففي «دمشق 431 عملية قيصرية مقابل 1959 ولادة طبيعية» وفي «ريف دمشق 1056 قيصرية، 4346 ولادة طبيعية» و في «طرطوس 650 قيصرية مقابل 921 طبيعية»، «اللاذقية 501 قيصرية مقابل 816 طبيعية»، «حماة 1061 قيصرية مقابل 2976 طبيعية»، واللافت انها كانت في كل من الحسكة ودرعا ودير الزور ذات فوارق شاسعة فهي «343 قيصرية و 2361 طبيعية بالحسكة»، «646 قيصرية مقابل 5601 طبيعية في درعا» «674 قيصرية بدير الزور مقابل 3568 طبيعية بدير الزور».‏‏

مشفى التوليد الجامعي‏‏
لو ذهبنا باتجاه تخصصي وأخذنا نفس الاحصائية من مشفى التوليد وأمراض النساء الجامعي بدمشق من 1/1/2010 وحتى 30/9/2010 يوضح لنا الاستاذ الدكتور كنعان السقا مدير عام المشفى إن عدد الولادات الطبيعية ضمن تلك الفترة هو 6413 وعدد الولادات القيصرية 2651.‏‏
ويؤكد السقا ان المشفى الذي يضم 204 اسرة هو اكبر مشفى في القطر يعنى بالولادة ولذلك فهو يعطي صورة حقيقية عن واقع الولادات وأنواعها في سورية حيث تتم فيه متابعة الحوامل وعمليات التوليد ومعالجة الامراض النسائية المختلفة والاورام ومعالجة العقم حيث يوجد بالمشفى 43 طبيبا متخصصا بالنسائية و 294 ممرضة.‏‏

ما السر بذلك ؟‏‏
السؤال الذي يطرح نفسه الآن ما السر بارتفاع عدد العمليات القيصرية في المشافي الخاصة أمام الولادات الطبيعية في حين هي عكس ذلك تماما في مشفى التوليد وأمراض النساء الجامعي هل النساء مختلفات ام ان وراء الأكمة ما وراءها، حيث يعمل معظم الاطباء في المشافي الخاصة على اقناع السيدات بأن القيصرية هي تدبير صحي أفضل لهن.‏‏
في جولة على مشاف عامة ومشاف خاصة في هذه الأيام سيجد العارف ان نوعية الأجهزة الموجودة بالقطاع الخاص هي أجهزة قديمة ومستهلكة أمام الأجهزة المتطورة الموجودة بالقطاع العام ولكن الاقناع وأساليب الدعاية التي يتبعها القطاع الخاص ودور الأطباء هو مايعطي صورة براقة للخاص على حساب خدمات الدولة المميزة والمتطورة والآمنة.‏‏
والسبب في ذلك بسيط فالقطاع الخاص يحسب حساباً لكل قرش يصرفه ولذلك يبحث عن الارخص ويلمع صورته أما مشافي الدولة فأهدافها العلاجية والتدريسية للطلاب تكون مختلفة تماما وبعيدة عن الربح المادي الأجوف الذي لا يراعي حياة المريض وصحته في بعض الأحيان حيث هناك مئات الحالات لمشاف خاصة رفضت قبول مريضة بحالة طارئة لأنها لم تدفع المعلوم قبل الدخول.‏‏

مثال خاص‏‏
في لقاء مع الدكتور مروان صيدلي رئيس مجلس ادارة مشفى العربي الجديد اوضح انه في شهر أيلول لم يجروا إلا 28 عملية قيصرية وولادة طبيعية فقط وهذا ما أرسلوه بتقرير رسمي الى وزارة الصحة؟!!‏‏

تحذير من القيصرية‏‏
في لقاء مع الدكتور أنس حبيب اختصاصي النسائية قال: صدرت منذ يومين دراسة بريطانية هامة توضح ان الخطر الذي تتعرض له السيدة بسبب اجراء عملية قيصرية هو 14 ضعف الخطر الذي قد يحدق بها فيما لو ولدت بشكل طبيعي فكل شيء طبيعي هو آمن.‏‏
وأضاف حبيب في القيصرية يتم تعريض المريضة لتخدير عام هذا بحد ذاته يشكل خطرا كبيرا على الحامل وجنينها ثم يتم التداخل الجراحي عن طريق فتح البطن بطبقاته المختلفة وفتح الرحم لاستخراج الجنين كل هذه الطبقات تم قصها بينما بحالة الولادة الطبيعية تعود المرأة بعد الولادة الطبيعية بحوالي 4 ساعات الى حالتها الطبيعية بينما تبقى الانتفاخات البطنية والآلام المبرحة لأسبوعين بحالة القيصرية على أقل تقدير.‏‏

القيصرية طارئة‏‏
وأكد د. أنس حبيب أنه لا يجب اللجوء لاجراء القيصرية إلا بحالات طارئة او خاصة كما هو الحال بوجود مشاكل صحية مفاجئة لدى الأم أو الجنين فإذا لاحظ الطبيب أن صحة الجنين أولا مهددة بالخطر كنقص الأوكسجين او بحالة وجود نزيف شديد أثناء الحمل يهدد حياة الأم والجنين معاً، أو عندما يتقدم الحبل السري رأس الجنين.‏‏
وتابع د. حبيب: عندما يصبح واضحاً أثناء الولادة أن الأم غير قادرة على الولادة من تلقاء نفسها «تعسر ولادة» وضيق عظام الحوض، أو كبر حجم الجنين أوعدم اتساع عنق الرحم عندها يتم اجراء القيصرية التي تكون أحيانا لا غنى عنهاخاصة بحالة المرأة البكرية والكبيرة السن، واحيانا بحالة المعاناة من ارتفاع شديد بضغط الدم او حالات تسمم الحمل وأمراض أخرى مثل مرض السكري او أمراض الكلى.‏‏
حالات أخرى‏‏
وعدد د. حبيب بعض أنواع العمليات التي لاغنى عن القيصرية فيها وهي عندما تجري الأم قيصرية سابقة وكان السبب الذي أجريت من أجله العملية الاولى لا يزال موجودا او اذا كانت الأم قد اجرت استئصال ورم ليفي بالرحم خاصة اذا فتح باطن الرحم أثناء العملية او اذا كانت الأم أجري لها عملية لتصليح عيب خلقي بالرحم وهناك حالات عدم انتظام الطلق او ضعفه.‏‏
كما توجد حالات تتعلق بالمشيمة وانغراسها بأسفل الرحم او انفصالها الحاد والباكر او زيادة مدة الحمل عن 42 أسبوعا وزيادة وزن الطفل عن 4 كغ او أقل من 2.5 كغ «خديج».‏‏
قيصرية بنسب مئوية‏‏
الجنين بحالة معقدة 15٪‏‏
قيصرية سابقة 25٪‏‏
اجهاد الجنين 15٪‏‏
تعسر ولادة 35٪‏‏

أبرز مخاطر القيصرية‏‏
وذكرت الدكتورة سلام مرتضى ان مخاطر العملية القيصرية تتركز في النزف الشديد اثناء العملية وحدوث تجلطات في الأوعية الدموية الموجودة بالأطراف السفلية بعد الولادة والتهاب الجرح بعد الولادة.‏‏
قيصرية ثانية‏‏
وقالت مرتضى: القيصرية ستتبعها قيصرية أخرى اذا كان السبب الذي أجري من أجله العمل الجراحي الأول باقياً ولكن بصفة عامة معظم النساء لديهن الفرصة الكاملة للولادة الطبيعية في الحمل القادم الذي يلي القيصرية وذلك بنسبة 70٪.‏‏
نقابة الأطباء‏‏
د. وائل حلقي نقيب أطباء سورية أوضح أنه قد يكون هناك استطبابات والدية تستدعي اجراء عملية قيصرية او ان المريضة هي التي تطلب ذلك خوفا من الولادة الطبيعية ولكن على الطبيب هنا ان يشرح الوضع تماما ومدى الحاجة لعملية قيصرية او ولادة طبيعية مع توضيح أبعاد اجراء القيصرية مقارنة بالولادة الطبيعية وأضاف حلقي: قد يكون هناك نزوف نسائية سابقة او مشاكل مرضية متنوعة تضطر المريض لاجراء عملية قيصرية وليس ولادة طبيعية اما بشكل عام فإن استغلال المريضة دون ان يكون هناك حاجة مرضية ملحة او دون مبرر طبي فهذا امر مرفوض تماما.‏‏
واوضح حلقي أن المشكلة في الموضوع هي ان الطبيب المعالج هو صاحب القرار باجراء عملية قيصرية او ولادة طبيعية ولذلك لا أحد يستطيع الجزم بصحة او عدم صحة اجرائه الطبي آنذاك ولكن اذا كانت المريضة قد مرت على عدة اطباء وكان رأيهم مخالفاً لرأي الطبيب المختص الذي رجح القيصرية على الولادة الطبيعية «على عكسهم» فيمكن عندها سؤال الطبيب الذي قرر اجراء عملية قيصرية والتأكدمن وضع المريضة.‏‏
وعي طبي‏‏
الدكتور أحمد رجب اختصاصي في الطب النفسي اوضح قائلا ان وعي المريضة وذويها بأبعاد كل اجراء قد يتخذونه هو ما يرجح الكفة، فقد تدفع مريضة ثمن تسرعها باجراء عملية قيصرية لالزوم لها ولكن هكذا سمعت او هكذا اشيع في جوارها او اخبرها طبيبها او.. وهنا فإن السؤال باتجاهات متعددة سيعطي نتائج ايجابية.‏‏
وان مجموعة القرارات الصحية والصحيحة التي يتخذها المريض تجاه نفسه تعطيه رصيداً نفسياً تجاه ذاته والا فإن عدم الرضى عن النفس سيكون له اثار مدمرة على الذات الداخلية التي سترتسم امامها صورة مظلمة عما تم اجراؤه بلحظة تسرع وتم دفع ثمن باهظ جراء ذلك لا يمكن التراجع عنه.‏‏

موسى الشماس

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...